في انتظار الإفراج عن فحوى الدستور

آلية "العبور" تشغل المعارضة

آلية "العبور" تشغل المعارضة
  • القراءات: 1469
محمد. ب محمد. ب

إرتاى رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة تمرير مشروع التعديل الدستوري عبر آلية البرلمان بغرفتيه، وذلك طبقا لما يخوله له الدستور من صلاحيات في هذا المجال، حيث تسمح هذه الآلية الدستورية التي سيفصل المجلس الدستوري في مدى تطابقها مع طبيعة التعديلات المقررة، باختصار الطريق والوقت، وقد يفهم أيضا من طبيعة هذا المسعى ـ  كما يثار هنا وهناك - الأخذ بعين الاعتبار كلفة التحضيرات وترشيد النفقات (في زمن التقشف) لاعتماد هذا المشروع الوطني الذي تم تكريس التوافق بشأنه من خلال المشاورات السياسية الواسعة التي أشركت مختلف القوى الوطنية والتنظيمات الممثلة للشعب الجزائري.

قد يثير قرار الرئيس بوتفليقة تمرير مشروع تعديل الدستور عن طريق البرلمان اعتراضات سياسية للمعارضة أو تحفظات وانتقادات هنا وهناك، خاصة منها تلك التي سبقت أن أعلنت موقفها الرافض لاتباع هذه الآلية ومطالبتها بإجراء استفتاء شعبي على هذا المشروع، إلا أن خيار رئيس الجمهورية باعتماد هذه الآلية، لا يتعارض مع أحكام الدستور الذي ينص في مادته 176 على أنه "إذا إرتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما ولا يمس بأي كيفية بالتوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية وعلل رأيه، أمكن رئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي متى أحرز ثلاثة أرباع (3/4) أصوات أعضاء غرفتي البرلمان".

طبقا لهذه الأحكام، فإن وثيقة النص التمهيدي للتعديل الدستوري التي وافق عليها رئيس الجمهورية خلال الاجتماع المصغر الذي عقده أول أمس، سيتم عرضها بعد المصادقة عليها في جانفي القادم من قبل مجلس الوزارء على المجلس الدستوري لمعاينتها والتمحيص فيها، للنظر في مدى مطابقتها لمقتضيات تمريرها عبر غرفتي البرلمان، عملا بأحكام المادة السالفة الذكر من الدستور الحالي التي تشترط لقبول اعتماد آلية البرلمان بغرفتيه، عدم تعارض التعديلات المقترحة مع المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما ولا يوجد فيها مساس بالتوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية

.فضلا عن السند الدستوري الذي ترتكز عليه طريقة تمرير مشروع تعديل القانون الأعلى للدولة، والتي تم اعتمادها في التعديل الدستوري لـ2008، فإن المسار الذي اتبعته عملية بلورة هذا المشروع الوطني الذي يأتي ليتوج مسيرة إصلاحات عميقة بادر بها رئيس الجمهورية منذ 15 أفريل 2011، يغني البلاد عن تنظيم استفتاء شعبي واسع تحتاج عملية الترتيب التقني له لوقت أطول وموارد أكبر، وهذا في ظل تنامي المطالب بضرورة التسريع في تجسيده وحرص القاضي الأول في البلاد على تكريس الطابع التوافقي لهذا المشروع الهام الذي اقتضت بلورته عملية تنقيح وإثراء شاركت فيها كافة الفعاليات الوطنية - باستثناء تلك التي أقصت نفسها - من المشاورات السياسية التي أطلقها الرئيس بوتفليقة على مرحلتين، مرحلة أولى أسند الإشراف فيها لرئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح في 2011، فيما أشرف رئيس ديوان رئاسة الجمهورية أحمد أويحي على مرحلتها الثانية في 2014.

إذا سلمنا بأن التشكيلات السياسية والمنظمات الوطنية وكذا الشخصيات والكفاءات الجامعية التي أسهمت في إثراء مسودة هذا التعديل الدستوري، تمثل مختلف أطياف الشعب الجزائري، فإن طابع التوافق في صياغة الدستور يكون قد تم تحقيقه بنسبة كبيرة، فضلا عن كون نواب البرلمان الذين سيعود لهم خيار اعتماد وثيقة الدستور الجديد، يمثلون الشعب في هذه الهيئة التشريعية، وبالتالي سيادة الشعب في خياراته. سبق للرئيس بوتفليقة أن فند المزاعم التي أثيرت حول الأهداف المنتظرة من مشروع مراجعة الدستور، بتأكيده على أن هذا التعديل لن يكون موجها لخدمة السلطة أوالنظام، وإنما هو مسعى يطمح إلى تعزيز الحريات والديمقراطية التي ضحى من أجلها شهداء ثورة نوفمبر المجيدة.

 إعلان رئاسة الجمهورية في بيان أول أمس عن توجيه نسخة من مشروع تعديل الدستور في الأيام المقبلة للشخصيات والأحزاب السياسية والجمعيات التي تمت استشارتها خلال تحضيره، علاوة على إعلام الرأي العام بفحوى المشروع عن طريق وسائل الإعلام، يؤكد حرص السلطات العليا في البلاد على الحفاظ على مبدأ التوافق والإجماع العام حول هذا المشروع الوطني الذي يحمل في طياته محاور جوهرية لدعم الممارسة الديمقراطية وإعادة تنظيم الحياة السياسية وفق قواعد شفافة ودعائم معززة لخدمة مصالح الشعب.

بعيدا عن المواقف والآراء المثارة حول اختيار آلية البرلمان بغرفتيه لتمرير مشروع التعديل الدستوري، فإن ما تحمله هذه الوثيقة من مكاسب جديدة للجزائر تتوج مسيرتها التعددية التي تعثرت بفعل ممارسات وأحداث مأساوية عرفتها البلاد في سنوات التسعينيات، يجعل التركيز على فحواها ومضمونها أرقى من مجرد الحديث عن آلية تمريرها. بالتأكيد ثمة رأي غالب على أن هذه الوثيقة ستعزز مسار بناء دولة الحق والقانون والدفاع عن مصالح الشعب، كما تأتي هذه المبادئ لتدعيم أسس ديمقراطية هادئة وتقوية مجال الحوكمة وتعزيز الوحدة الوطنية واحترام حقوق المواطنين وحرياتهم مع تدعيم استقلالية العدالة، وتفعيل دور المعارضة السياسية وإقامة آلية مستقلة لمراقبة الانتخابات، وترقية مكانة الشباب والمرأة في المجتمع.

الأهمية القصوى للتعديل الدستوري في الجزائر، كما جاء في قراءات البعض، هي ضرورة ملحة لتثمين المكاسب والانجازات الكبيرة التي حققتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة بفضل البرامج الطموحة التي تم تجسيدها في مختلف مجالات الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإضفاء الدعم اللازم للجهود التي لا زالت تبذل من أجل استكمال وتعزيز الإصلاحات. بتعبير آخر، وجوب النظر إلى الانجازات بعيون موضوعية، تثمن المكاسب وما تحقق في مختلف مجالات التنمية وتسجل ما يجب إتمامه وإنجازه من نقائص. في الأخير، يمكن الإشارة إلى أن الإفصاح عن وثيقة الدستور بما حملته من تفاصيل (المحتوى) وحريات قد تدفع أطرافا عديدة إلى تغيير مواقفها أو تعديلها.