يعكس الهوية الثقافية الأصيلة

‘’ البزان" ترجمان لروح الفخر والاعتزاز بالتراث

‘’ البزان" ترجمان لروح الفخر والاعتزاز بالتراث
  • 123
م. ص م. ص

يُعدّ "البزان " زيّا تقليديا، يتميز به الرجل التارقي بمنطقة جنوب البلاد على غرار ولاية برج باجي مختار، حيث لايزال يحظى بمكانة مرموقة لديه، ويجسد ارتباطه العميق بالهوية الثقافية الأصيلة. ويتّخذ هذا اللباس شكل عباءة فضفاضة خفيفة، تُصنع من أقمشة ناعمة؛ مثل "القيزنير" أو "القانيليا" التي تُستورد غالبا من دول الساحل الإفريقي المجاورة. ويغلب عليه اللون الأزرق النيلي، أو الأبيض. ويرافقه لثام طويل يُعرف محليا بـ "التاجلمست"، يُلفّ حول الرأس والوجه، تاركا العينين، فقط، ظاهرتين.

كما ارتبط "البزان" تاريخيا بروح الفخر والاعتزاز بالتراث والعادات والتقاليد، فضلا عن كونه يوفر راحة، وقدرة على التكيف مع المناخ الصحراوي القاسي، لا سيما خلال الترحال والتجارة عبر الصحراء الكبرى.

وفي هذا الصدد، صرح الباحث في التراث محمد الأمين عقباوي لـوأج، بأنّ "البزان" هو جزء من منظومة ثقافية كاملة، إضافة إلى كونه اللباس التقليدي للتارقي في مختلف المناسبات الدينية والاجتماعية، يرتديه كبار السن، وأعيان القبائل، ويمثل لهم رمزا للوقار، والحكمة.

وقد عرف هذا الزيّ التقليدي تطوّرا طفيفا من حيث التصميم. وظهرت نماذج مطرّزة بخيوط فضية ناعمة، ومزيَّنة بزخارف أمازيغية دون أن يفقد شكله وخصائصه التقليدية.

ومن جهتهم، صرح حرفيون محليون مختصون في حياكة الألبسة التقليدية، بأنّ "البزان" يفصَّل يدويا باحترافية عالية، ووفق مقاسات مختلفة. وتستغرق خياطته أحيانا من يومين إلى ثلاثة أيام. وتُستخدم في صباغته ألوان طبيعية مقاومة للعوامل المناخية، والغسل المتكرّر. وبالمقابل، يُجمع هؤلاء الحرفيون على أن هذه الحرفة تواجه عدة تحديات، أبرزها نقص اليد العاملة المتخصصة، إضافة إلى قلة المواد الأولية ذات الجودة العالية، مؤكدين أن خياطة "البزان" تتطلب دقة كبيرة.

وفي هذا السياق، قالت السيدة مسعودة رئيسة جمعية محلية للحرف اليدوية، إنّ الجمعيات الثقافية المحلية تعمل على ربط الأجيال الجديدة بهذا الزي التقليدي العريق؛ من خلال تنظيم عروض أزياء تقليدية، ومسابقات في الخياطة. وأبرزت أهمية إدماج "البزان" في الفعاليات الوطنية والدولية، والسعي إلى تسجيله ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي، لما يحمله من رمزية ضمن التراث الثقافي الوطني.

وتجدر الإشارة إلى أنّ "البزان" تحوّل خلال السنوات الأخيرة، من مجرّد زيّ تقليدي إلى عنصر موضة شبابية بامتياز، بفضل تنوّع التصميمات، والترويج له عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ كرمز ثقافي وجمالي، يعكس خصوصية الجنوب الجزائري.

وفي هذا الصدد، يؤكّد العديد من المهتمين بالحرف التقليدية، أنّ هذا الزيّ لم يعد محصورا في البعد التراثي، بل أصبح تجسيدا للأصالة والأناقة في آن واحد، وهو ما جعله يحظى بشعبية متزايدة، خاصة في أوساط الشباب. 

ويظلّ هذا الثوب التقليدي بخصوصيته وشكله الجمالي، رمزا حيا لثقافة سكان المناطق الجنوبية للبلاد، في التكيف مع البيئة، والتمسك بالأصالة المتوارَثة جيلا بعد جيل.