مشروع قانون الاستثمار قريبا أمام المجلس الشعبي الوطني

إصلاح معمّق لتشجيع الاستثمارات الأجنبية

إصلاح معمّق لتشجيع الاستثمارات الأجنبية
  • القراءات: 2372
مليكة خلاف مليكة خلاف

حمل مشروع قانون الاستثمار لسنة 2016 الذي ينتظر عرضه قريبا بالمجلس الشعبي الوطني، عدة محاور تتعلق خصوصا بترقية وتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، من خلال مراجعة المنظومة المؤسساتية التي تحكم القطاع، حيث تأتي في مقدمتها القاعدة 49/51 التي استؤصلت من القانون لتدرج كمقترح في قانون المالية 2016، فضلا عن القاعدة المتعلقة باللجوء الإجباري للتمويل الداخلي، وتلك المنظمة للشراكة مع المؤسسات العمومية.

يتضمن المشروع الذي تنفرد "المساء" بنشره، نقل بعض القواعد في سياق إعادة ترتيب القانون نتيجة التعديلات المتعددة التي خضع لها، حيث تمت الإشارة في هذا الصدد إلى القاعدة 49/51 التي وصفت بالمصدر غير المرغوب فيه، نظرا لصعوبة احترامها من طرف الأجهزة المكلفة بالاستثمار، بل لعدم إمكانية التحقق من احترامها عند التطبيق ولكونها تدخل في مرحلة قبول الاستثمار في غياب اشتراط القوانين الأساسية والسجل التجاري، في حين أن تجسيد الالتزام بالقاعدة لا يتم إلا في مرحلة الانجاز.

110 تصريح أجنبي فقط على مستوى الوكالة الوطنية للاستثمار 

مشروع القانون الذي سيعرض خلال الشهر الجاري على اللجنة الاقتصادية للمجلس الشعبي الوطني، أشار إلى تمكن 5141 مستثمر أجنبي من ممارسة الأنشطة التجارية خلال الفترة الممتدة ما بين 31 ديسمبر 2008 و31 ديسمبر 2013، منها 711 بعنوان الاستيراد، في حين أن الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار لم تسجل في نفس الفترة، إلا 110 تصريح باستثمار أجنبي تم قبولها من طرف المجلس الوطني للاستثمار. علاوة على ذلك، تم التطرق إلى إدراج نشاطات الاستيراد في قانون الاستثمارات لفائدة النشاطات التابعة لهذا القطاع، مما مكنها من ضمان الحق التلقائي لتحويل الأرباح، في حين لم يكن يسمح له بالاستفادة من هذا الحق إلا بعد دراسة حالة بحالة، و بشرط أن يكون الاستثمار معتبرا حسب تقدير بنك الجزائر.

وفيما يتعلق باللجوء الإجباري للتمويل الداخلي، يرى المشروع أن تمويل الاستثمار الذي يسبقه القبول، يشكل التزاما على عاتق المستثمر، كما أن إثباته لا يشكو من أي معارضة بما أنه لا يمكن لأي بنك التصريح بقبول ملف التمويل في غياب سجل تجاري، مشيرا إلى أن هذه القاعدة تخضع أكثر للعلاقات المالية مع الخارج، مما يجعلها تدرج صلب القواعد التي يتولى تنفيذها بنك الجزائر.

من هذا المنطلق، يعتبر المشروع أن قاعدة اللجوء الإجباري للتمويل الداخلي المحتفظ به في القانون والموجهة لإيقاف الآثار غير المرغوب فيها للعمليات المولدة لمديونية خارجية، لا تغطي سوى جزء طفيف من هذه العمليات، كما تبقى الاستثمارات الأجنبية خارج مجال المحروقات جد ضئيلة و لا تمثل إلا خطرا طفيفا لارتفاع المديونية الخارجية، مقارنة بمبالغ أخرى أكثر أهمية التي يمثلها استيراد السلع والخدمات. طبقا لذلك، يقترح مشروع القانون وضع هذا الأخير في تدبير لقانون المالية أونظام لبنك الجزائر على أساس المادة 128 من قانون النقد والقرض.

المساهم الجزائري المقيم يخضع لعمليات فتح رأس مال

بخصوص القواعد المطبقة على الشراكة مع المؤسسات العمومية عن طريق فتح رأس المال، يقترح مشروع القانون إلغاءها من قانون الاستثمارات، كون هذه العملية خوصصة بحتة بمفهوم المادة 13 والمتعلقة بتنظيم المؤسسات العمومية الاقتصادية وتسييرها، وعلى هذا الأساس، تم إدراج مادة في مشروع قانون المالية الجديد يخضع بموجبها المساهم الجزائري المقيم لعمليات فتح رأس مال المؤسسات العمومية الاقتصادية مع الالتزام بالاحتفاظ على 34 بالمائة من رأسمالها الاجتماعي على الأقل.

