رشيد بوجدرة لـ «المساء»:

الرواية في الجزائر بخير، ولن أسامح من أساؤوا إلي

الرواية في الجزائر بخير، ولن أسامح من أساؤوا إلي
  • القراءات: 632
❊ حاوره: زبير زهاني ❊ حاوره: زبير زهاني

يرى الروائي رشيد بوجدرة أن مستقبل الرواية في الجزائر يبشر بالخير، بالنظر إلى الطاقات الشابة التي ولجت هذا العالم وتقدم أعمالا في المستوى. ونصح عميد الروائيين الجزائريين، الشباب بالقراءة والتفتح على مختلف الفنون، وعدم التخوف من الكتابة، كما انتقد بوجدرة الذي التقت به «المساء» مؤخرا، على هامش لقاء بيع بالإهداء لمجموعة من مؤلفاته بمكتبة «ميديا بلوس» في قسنطينة، بعض الأفكار المتطرفة التي سببت له ولعائلته مشاكل خلال الأشهر الفارطة، مؤكدا أنه لن يتنازل عن حقه وأن العدالة هي التي ستأخذ له حقه كاملا، معتبرا أنه يدفع ضريبة الشهرة، وأنه كان مناضلا منذ صغر سنه، وسيواصل نضاله هذا إلى آخر العمر.

ما هي مناسبة تواجدك في قسنطينة؟

❊❊ أنا اليوم في قسنطينة من أجل التوقيع على بيع بالإهداء لكتابين باللغة الفرنسية، ويتعلق الأمر برواية «السلب» و»عصابات تهريب التاريخ»، وحتى كتاب «الحلزون العنيد» في طبعته الجديدة وباللغة الفرنسية. كنت جد مسرور بلقاء قرائي الشغوفين بأعمالي ورواياتي، ووجدت هذه العلاقة الحميمة والجو العائلي بين الكاتب والقارئ، وسررت بوجود عدد كبير من القراء الذين أقبلوا على مكتبة «ميديا بلوس» من أجل اقتناء مؤلفاتي. عرفت العملية نجاحا كبيرا وأشكر صراحة، صاحب المكتبة السيد ياسين حناشي على هذه المبادرات التي يقوم بها من وقت لآخر، والكتب القيّمة التي يوفرها لسكان هذه المدينة العريقة.

أصبح البيع بالإهداء في قسنطينة تقليدا منتشرا بين الكتاب، فما تعليقكم؟

❊❊ عرفت قسنطينة عندما كانت رائدة، وعندما كانت في عز الحركة الثقافية التي انخفضت مع مرور السنوات، لكن ظني اليوم بأن هناك بوادر لحراك ثقافي في هذه المدينة، وبدأت قسنطينة تخرج من سباتها، والدليل على ذلك ما رأيته اليوم ووقوف الناس في طابور من أجل اقتناء الكتب، هذا شيء جميل وربما ستكون انطلاقة جديدة لقسنطينة عاصمة الثقافة الجزائرية إن شاء الله.

بعد 50 سنة من العطاء، كيف يرى بوجدرة علاقته مع الكتابة؟

❊❊ لولا الكتابة لما وجدت نفسي، فالكتابة بالنسبة لي نوع من استنشاق الحياة والخروج من متاهاتي وصدماتي الشخصية، فقد ساعدتني الكتابة ومن خلال السرد الواقعي، على رؤية العالم وفق نظرتي. أحب دوما أن أعكس الواقع الداخلي وحتى العائلي في كتاباتي بمنظور مختلف، ربما ترى نفس الشخوص ونفس الوقائع. كما أفضل ربط الرواية بالتاريخ، التاريخ العام للجزائر الذي كتب منذ عهد الرومان، ومنذ نصوص أبيلي إلى نصوص ابن خلدون ومن جاء من بعدهما. فأنا أعتبر التاريخ جدارا، وأوظفه في رواياتي كجزء مهم يضاف إلى الجزء الحميمي، حيث يكون التداخل والتناقض والتناكر.

