شقيقه أثار اختلافه مع الرئيس بومدين في بعض القضايا
«يحياوي لم يطمح للرئاسة وهدفه كان إصلاح مجلس الثورة»

- 950

أكد السيد عبد السلام يحياوي، شقيق المجاهد وعضو المجلس الوطني للثورة، الراحل محمد الصالح يحياوي أن الفقيد لم يكن يرغب في تولي رئاسة الجمهورية بعد وفاة الرئيس هواري بومدين رغم إلحاح الأسرة الثورية عليه وتزكيته لخلافة الرئيس بالنظر إلى ماضيه والمناصب التي شغلها، موضحا أن محمد الصالح يحياوي كان يرغب في إحداث تغيير داخل المجلس الوطني للثورة وتعيين رابح بيطاط لقيادة تلك المرحلة، غير أن الاختلافات التي حدثت آنذاك لم تمكن من ذلك وتم تعيين الشاذلي بن جديد رئيسا للجمهورية.
أزال شقيق محمد الصالح يحياوي الغموض عن الروايات المتباينة بخصوص اقتراح شقيقه لخلافة الرئيس الراحل هواري بومدين بعد وفاته، بحكم حنكته السياسية ومسيرته الجهادية إبان الثورة، والنضالية في حزب جبهة التحرير الوطني. وفند المتحدث في تصريح للصحافة ـ على هامش تأبينية الراحل محمد الصالح يحياوي التي نظمتها جمعية «مشعل الشهيد» بمنتدى جريدة «المجاهد» أمس، ما يتداول بخصوص قضية يحياوي بعد وفاة الرئيس بومدين، مؤكدا أن «يحياوي لم يكن يركض وراء المسؤولية، ولم تكن له نية في تولي الرئاسة بعد وفاة الرئيس هواري بومدين، رغم ترشيحه من طرف بعض الأوساط الثورية.
وأوضح المتحدث في المقابل بأن محمد الصالح يحياوي كان هدفه تحقيق المصلحة العليا للبلاد، «بإحداث تغييرات في المجلس الوطني للثورة وتعيين رابح بيطاط على رأسه باعتباره شخصية ثورية وسياسية قادرة على تسيير تلك المرحلة»، غير أن هذا الاقتراح لم يحظ بالموافقة وتم تعيين الشاذلي بن جديد رئيسا للجمهورية كونه الأكبر سنا ضمن الأكبر رتبة في الجيش».
وأضاف المتحدث أنه «بالرغم من أن محمد الصالح يحياوي كان من المقربين للرئيس الراحل بومدين ووقف إلى صفه في 1965، وكان يحظى بثقته حيث كلفه بعدة مسؤوليات سياسية وحساسة، فإن مواقفه الجريئة ووضعه مصلحة الجزائر فوق كل اعتبار لم تمنعه من الاختلاف مع الرئيس بومدين حول عدة قضايا»، حيث ذكر في هذا الصدد بأن أهم قضية كانت محل اختلاف بين الرجلين آنذاك تعلقت بمسألة التأميم، «حيث كان محمد الصالح يحياوي يرى بأن التأميم لا يمكن أن يتم إلا بعد التحكم في التسيير الذاتي للمستثمرات الفلاحية».
واعتبر المتحدث أن رأي شقيقه كان «صائبا» لكنه لم يؤخذ بعين الاعتبار، الأمر الذي جعله ـ حسبه ـ يبقى متحفظا بخصوص هذه القضية.
كما ذكر باختلافه أيضا مع الرئيس بومدين حول المسؤوليات في حزب جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم والواحد آنذاك، «حيث ظل يحياوي الذي تولى قيادة الحزب من سنة 1977 إلى 1980 يناضل من أجل رفع المستوى داخل هياكل الحزب وإسناد المسؤولية لمن هو أهل لها»، واستطرد في هذا الخصوص «محمد الصالح يحياوي الذي أوكلت إليه مهمة إعادة تفعيل دور المنظمات الجماهيرية والشبانية التابعة للحزب والذي ترأس مؤتمر جبهة التحرير الوطني سنة 1964 وانتخب عضوا للجنته المركزية آنذاك، أُبعد عن الحزب وعن المسؤوليات السياسية للدولة سنة 1980 ولم يعد إلا في 15 سبتمبر 1989 عندما شارك في الندوة الوطنية لإطارات وقادة الثورة بقصر الأمم تحت إشراف الأمين العام الأسبق لجبهة التحرير الوطني الراحل عبد الحميد مهري، حيث أعيد انتخابه ضمن أعضاء اللجنة المركزية للحزب سنة 1989».
