أستاذة القانون الدستوري فتيحة بن عبو لـ"المساء":

التراجع عن المناصفة مرده العجز عن تحقيقها

التراجع عن المناصفة مرده العجز عن تحقيقها
  • 376
شريفة عابد شريفة عابد

تقليص عدد التوقيعات في المناطق النائية حتمية يفرضها الواقع

أكدت أستاذة القانون الدستوري، فتيحة بن عبو، أن إصدار أمر رئاسي لتعديل قانون الانتخابات فيما يتصل بتخفيض عدد التوقيعات للمترشحين في المناطق ذات الكثافة السكانية الضئيلة، مع منح سلطة التقدير لسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات  في اعفاء القوائم الانتخابية من شرط المناصفة النسوية، هو ترجمة لحتمية يفرضها الواقع، وتتماشى مع خصوصية كل دائرة انتخابية والعلاقات التي تحكم أفرادها، مشيرة في هذا الصدد إلى أن المشرّع لا يأخذ بالمبادئ العامة للقانون عندما تكون أمامه حالات خاصة تحول دون تطبيق ذلك المبدأ.

واعتبرت المتحدثة، في تصريح لـ"المساء" أن الأوامر التي أسداها السيد رئيس الجمهورية، في الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء لتعديل قانون الانتخابات، بخصوص نقطة التقليص من عدد التوقيعات المطلوبة للمترشحين في المناطق ذات الكثافة السكانية الضئيلة، "حتمية يفرضها واقع هذه الأخيرة"، موضحة بأن التجربة أثبت استحالة أو صعوبة تطبيق هذا المبدأ في المناطق النائية غير الآهلة بالسكان، والتي تختلف عن المدن الكبرى كوهران والجزائر العاصمة وقسنطينة وسطيف مثلا. وأضافت في هذا الصدد بالقول "لا يمكن مثلا أن يشترط جمع 10 آلاف توقيع في دائرة انتخابية عدد ساكنتها 50 ألف نسمة، لأن الأمر يتعلق بشروط قانونية خاصة بالانتخابات أهمها أن يكون الشخص مسجلا في القوائم الانتخابية وبالغ السن القانونية للتصويت (18 سنة).. وهذا قد لا ينطبق على سكان الدائرة الانتخابية، ومنه فإن تخفيف هذا شرط في المناطق المعنية يتماشى والواقع المحلي لكل منطقة".

ولفتت محدثتنا إلى أن التراجع عن العدد المطلوب في التوقيعات للمترشحين المنحدرين من دوائر انتخابية نائية أو داخلية أو حدودية، دليل على أن العدد المعتمد في القانون الحالي، أثبت عجزا في التطبيق، هوما أدى الى مراجعته".

وفيما يتصل، بتمكين لرئيس السلطة الوطنية للانتخابات وحدها من إعفاء القوائم الانتخابية من شرط المناصفة النسوية، بعدما اعتمدت بصفة استثنائية في التشريعيات الماضية، قالت أستاذة القانون الدستوري، إن الإجراء يأتي من أجل الخروج من حالة الجمود التي فرضها القانون، "وهو" تراجع" يدل على عجز الكثير من القائمين على إعداد القوائم الانتخابية، سواء كانوا أحزابا أو قوائم حرة على توفير هذا الشرط، لاسيما في المناطق الداخلية والمناطق المحافظة التي يصعب فيها تحقيق هذا الشرط".

وسجلت الأستاذة بن عبو، في هذا السياق أن "القائمين على العملية الانتخابية يكونون قد استنتجوا بعد التجربة الأخيرة، أن شرط المناصفة صعب التطبيق في الواقع ما شجع على التوجه إلى الخروج من دائرته". واعتبرت أن إلغاء العمل بمبدأ المناصفة في التشريعيات الماضية بصفة استثنائية وتوسيعه حاليا، "ما هو إلا تراجع عن هذا المبدأ الذي اتضح أنه لا يتماشى وواقع كل منطقة من مناطق الوطن، بل هو أمر استثنائي تطبيقه يجب ان يسبقه عمل توعوي وتحسيسي وتربوي على مدى سنوات حتى يتم ضمان تطبيقه". وتعتقد الأستاذة، أن منح التقدير لرئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، لتطبيقه حسب كل حالة يضع المترشحين في أريحية و يخرجهم من حتمية المناصفة التي  تحولت إلى عقبة أمام الأحزاب. واستدلت في حديثها بالصعوبة التي تم مواجهتها في وقت سابق، في تطبيق مبدأ المحاصصة النسوية أو ما كان يعرف بـ"نظام الكوطة" الذي يفرض 30 بالمائة من النساء في القوائم الانتخابية، "حيث عملت السلطة وقتها على محاولة تحقيق توازن بين الولايات بخفض النسبة في منطقة ورفعها في أخرى حسب خصوصيات كل منطقة. وذكرت بأنه في تشريعيات 2012، مثلا اعتمدت نسبة 35 بالمائة من النساء في القوائم الانتخابية بالعاصمة، تيزي وزو، والدوائر الانتخابية بالخارج خاصة في منطقتي شمال وجنوب فرنسا، فيما تم اعتماد نسبة 30 بالمائة في قسنطينة مع خفض النسبة إلى 25 و20 بالمائة في ولايات أخرى.

وخلصت أستاذة القانون الدستوري، في الأخير إلى أن منح سلطة الانتخابات سلطة التقدير بخصوص القوائم التي تستطيع تحقيق شرط المناصفة من عدمها، يعكس التوجه التدريجي نحو التخلي عن هذا الشرط مستقبلا، "لأنه غير مرن وغير سهل للتطبيق في الكثير من الحالات".