من أين يستمد بوجدرة قوة الإبداع؟

❊❊ صراحة، لست أدري، منذ الصغر وأنا أحب الكتابة، ففي عمر العشر سنوات بدأت بـ»الخربشة» ككل الناس، ثم تطورت هذه المحولات مع مرور السنوات إلى رغبة تكاد تكون جنسية، فكنت أستغيث بالكتابة من أجل الخروج من صدماتي الشخصية وأنتجت روايات لاقت نجاحا كبيرا، وتحولت بهذا إلى محترف للكتابة، لا أعمل أي شيء آخر وأعيش من بيع هذه الروايات التي تعد مصدر رزقي الوحيد.

  هل يرتبط الإلهام عند بوجدرة بلحظات معينة؟

❊❊ لا، أنا أكتب بطريقة خاصة، فالرواية تتبلور في ذهني لمدة طويلة قد تصل إلى سنتين، وأحيانا إلى خمس سنوات حتى تنضج، حينها أنطلق في الكتابة دون توقف وبسرعة فائقة، أشرع في الكتابة من الساعة الرابعة صباحا إلى غاية العاشرة ليلا، وأبقى على هذا الحال يوميا. يمكن أن أنهي رواية في أسبوع مثلما حدث معي في رواية «الحلزون العنيد»، أو ثلاثة أسابيع مثلما حدث في رواية «ألف وعام من الحنين».

أية رواية من أعمالك هي الأقرب إلى قلبك؟

❊❊ أحب كل رواياتي، فهي كلها مثل أبنائي ولا أستطيع التفضيل بينها، وأظن أن الرواية التي تستميلني بعض الشيء مقارنة بالروايات الأخرى، تلك الناجحة المكتوبة باللغة الفرنسية «طوبوغرافيا»، ثم رواية «التفكك»، الرواية التي كتبتها باللغة العربية، وهي رواية ضخمة جاءت بعد 6 روايات باللغة الفرنسية، وهما روايتان أضعهما كعملين أساسيين ضمن مجموعة الروايات التي كتبتها، ربما لدي إضافة، فالعديد من القراء يجهلون بأنني أكتب في الشعر، وقد نشرت في الشعر أربع مجموعات شعرية،  على غرار الأعمال الأخيرة «المستجزءات الخمس من الصحراء» وهي شعر نثري.

  درستم الفلسفة، فهل كان لذلك أثر على رواياتك؟

❊❊ طبعا، أثرت على كتاباتي كثيرا وكان التأثير جليا، فأنا دائما أعتمد خلال كتاباتي على تيار فلسفي ميتافيزيقي، وأنا من عشاق تيار التصوّف ومن عشاق المتصوف المشهور ابن العربي، واستعملت كثيرا نصوص هذا المتصوف في كتاباتي الروائية.

كيف هي العلاقة مع النقاد؟

❊❊ هناك نقد من نقد، فالنقد البنّاء مرحب به ومطلوب، أما أن يكون النقد من أجل تصفية حسابات فهو أمر غير مقبول بتاتا، وأنا أتعرض شخصيا بعد الكتاب الذي أصدرته بعنوان «عصابات تهريب التاريخ» باللغة الفرنسة، وهو عمل هجائي على غرار ما كان يقوم به شعراء العرب عند تناول مواضيع معينة  بالهجاء، إلى هجمة شرسة من طرف بعض وسائل الإعلام الخاصة والصحافة السياسية، وعلى رأسها بعض العناوين الفرانكفونية التي تعاملت معي بعنف في مواضيع صدرت على صفحاتها، قبل أن تتراجع وتصدر مواضيع أخرى، كأنها تعتذر عما بدر منها بطريقتها.

