حريصة على استحداث تصوّر حديث لتفعيل الشراكة البينية في القارة
الجزائر قاطرة التكامل السياسي والاقتصادي الإفريقي

- 178

❊ إرساء رؤية استراتيجية لقارة استنزفت ثرواتها من قبل الدخلاء
❊ الجزائر تراهن على تقاسم تجاربها الناجحة مع دول القارة وتنويع اقتصادها
يشكّل احتضان الجزائر للطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية شهر سبتمبر الداخل، بمثابة إقرار لدورها الاستراتيجي على المستويين السياسي والاقتصادي في القارة السمراء، فضلا عن التزامها بإرساء رؤية مغايرة لقارة لطاما استنزفت ثرواتها من قبل الدخلاء، في الوقت الذي ظلت تجابه فيه كافة مظاهر الفقر وتدهور الوضع المعيشي لشعوبها.
من هذا المنطلق سيكون الحدث الإفريقي محطة لتقييم الاختلالات التي مازال يعاني منها الأفارقة، وفق المنهج الثابت للجزائر التي وضعت العمق الإفريقي ضمن أولوياتها، مرتكزة على مقاربة شاملة متعدّدة الأبعاد تقوم على ثلاثية الأمن، والسلم والتنمية، وتأخذ بعين الاعتبار الأسباب الحقيقية لمختلف التهديدات التي تواجهها القارة وتؤكد سيادة البلدان وترفض التدخل في شؤونها الداخلية تحت أي مبرر.
فبالإضافة إلى رصيدها السياسي الثري مع القارة، والذي انطلق من دعمها للحركات التحرّرية ما جعلها تحظى بلقب "قبلة الثوار"، تواصل الجزائر مسيرتها وفق نظرة تواكب التطوّرات الإقليمية والدولية الراهنة، من خلال الارتقاء بالوضع الاقتصادي لإفريقيا عبر إبرام شراكات اقتصادية فعّالة تتكيف واحتياجات شعوب القارة.
ولعل في المؤشرات الاقتصادية التي حققتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة، فضلا عن تحركاتها الأخيرة لاستحداث تصوّر جديد لتفعيل الشراكة البينية الإفريقية، موازاة مع جهودها لإشاعة الأمن والسلم والاستقرار، ما يجعلها حقا أهلا لقيادة القاطرة الافريقية، خاصة وأنها تولت تنفيذ عديد المبادرات والاستراتيجيات لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إفريقيا، ترجمتها استثمارات عديدة في شتى الميادين.
ويكفي أن نستدل في هذا الصدد برصدها سنة 2023 مبلغ مليار دولار لفائدة مشاريع تنموية في إفريقيا، من خلال الوكالة الوطنية للتعاون الدولي التي أنشأتها عام 2020، وذلك قصد المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في القارة الإفريقية.
وعليه، تراهن دول القارة على الجزائر بحكم موقعها الجغرافي لتسهيل ولوجها بعض الأسواق الإفريقية، فضلا عن كونها تتمتع بعلاقات جيدة مع عديد الشركاء سياسيا واقتصاديا، وحرصها على توظيف عديد الاستراتيجيات لترويج الفرص الاقتصادية في إفريقيا، ومن ضمنها الاستثمار في البنية التحتية والطاقة والزراعة والتكنولوجيا.
ورغم أن المعرض الذي ينتظر عقده في بلادنا يحمل الصبغة الاقتصادية، إلا أنه يحمل في طياته أبعادا سياسية وتاريخية وثقافية، انطلاقا من حرص الجزائر على تسبيق الأمن والسلم عبر ربوع القارة لتمهيد الأرضية لتحقيق الانطلاقة الاقتصادية الحقيقية وفق ركائز صلبة.
فمن بين المشاريع التي تراهن عليها الجزائر مشروع أنبوب الغاز الطبيعي العابر للصحراء الذي ينقل الغاز من نيجيريا إلى أوروبا، مرورا بالجزائر والنيجر، وكذا المشروع الضخم للألياف البصرية الرابط بين الجزائر ونيجيريا.
وتعتبر الجزائر تعزيز وجودها الاقتصادي في إفريقيا أولوية أولوياتها، خاصة بعد انضمامها إلى منطقة التجارة الحرة الإفريقية العام الماضي، حيث تراهن على تقاسم تجارتها مع دول القارة وتنويع اقتصادها، موازاة مع إطلاق مشاريع اقتصادية ضخمة، على غرار تموين إفريقيا بالكهرباء وإقامة مشاريع سكك حديدية تربط دول القارة التي ليس لديها سواحل، والعمل على تدارك التأخر المسجل في خطوط النقل بالدول الإفريقية، من أجل تشجيع رجال الأعمال على الاستثمار في القارة.
وعليه تتحدد الرؤية الاستراتيجية للجزائر تجاه القارة في حماية الروابط الاجتماعية والسياسية للمجتمعات الإفريقية من التآكل، بسبب التهديدات الأمنية المختلفة مثل الإرهاب، الجريمة المنظمة، الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية والتدخلات الخارجية والفقر والهجرة.
كما أن الجزائر التي ناضلت من أجل استقلال إفريقيا وتحررها من كل أشكال التبعية والاستغلال، تؤكد دائما دعمها للقضايا العادلة في العالم على غرار قضية الصحراء الغربية التي تعد آخر مستعمرة في القارة، انطلاقا من قناعتها بضرورة استحداث صورة مغايرة لإفريقيا مستقرة سياسيا ورائدة ومزدهرة اقتصاديا وتنمويا.