ويعد محمد الصالح يحياوي «العلبة السوداء للنظام» بحيث رحل في أوت الماضي ورحلت معه العديد من الأسرار التي ظل يحتفظ بها لنفسه ولم يصرح بها لوسائل الإعلام طيلة مسيرته الثورية والسياسية، حيث كان يفضل الصمت وعدم الإدلاء بتصريحات حول العديد من القضايا التي عرفها البلد ـ كما أكده شقيقه ـ الذي أشار إلى أن الفقيد لم يكن يتحدث عن هذه الأسرار ولا عن الكثير من السياسة لأسرته.
فرنسا اعترفت بأنه استطاع حماية الثورة في كل الظروف
وفيما يخص مسيرته الثورية، فقد لقب يحياوي بـ»أكبر جريح للثورة» بالنظر إلى الإصابات الكثيرة التي تعرض لها إبان الثورة، والتي وصلت إلى 18 إصابة، كانت آخرها سنة 1961 بمنطقة أريس بالولاية التاريخية الأولى، عندما أصيب برصاصة العدو وهو في طريقه إلى زيارة الشعب آنذاك بحكم مسؤوليته الثورية كقائد للولاية الثانية، بعدما علم أن الشعب كان يتعرض لتطويق وخناق كبير من طرف قوات الاستعمار، وفقما أكده المجاهد عبد الرحمان بلعياط الذي كان جنديا في كتيبته، والذي نقل عن يحياوي بعد إصابته برصاص العدو قوله «الضربة قوية والجرح عميق، لا تضيعوا أنفسكم.... واصلوا طريقكم، لكن لا تتركوني حيا في يد العدو الفرنسي».
وحسب المتحدث، فقد كان يحياوي يفضل أن يقضي عليه زملاؤه ولا يقع في يد العدو الفرنسي الذي ظل يترصده، علما منه بأن القبض عليه حيا سيكون غنيمة حرب قوية وانتصارا للعدو، «غير أن رفقائه لم يتخلوا عنه ولم يقتلوه كما طلب منهم وحملوه على أكتافهم بالرغم من صعوبة التضاريس وتعهدوا بألّا يتركوه في يد العدو حتى ولو اقتضى الأمر أن يستشهدوا جميعا». وفي هذا الإطار، اعتبر بلعياط شجاعة الفقيد يحياوي «لم يكن لها مثيلا في مجابهة العدو».
وأجمع المتدخلون في اللقاء أن المجاهد يحياوي يعد من أهم أبطال الثورة بشهادة العدو الفرنسي الذي صرحت قيادته السياسية بعد الاستقلال بأن يحياوي «بطل استطاع حماية الثورة في كل الظروف».
وللتذكير، فإن محمد الصالح يحياوي التحق بالثورة في مارس 1956 بمنطقة النمامشة بالأوراس، مفضلا الجهاد على مواصلة دراسته في الخارج في تلك الفترة، التي استفاد فيها من منحة لمزاولة الدراسة في المشرق العربي، ليخوض عدة معارك ضد الاستعمار.
وبعد الاستقلال، تولى قيادة اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، كما تولى قيادة الناحية العسكرية الثالثة ببشار من سنة 1964 إلى سنة 1969 برتبة عقيد، ليعين بعدها قائدا للأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال من 1969 إلى 1977 وأسند إليه الرئيس الراحل بومدين مسؤولية إدارة جبهة التحرير الوطني في شهر أكتوبر، حيث كلف بهيكلة الحزب وتنشيط منظماته الجماهيرية إلى غاية إبعاده عن الحزب سنة 1980 ثم عودته في 1989.
وقد كرمت جمعية «مشعل الشهيد» خلال هذه التأبينية عائلة الفقيد يحياوي بمنحه وسام الذاكرة عرفانا لما قدمه الراحل للثورة وللجزائر.