  كيف يجد بوجدرة عميد الروائيين واقع الرواية اليوم؟ 

❊❊ أنا لا أريد أن أتدخل في هذه الأمور، ربما أنا عميد الروائيين الجزائريين سنا، ولا أستطيع أن أقول أكثر من ذلك، فبالنسبة للرواية الجزائرية، وإذا تحتم الأمر للحديث عنها، أستطيع القول بأنه ومن خلال ملاحظاتي لبعض الأعمال من وقت لآخر، أرى فيها نوعا من «الفوران» عند الشباب، سواء كانت باللغة العربية أو بالفرنسة، خاصة عند البنات. أظن أن هناك أشياء جميلة، وسأكشف عن شيء ربما يجهله الكثيرون، فأحسن روائي أجده  بالنسبة للجيل الذي جاء من بعدنا هو حميدة العياشي، وهو يرفض أن أقول هذا الكلام، فأنا أجد حقيقة رواياته رائعة وقد كتبت عنها في العديد من المقالات.

يجرنا الحديث إلى مسألة المقروئية، فما تعليقكم؟ 

❊❊ البعض يتحدث عن انخفاض المقروئية، لكن إذا عدنا إلى الواقع، ومن خلال المعرض الدولي للكتاب الذي اختتمت فعالياته مؤخرا، أعطت مؤشرات معاكسة تماما لما كان يتداول حول المقروئية عندنا، فالبلد الذي يزور فيه حوالي مليوني مواطن  معرض الكتاب، من مختلف الأنحاء، وحتى من أعماق الصحراء ويستعملون مختلف وسائل النقل من سيارات وحافلات وحتى القطار، تبقى ـ في رأيي ـ المقروئية فيه بخير، وأضيف في هذا المجال أن للقارئ الجزائري موقفه من الجودة، فهو لا ينجذب إلى الكتابات التافهة، لكن تجده يقبل بقوة ويشتري كتب الأدب الراقي ذات مستوى ونوعية جيدة.

  بوجدرة صنع جدلا في الشارع الجزائري بعد أحداث بلاطو الكاميرا الخفية، فكيف كان ردكم؟

❊❊ طبعا، تأثرت كثيرا بهذه الأمور، أظن أن هناك أناس يحترفون الشر، فلا أستطيع وصف هذا الأمر إلا بالاختطاف أو العمل الإرهابي الذي تعرضت له شخصيا وتعرضت له زوجتي، وخيّل لي وقتها أن الموت مصيرنا. لقد كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي ولولا الأدب والقراء الذين ساندوني ومنحوني القوة، لما استطعت العودة بهذه السرعة. قدمت شكوى سارية المفعول والمحاكمة في بدايتها، وهؤلاء الناس سينالون عقابهم حتما. أشكر كل من تعاطف معي من الشعب الجزائري بمختلف أطيافه، وأظن أن هذه هي ضريبة الشهرة وأنا أتقبلها. وكما يقول المثل الشعبي الجميل عندنا «اللي أعطى يدو للحنة يعطيها للقصة». أنا مناضل منذ عمر الـ15 سنة، ضمن صفوف جيش التحرير الوطني، ثم في الحزب الشيوعي ونضالي لا يزال متواصلا.

  كيف تفسرون ما وقع لكم؟

❊❊ أستطيع أن أقول بأن هذا الأمر وما وقع لي، وراءه تفكير لا يزال موجودا في المجتمع الجزائري، وأظن أن هذا الأمر يدل على أن هناك أناس لا يزالون يعيشون وبداخلهم عنف يسكنهم، طبعا هنا أريد أن أشير إلى التفكير الإسلاماوي العنيف، على عكس التفكير الإسلاماوي السلمي الذي أقدره وأحترمه وأحترم رجاله،  وأنا شخصيا كنت صديقا للمرحوم محفوظ نحناح الذي كان يمثل هذا التوجه، كما كنت صديقا للمرحوم بوسليماني الذي طالته يد الاغتيال وقتل بطريقة رهيبة.

  ما هي رسالتكم للروائيين الشباب؟

❊❊ رسالتي هي القراءة، فالقراءة، ثم الجرأة، فالروائي مطالب بأن يكون ملّما بمختلف جوانب الأدب والمسرح والسينما والفنون التشكيلية، ويغتنم أول فرصة له للكتابة على الورقة البيضاء مهما كانت الظروف، ويضع الخوف من البداية جانبا، حتى يتمكن من ولوج عالم الكتابة والرواية.

حاوره: زبير زهاني