تمت الإشارة في هذا السياق إلى ضرورة الوفاء بكل الالتزامات الواقعة على عاتق المساهم الجزائري المقيم أثناء إبرام المعاملة بعد خمس سنوات، برفع طلب لمجلس مساهمات الدولة لشراء باقي الأسهم أوالحصص الاجتماعية التي تحوزها الدولة. فيما يتعلق بالتدابير المقترحة لإلغاء بعض القواعد، أدرج مشروع قانون المالية، قاعدة الميزان الفائض للعملة الصعبة، حيث يرى استحالة تطبيقها، كونها تنكر مفهوم المؤسسة، فضلا عن المخاطر التي تنجر عنها بسبب حدوث الخسائر (غياب أرباح، أي عجز بميزان العملة الصعبة). إلى جانب ذلك، يرى القانون أن القاعدة من شأنها منع كل تدفق للرأسمال في حال تطبيقها، علما أن المشروع في مرحلة الانجاز لا يحقق أي إيرادات لا بالدينار ولا بالعملة الصعبة، في حين أنها تطبق طيلة مدة حياة المشروع الاستثماري.

إنقاص قيمة المعاملات الشبيهة

بخصوص التدابير الواجب تكييفها، تضمن مشروع القانون حق الشفعة، حيث أشار إلى أن هذه الأخيرة فقدت دورها كأداة مراقبة دخول الأجانب للاقتصاد الوطني منذ حذف إجراء الدراسة المسبقة للاستثمارات الأجنبية المباشرة من طرف المجلس الوطني للاستثمار. يقترح في هذا الصدد الاكتفاء بنسبة إنقاص قيمة المعاملات الشبيهة  بحق الشفعة المخول للإدارة الجبائية بموجب قانون الإجراءات الجبائية (المادة 38 مكرر 3)، مع مراعاة توسيعه ليشمل الأسهم والحصص الاجتماعية، علما أنه تم اعتماد تدبير بهذا المفهوم في قانون المالية التكميلي لسنة 2015. كما يرى أن مراقبة التنازلات المنصوص عليها في معظم التشريعات المتعلقة بالاستثمار، يحل محل حق الشفعة، الذي يبقى تدبيرا ذو طابع مفرط بالنسبة للعمليات الصغيرة، غير أنه مبالغ فيه بالنسبة للقانون العام.

بالنسبة لقاعدة اللجوء الإجباري للتمويل الداخلي، أشار مشروع القانون إلى أنها تصطدم مع الشروط المرتبطة بمنح ضمان تحويل العائدات، الذي يرتبط بمبلغ المساهمة في تمويل التكلفة الكلية لمشروع الاستثمار والمساهمة في رأس المال (أموال خاصة) على شكل وسائل دفع خارجية (عملة صعبة مستوردة). من هذا المنطلق، يرى القانون أن هذه القاعدة تحد المساهمة بالعملة الصعبة بالمبلغ الضروري لتكوين رأس المال الاجتماعي (49 بالمائة من 1000000 دج للشركة ذات الأسهم، و الذي يحدد بحرية من طرف المساهمين بالنسبة للشركة ذات المسؤولية المحدودة)، بحيث ترخص اللجوء للاقتراض الداخلي للحصول على الدينار.

كما تمت الإشارة إلى أن الاحتفاظ بالقاعدة على حالها يشكل مصدرا لآثار سلبية في غياب تدابير موجهة لتحديد مستوى أدنى للحصص من الأموال الخاصة، عن طريق العملة الصعبة القابلة للتحويل، محسوبة بمرجعية التكلفة الإجمالية للاستثمار. فيما يتعلق بالاستشارة المسبقة للحكومة من أجل التنازل للخارج عن أسهم مؤسسات أجنبية تحوز أسهما أو حصصا اجتماعية في مؤسسات خاضعة للقانون الجزائري، والتي استفادت من مزايا أوتسهيلات، يقترح مشروع القانون حصر الاستشارة المسبقة فقط في عمليات تنجز خارج إطار البورصة، والتي تتضمن عدد أسهم يساوي أو يفوق 10 بالمائة من الرأسمال الاجتماعي للشركة المعنية، أي مستوى يخوّل حق مراقبة للمساهمين أوالشركاء الجدد.

