حملة اليمين المتطرّف الفرنسي عندما ينقلب السحر على الساحر
أصوات فرنسية تتعالى ضد التكالب على الجزائر

- 326

❊ سيغولين روايال: دين أخلاقي تدين به فرنسا تجاه الجزائر
❊ اليسار الفرنسي: بعض القادة الفرنسيين ينتهجون منطقا انتقاميا سخيفا ضد الجزائر
بدأت الحملة التي شنّتها أطراف فرنسية ضد الجزائر مؤخرا تنخفض وتيرتها، بعد تعالي أصوات مناوئة للانحرافات السياسية التي طبعت تصريحات الرافضين لأي مصالحة بين البلدين، حيث ظهر الانشقاق داخل حكومة ماكرون بين داع للتصعيد ومطالب بالتهدئة، كما شهدت الطبقة السياسية بدورها انقساما بين اليمين المتطرّف المصمّم على التصعيد والتيارات الأخرى في مقدّمتها اليسار المناوئ لأي انسداد في العلاقات مع الجزائر.
فقد طفى الخلاف بين وزير الخارجية الفرنسي، جون نويل بارو وزميله في الحكومة، وزير الداخلية، برونو روتايو، اليميني المتطرّف، إلى السطح بعد رفض الأول تبنّي أفكار الأخير والتي ساهمت في اذكاء الفتنة بين البلدين، خاصة ما تعلق بترحيل المؤثر الجزائري "بوعلام" خارج الأطر القانونية والدبلوماسية المتعارف عليه.
وبرز ذلك في تصريحات وزير الخارجية الفرنسي خلال استضافته في حصة بثها راديو وتلفزيون لوكسمبورغ "آر تي آل"، حيث رفض تبنّي أفكار روتايو، مؤكدا أنه من بين أولوياته إعادة العلاقات المهمة مع الجزائر إلى السكة، في حين أضاف أن السياسة الخارجية من صلاحيات وزارة الخارجية التي تعمل تحت توصيات الرئيس الفرنسي، وأنه على باريس والجزائر المحافظة على علاقات جيدة، كون الدور المنوط به هو حلّ الأزمة وليس تعقيدها. وقد أبدى الوزير الفرنسي استعداده مرة أخرى لزيارة الجزائر، من أجل تجاوز المشاكل الخلافية، مشيرا إلى أنه سبق أن قدّم الاقتراح ومازال ينتظر، في حين أوضح أن الرئيس ماكرون ووزيره الأول بايرو سيجتمعان في الأيام المقبلة لاتخاذ الإجراءات التي يتعين اتخاذها من أجل استعادة التعاون المهم بين البلدين.
كما خرجت أصوات سبق لها أن تولّت مناصب في الجهاز التنفيذي الفرنسي لانتقاد حالة الاحتقان التي تسبّبت فيها أطراف من اليمين المتطرّف على غرار الوزيرة الفرنسية السابقة، سيغولين روايال، التي أشارت في تدخل لها على إحدى القنوات التلفزيونية إلى "الدين الأخلاقي" الذي تدين به فرنسا للجزائر والمرتبط بالجرائم التي ارتكبت إبان الحقبة الاستعمارية.
وذكرت روايال ببشاعة الاستعمار الفرنسي في الجزائر والأضرار التي تسبب فيها في تلك الأرض بسبب توفّرها على الموارد، مؤكدة أن شركات بلادها حققت ثراءها على حساب الجزائر، في حين أوضحت أن المستقبل يبنى من خلال إدراك الماضي والتاريخ.
وإذ تطرّقت إلى التاريخ المشترك المؤلم مع الجزائر، فقد أكدت روايال ضرورة العودة إلى علاقات دبلوماسية في إطار الاحترام المتبادل وعلاقات تحترم هذا التاريخ.من جهته، انتقد حزب اليسار "فرنسا الأبية" بشدة، من خلال كتلته البرلمانية بالجمعية الوطنية الوزراء والمسؤولين الفرنسيين الذين تهجّموا على الجزائر، مبرزا أن "عديد الوزراء وقادة المعسكر الرئاسي يعملون على تصعيد عداء غير مسؤول ضد الجزائر" وأن "بعض القادة الفرنسيين ينتهجون منطقا انتقاميا سخيفا ضد الجزائر ويستخدمون مفردات حربية غير مقبولة على الإطلاق".
وأضافت كتلة "فرنسا الأبية" أنه "لا ينبغي لأي وضعية معينة أن تكون بمثابة ذريعة للدفع بالعلاقات بين بلدينا نحو المزيد من التدهور"، مشيرة إلى أن وزير الداخلية الفرنسي ما فتئ منذ دخوله الحكومة، يتهجم على دولة القانون ويحاول رد الاعتبار للاستعمار.
وأوضح الحزب أن "التخلي عن موقف هيمنة الاستعمار الجديد سواء مع الجزائر أو مع بلدان إفريقية أخرى، هو أساس أي علاقة متوازنة ومتساوية يحظى فيها كل طرف بالاحترام"، ليستطرد في هذا السياق بعد استبعاد فرنسا من القارة الإفريقية، "هل تريد هذه السلطة الآن معاداة شعبنا مع أقرب جيراننا من خلال استفزازات تضايقه؟".
من جهتها، أعربت الفدرالية الفرنسية الجزائرية للتعزيز والتجديد، عن "استيائها الشديد أمام هذه الحملة السياسية والإعلامية التي تستهدف الجزائر والجزائريين"، مندّدة بقوة بـ«التصريحات غير المسؤولة التي أدلى بها الرئيس ايمانويل ماكرون" تجاه الجزائر.
ويبدو أن الأطراف الفرنسية المعتدلة قد دقت ناقوس الخطر إزاء الانحراف الذي شهدته العقيدة السياسية الفرنسية بسبب تصريحات اليمين المتطرّف التي لا تضر بالدرجة الأولى سوى بمصلحة فرنسا، في ظل المتغيرات الجيوستراتيجية التي تشهدها المنطقة المتوسطية والعالمية، مما يفرض تكييف القناعات السياسية وفق مرتكزات الاحترام وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول.