للمخرج الأمريكي تاكاشي

‘’ليس غير".. غبار غامض يضرب الأرض وضحاياه نساء

‘’ليس غير".. غبار غامض يضرب الأرض وضحاياه نساء
  • القراءات: 660

واحدة من مواضيع أفلام الخيال العلمي، تتعلق بالكوارث التي تضرب المجتمعات، سواء الحروب أو ثورات الطبيعة، وخلال ذلك، تبقى قصص الناجين من تلك الكوارث، وتصرفاتهم في أزمنة الكوارث، ومصائرهم هي القصص المثيرة لخيال الكتاب والسينمائيين، ومن أفلام الكوارث وعوالمها التشاؤومية، فيلم المخرج الأمريكي تاكاشي، وهو شريط سينمائي ينتقل بنا إلى عالم ديستوبي قاحل، مشاهد متتابعة للشوارع المقفرة والمهجورة والخواء الذي يعم كل شيء.

في مشهد لاحق من هذا الفيلم، لن تكون هناك سوى شخصيتين، هما ويل (الممثل ليسلي أودوم) وإيفا (الممثلة فريدا بينتو)، ويبدوان أنهما الناجيان الوحيدان.

تداهم وحدات من الشرطة وهي ترتدي أقنعة ضد الغازات، مسكن ويل وإيفا، لنكتشف أن المنزل أقرب ما يكون إلى محجر صحي، حيث يقوم ويل بإخفاء إيفا عن عيون الشرطة التي سوف نكتشف أيضا أنها بصدد البحث عن أية امرأة لا تزال على قيد الحياة. (ونلاحظ هنا أن اسم البطلة هو إيفا أو حواء، ولهذا دلالته في الفيلم).

القصة الغرائبية تتلخص في أن غبارا سميا مجهولا ضرب الأرض، وضحاياه من النساء، ولكي لا تتسع الكارثة ويتم تحجيمها، يتم جمع النساء الباقيات على قيد الحياة وإنهاء حياتهن على أمل انتهاء عاصفة الغبار السام.

يحاول ويل الاحتفاظ بحبيبته وزوجته بشتى الطرق لكي تواصل العيش إلى أطول مدة ممكنة، لكنه يضطر في النهاية إلى الذهاب بها بعيدا، باتجاه الغابات لكي يكون في منأى عن عيون الشرطة.

في وسط هذه الأجواء القاتمة، سوف نشهد حسا إنسانيا عميقا تستند إليه هذه الدراما الفيلمية من خلال ذلك النوع من التحدي والإصرار على الحياة واستمرارها. على أن التحدي الذي سوف تواجهه الشخصيتان هو ما يشبه الصراع من أجل البقاء، فالعالم يتآكل ولكن المفارقة أن المرأة تصبح هدفا، لهذا يصنع ويل لوحة كبيرة فيها صور حشد من النساء وتواريخ رحيل كل منهن.

المأساة لا تنتهي والغبار السام يضرب الجميع، لهذا تتخذ الحكومة قرارا بمنح مكافأة ضخمة لمن يدل على أية امرأة لكي يتم التخلص من ذلك المأزق.

بدت تلك الدراما مؤطرة بالشخصيتين الرئيسيتين، وهما تبحثان عن خلاص، لكن ما لم يكن في الحسبان أن تتعرضا لملاحقة مباغتة تقلب كل شيء، ولا يتضح جدوى تلك الملاحقة ولا هدفها، سواء كان الهدف البحث عن الجائزة أم غير ذلك، لكنها سوف تكشف عن عناء طويل يلاحق الشخصيتين.

حرص المخرج على بناء نسيج درامي متميز على الرغم من محدودية الشخصيات، إلا أن مجرد وجودهما والحوارات التي كانت تجري بينهما، كانت تكشف عن معاناة عميقة لشخصيات أخرى ونساء أخريات محاصرات بين المكافأة السخية للقبض عليهن، والكارثة المتمثلة في ذلك الغبار السمي القاتل.

الفيلم يتناول موضوع الأوبئة والكوارث الطبيعية التي تضرب الأرض، لكنه يلمح في فكرته إلى ما يعرف بالغبار الذري، خلال ذلك، استخدم المخرج الانتقالات المكانية من وجهة نظر الشخصيات في وسط المدينة، التي تغرق في الصمت، حيث توارى البشر باحثين عن ملاذات ولا تعرف مصيرا محددا يسير إليه الجميع.

ينتظم الفيلم في قائمة الأفلام التي تناولت موضوع الأوبئة والكوارث والعوارض الطبيعية التي تضرب الأرض، لكنه أيضا يلمح في فكرته وبشكل غير مباشر، إلى ما يعرف بالغبار الذري، لكن وفي جميع الأحوال، هناك أزمة تتفاقم في واقع سوداوي قاتم.

لنذهب مع ويل وهو يقيم حوارا صامتا مع الشخصيات والأماكن التي فقدت بهاءها والخراب الذي يلاحقها، وهي التفاتات مهمة في المشاهد الفيلمية، خاصة تلك التي تظهر عزلته وسعيه لإنقاذ إيفا.

في المقابل، وفي سياق هارموني ملفت للنظر، تسعى إيفا إلى إخفاء معالم أنوثتها بتغطية صدرها بقماش محكم، وارتدائها ملابس ذكورية، لتفادي صيادي الجوائز. مع كل تلك التدابير، إلا أن الشخصيات بدت ملاحقة بقوة قدرية، سوف تطالهما لا محالة مهما حاولا التخفي والتواري عن الأنظار.

للوهلة الأولى، تبدو الحالة سائبة وغير واضحة، تلك العيون التي تترصد المتبقين والناجين، لكن إحساسا داخليا كانت تعيشه الشخصيات، ظل هو الذي يحركها، وهي تعيش تلك الأزمة والمسير إلى المجهول ومواجهة القدر والمصير المحتوم.

في هذا المسار الجديد الممثل في خط سردي يختصر فكرة الملاحقة والاختباء يتجلى ذلك الإحساس العميق بالاغتراب والعزلة الذي ينتاب ويل، فهو من جهة، يسعى إلى إخفاء إيفا، لكن من جهة أخرى، يجد نفسه أمام قوة شرسة تلاحقه وتلاحقها وتلاحق من تبقوا على قيد الحياة، تحسبا لإخفائهم أية امرأة قد تكون سببا في إطالة أمد العاصفة.

لا شك أن فكرة إنهاء وجود المرأة في هذه الدراما الفيلمية، فكرة إشكالية في حد ذاتها. لهذا فإن مسار الفيلم وأحداثه لن تقودنا إلى خلاصات أبعد مما توصلنا إليه، من خلال المشاهد الفيلمية وإلا سوف يكون السؤال عن شكل الحياة والمصير والمستقبل من دون المرأة.

تكاملت في هذا الفيلم الحوارات مع بناء المشاهد الفيلمية في تلك البيئة المقفرة والمعزولة، وبدا الهم الإنساني الأكثر بروزا وأهمية عما عداه. بمعنى أن القصة الفيلمية ركزت على محور وجداني وعاطفي وفلسفي عميق يحتمل كثيرا من التأويلات.