بخصوص مبدأ المعاملة الوطنية للأجانب، يشير القانون إلى استبدالها بالمعادلة العادلة والمنصفة، مع مراعاة الاتفاقيات الدولية التي وقعتها الدولة، في حين يدرج نظاما آليا للحصول على المزايا للتخفيف من البيروقراطية وتحسين نوعية خدمات الإدارات العمومية الاقتصادية لاسيما تلك التي تتدخل في ترقية الاستثمار. من جهة أخرى، يتضمن مشروع القانون حذف الشروط المسبقة بهدف تطهير منظومة التحفيزات من بعض الأحكام التي وإن لم تنفذ بسبب غياب النصوص التطبيقية، إلا أنها تثير التحفظ لدى المستثمرين الذين يرونها كخطر يتوقع حدوثه بغتة. كما لوحظ أن التدابير السابقة المسطرة في هذا المجال بقيت على حالها بسبب صعوبات إحصاء الإنتاج الوطني ومعادلة هذه الأخيرة مع الخاصيات التقنية للأجهزة أوالبضائع الواجب إنتاجها. والشيء نفسه بخصوص الالتزام بإعادة الاستثمار الذي يكتسي شكل ضغط على المستثمر بعد إقناعه باستعمال وسيلة الجباية كأداة للتحفيز في الاستثمار، وبذلك يقترح مشروع القانون تدبير على مستوى قانون المالية لإلغاء هذا الالتزام.

السلع المستعملة: نص يرخص ونص يمنع

قانون الاستثمار خص أيضا حيزا لرفع عراقيل هذا القطاع، من خلال رفع التناقضات الناتجة عن منع اقتناء العتاد والأجهزة المجددة مع بعض أحكام القانون المرتبطة بالاستثمار، حيث أن هذا المنع كان له الأثر في عرقلة الاستثمارات، لاسيما تلك المنجزة بواسطة حصص عينية عن طريق القرض الإيجاري الدولي بتحويل النشاطات من طرف المستثمرين المحليين غير المقيمين العائدين بصفة نهائية للبلاد ونقل النشاط من الخارج. وفي مثل هذه الحالات، فإن السلع المعنية لا يمكن أن تكون مستعملة، الشيء الذي يخلق وضعية متناقضة بين نص يرخصها وآخر يمنعها.

من هذا الباب، يحاول مشروع القانون رفع التناقض باستبعاد هذه المزايا المستحدثة اصطناعيا لفائدة المؤسسات الأجنبية، التي هي على عكس المؤسسات الوطنية، يمكنها اللجوء لاستخدام العتاد المستعمل تحت نظام القبول المؤقت لتقديم أقل تكاليف الاستغلال. قصد إزاحة الحواجز بين مختلف منظومات التحفيز السارية المفعول، والتي تشكل عائقا أمام تجسيد توصية الحكومة، يقترح مشروع القانون إلغاء القاعدة المسماة "عدم جمع المزايا" التي كانت تمارس بصفة متناقضة مع أحكام قانون الاستثمارات، مقابل اعتماد قاعدة تجعل المستثمر يستفيد من مزايا أكثر فائدة.

كما يولي مشروع القانون الاهتمام لوضع بنية جديدة لنظام التحفيزات، تصبح فيه المزايا الجبائية، ومدتها أكثر أهمية، حيث يعتمد التعديل في هذا الصدد على مراجعة ترتيب آثار منظومات التحفيز بعد تزويد قطاع الصناعة بمزايا خاصة به، انطلاقا من النشاطات المعترف بأولوياتها اقتصاديا واجتماعيا أوعندما تتواجد في مناطق ترغب الدولة في إعادة بعث النشاط فيها.

فيما يتعلق بالقضاء على التدابير ذات الطابع الظرفي، يرى مشروع القانون أن النصوص التي يتضمنها قانون المالية لسنة 2014، لا سيما المواد 58، 55 و 74 تفتقد لإطار مرجعي شامل، إلى جانب أنها تكتسي الطابع الظرفي البحت مما يفرز تناقضات، إذ في الوقت الذي تهدف تدابير لإحلال نوع من تدريجية المزايا حسب أهمية الهدف المنشود، تسعى تدابير مختلفة للتقليص من المزايا، بل إبطال كل منظومات المساعدة على الاستثمار، بوضع نمط تطبيق مؤسس على نسبة إدماج المنتوجات المصنعة محليا.

