قال إن كل الظروف مواتية لتحويل منتدى الغاز إلى منظمة.. الخبير كاوبي:
الجزائر قادرة على وضع الأسس الأولى لإنشاء “أوبك للغاز”

- 358

❊ التكتل يدعّم الدفاع عن الأسعار واستقرار السوق في ظل الظروف الجيواستراتيجية
❊ أي منظمة تتطلب هياكل دائمة تمكّنها من اتخاذ قرارات تخصّ العرض والأسعار
❊ الجزائر تحظى بوزن دبلوماسي وقدرات تصدير ودعم من أكبر بلد مصدر
اعتبر الخبير الاقتصادي، محفوظ كاوبي، أن كل الظروف مواتية لطرح فكرة تحويل منتدى الدول المصدرة للغاز، إلى منظمة أو ما اصطلح على تسميته من قبل “أوبك الغاز” للدفاع عن الأسعار وعن مصالح المنتجين، مؤكدا أن قمة الجزائر قادرة على وضع الأسس الأولى لإنشاء هذه المنظمة مستقبلا، خاصة وأن الجزائر التي سبق وأن طرحت هذه الفكرة إلى جانب روسيا تحظى بمكانة دبلوماسية مرموقة، فضلا عن كونها تتمتع بقدرات تصدير هائلة تمكنها من كسب تأييد باقي الأعضاء.
أوضح كاوبي في اتصال مع “المساء”، أمس، بأن القمة السابعة لمنتدى رؤساء وحكومات الدول المصدرة للغاز التي تنعقد بالجزائر بداية من الخميس القادم، من المحتمل جدا أن تناقش مسألة تحويل المنتدى إلى منظمة لإعطاء صلاحيات أوسع في الدفاع عن الأسعار وتحقيق استقرار في السوق. واعتبر أن الوقت مناسب لوضع اللمسات الأولى لهذا المشروع الذي طرحته الجزائر وروسيا في القمة السابقة التي احتضنتها الدوحة، مشيرا إلى أن الجزائر ومن موقعها الدبلوماسي قادرة على الدفع بهذا الملف كبلد له كلمته ويحظى بعلاقات جيدة مع الدول الأعضاء، بما فيها روسيا التي تعد شريكا مهما للجزائر وأكبر دولة من حيث احتياطات الغاز والتصدير.
وقدر محدثنا بأن كل الظروف وأسباب التقدّم بشكل كبير في بلورة فكرة التحوّل إلى كارتل، متوفرة اليوم، مؤكدا أن الجزائر بإمكانها العمل عبر مقاربة براغماتية لتجسيد هذا المشروع بمحاولة ترتيب وهيكلة المنتدى من خلال إنشاء لجان للمنتدى والتقدّم في الدراسات الاستراتيجية لتكوين مقاربة مشتركة، على أن يتم العمل على تأسيس هذه المنظمة في مواعيد لاحقة، بعد اكتمال نضج المشروع.
وبالرغم من أن المادة الرابعة من القانون الأساسي للمنتدى تنصّ على أنه منظمة، غير أن إعطاءه الصبغة الحقيقية تأخرت، وهو ما أكده الخبير الاقتصادي الذي أوضح أن منتدى الدول المصدرة للغاز في صيغته أو هيكلته الحالية يعتبر منتدى وليس منظمة، بمعنى أنه إطار، يمكّن المصدّرين من تبادل الرؤى ومناقشة المسائل المرتبطة بالغاز والسوق والأمور المرتبطة بذلك، قائلا في هذا الشأن “عندما نتكلم عن منظمة بمفهومها الهيكلي المؤسساتي، معناه أن يكون لديها هياكل دائمة وقانون داخلي وأطر تعمل من خلالها من أجل تسيير الأمور المرتبطة بسوق الغاز من كميات الإنتاج والأسعار، على غرار “أوبك” التي لها هياكل مثل لجنة دراسة الأسواق التي تلعب دورا مهما أو اللجنة التقنية التي تعطي كل البعد الذي يمكن من تقريب وجهات الرؤى، بالإضافة إلى منح الصفة الإلزامية للقرارات، على عكس ما هو معمول به حاليا، كون المنتدى لا يتخذ قرارات مثل تلك التي تتخذها أوبك”.
وذكر كاوبي بأن حالة اللااستقرار في سوق الغاز تفرض على الدول المصدرة التوجّه إلى بناء مؤسساتي يشكل “كارتل” تعمل من خلاله عن الدفاع عن مصالحها، معتبرا إنشاء معهد البحث في مجال الغاز بالجزائر لبنة يمكن أن تبيّن وجود إرهاصات تؤكد أن المنتدى سيعرف بناء مؤسّساتيا، سواء في هذه القمة أو في قمة أخرى، باعتبار إشكالية الأسواق تفرض أن يكون هناك حدّ أدنى من السياسة المشتركة.
خضوع أسعار الغاز لمنطق أسعار النفط يفرض الدفاع عن المصالح
وأرجع كاوبي تأخر الذهاب إلى “أوبك للغاز” إلى كون منطق الأسواق، كان يعرف نوعا من الاستقرار، وسعر الغاز كان مرتبطا بسعر البترول. لكن منذ 2018 أخذ “السوق الآني” حيزا كبيرا وأصبح يمثل نحو 45% من تبادلات الغاز، وهو مرشح للوصول إلى 70% من التبادلات مستقبلا، ما سيقلص من حجم التصدير عبر الأنابيب. ما يحتم على البلدان تنسيق سياساتها وعملها لحماية مصالحها. كما أشار إلى العامل الاقتصادي المتمثل في ارتباط الأسعار إلى حد بعيد بأسعار البترول، إلى جانب تأثير الاستكشافات الجديدة وبروز قوى جديدة في سوق الغاز من خلال استكشاف الغاز الصخري في كندا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأمريكية والذي أدى إلى زيادة العرض وتغلب “السوق الآني”، إلى جانب العوامل الجيواستراتيجية، حيث أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية، على حدّ قوله، “الدركي” الذي يحاول الدفاع عن مصالح الشركات الكبرى التي استثمرت ملايير الدولارات في مجال الغاز الصخري، الأمر الذي يؤدي إلى عدم الاستقرار، لأن الولايات المتحدة التي تعد أكبر منتج بألف مليار متر مكعب سنويا لها امتدادات وعلاقات تربطها بالدول المستهلكة في أوروبا والدول المنتجة في الشرق الأوسط وأستراليا وكندا.
من هذا المنطلق، يرى الخبير، بأن الدول المصدرة للغاز يمكنها التوجّه إلى تشكيل كتلة أكثر انسجاما رغم المصالح المتضاربة في بعض الأحيان، في ظل زوال الاستقرار الذي كانت تعرفه الأسواق وانكسار الهيمنة الأمريكية التي كانت تفرض على دول الشرق الأوسط، حيث لم تصبح هذه الدول تخضع للقرار وللضغط الأمريكي خاصة منها قطر والسعودية وإيران. وذكر بأن الاستقرار الذي كانت تعرفه أسواق الغاز لم يكن يستدعي إنشاء كارتل قوي، على عكس ما هو موجود اليوم، والدليل على ذلك أن المنتدى عند تأسيسه وعقد قمته الأولى سجل تأخرا كبيرا في عقد قمته الثانية، حيث كان يجمع وزراء الطاقة للبلدان الأعضاء ولم يكن له التصوّر الحالي، ولم ير ضرورة لعقد لقاء مستعجل لعدة سنوات بحكم عدم وجود مواضيع تستدعي النقاش أو تهدّد مصالح المنتجين والمصدّرين.