من جهة أخرى، يهدف مشروع القانون لتضييق نطاق بعض المزايا عن طريق إعادة الهيكلة والخوصصة، أي استثناء المستثمرين الخاضعين لنظام الضريبة الجزافية الوحيدة واستثناء سلع الرفاهية وتلك التي ليس لها علاقة مباشرة مع نشاط المشروع وكذلك وضع حد أدنى للأموال الخاصة بالنسبة للاستثمارات الأجنبية، إضافة إلى إخضاع المشاريع التي تفوق قيمتها 5 مليار دج للرأي المسبق للمجلس الوطني للإستثمار من أجل منح وتحديد المزايا فيما يخص حق الامتياز على الأراضي (الإعفاء الضريبي، تخفيض السعر وتخفيضات أخرى للمستثمرين المسجلين فقط)، وأخيرا وضع حد أدنى للأموال الخاصة بالنسبة للاستثمارات الأجنبية.

نظام آلي للحصول على المزايا

يفرض اختيار الإجراء الآلي للمزايا في البداية، تعديل المادة 7 من الأمر رقم 01 -03 المتعلق بتطوير الاستثمار الذي يلزم الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار لتفعيل (دون أي قاعدة)، معالجة طلبات المزايا. وتستدعي الآلية كذلك دراسة (إلاّ في حالة المعارضة القاهرة) إمكانية إلغاء المادة 9 مكرر 1 التي تشترط قرار المجلس الوطني للاستثمار دون أداة للتقييم،ل منح المزايا للمشاريع التي تفوق قيمتها 2 مليار دج. وتمت الإشارة إلى ضرورة أخذ هذا الاحتمال بجدية، بالنظر لتوجيهات الوزير الأول الواردة في تعليمته رقم 253 المؤرخة في أوت 2013، والقاضية بحذف إخضاع هذا النوع من المشاريع للدراسة المسبقة من طرف المجلس الوطني للاستثمار، وفي الحالة السلبية، يمكن رفع السقف إلى 5 مليار دج لتفادي دراسة المشاريع دون الأهمية من طرف المجلس الوطني للاستثمار.

تبسيط إجراءات الاستثمار بوثيقة واحدة

 يتضمن مشروع القانون حذف الإجراء الحالي للتصريح بالاستثمار واستبداله بوثيقة واحدة تتمثل في تسجيل المستثمر نفسه في نفس الجلسة أو حتى عن طريق التصريح بواسطة خط خاص أو عبر الأنترنت. يتقدم المستثمر حاملا شهادة التسجيل هذه أمام المصالح الجبائية المختصة للحصول على المزايا وتنفيذها حسب إجراء يحدد عن طريق التنظيم. كما يرافق هذا التدبير الإعفاء من الرسم على القيمة المضافة لكل العتاد والتجهيزات المستوردة.

استبعاد أي وسيط

 علاوة على ذلك، يرتكز هذا التدبير على نظام قابلية محدد مسبقا، منظم بصفة موضوعية تستبعد أي تدخل لشخص آخر أوهيئة لاتخاذ القرار. وبخصوص قائمة النشاطات والسلع المستثناة من المزايا (القوائم السلبية)، فإنها تستبعد من مجال تطبيق المزايا كل النشاطات المعتبرة أقل نفعا اقتصاديا واجتماعيا، إلى جانب السلع التي ليس لها علاقة مباشرة مع النشاط الذي يتضمنه الاستثمار. تم إدراج تدبير لتسهيل إنجاز المشاريع الكبرى الخاضعة لنظام الاتفاقية، إذ بناء على قرار المجلس الوطني للاستثمار، يمكن تحويل المزايا المتحصل عليها للمتعاقد الآخر المتصرف لحساب المستثمر. مشروع القانون يشير إلى ضرورة التمييز بين الحق الآلي للمزايا المجسد بشهادة التسجيل للمستثمر وطريقة التنفيذ التي تتم حسب الكيفيات والشروط المحددة عن طريق التنظيم.

إعادة التنظيم الطبيعي لأجهزة الاستثمار   

 يقضي مشروع القانون على التداخل الملاحظ في مجال الإعفاء من الجباية وسن التنظيم لفائدة إعادة بناء الصرح المؤسساتي عبر ثلاثة مستويات، المستوى الاستراتيجي الممثل بالمجلس الوطني للاستثمار كهيئة سياسية بحتة وظيفته الطبيعية التعريف بالاستراتيجيات، تحديد التوجهات الكبرى لسياسة الاستثمار والمصادقة على اتفاقيات الاستثمار، فضلا عن المستوى السياسي الممثل بالوزارة، المكلفة بترجمة الاستراتيجيات والتوجهات المحددة من طرف المجلس الوطني للاستثمار في شكل تشريع وتنظيم، وأخيرا المستوى العملي، الممثل بوكالة مكلفة بتنفيذ هذه السياسات المسطرة.