احتفالية بالتراث الأمازيغي بقصر "رياس البحر"

"يناير" توطيد للمحبة بين الجزائريين

"يناير" توطيد للمحبة بين الجزائريين
  • 578
مريم. ن مريم. ن

نظّم مركز الفنون والثقافة بقصر رؤساء البحر بالتنسيق مع الاتحاد الجزائري لترقية السياحة وحماية البيئة، ندوة فكرية بعنوان "التراث الأمازيغي المستدام..الحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيز التنمية المحلية"، تضمنت مداخلات أبرزت أهمية هذا التاريخ وعلاقته بالتراث وبالقيم والعادات الاجتماعية.

تناول المؤرّخ الدكتور صوالح أحمد بارودي (عقيد متقاعد من الحماية المدنية) موضوع "التراث الأمازيغي"، مستهلا تدخّله بالتعريف بالأمازيغ وبأرضهم ثم بأصولهم وجذورهم التاريخية الأولى، كما قدّم نبذة وجيزة عن تاريخ شيشناق ليعرج في الأخير على يناير مع تصحيح بعض المغالطات التاريخية الشائعة، منها مثلا نسب شيشناق، وكذا معركته مع الملك الفرعوني رمسيس إذ أنّ الفترة التي تفصل بينهما تتجاوز القرنين وأكثر، فرمسيس عاش في 1213 قبل الميلاد وشيشناق حكم مصر من 922 ق.م إلى 950 ق.م وهو مؤسس الأسرة الفرعونية الـ22 التي لا أصل لها برمسيس.

مغالطات تاريخية وجب تصحيحها

أشار المتحدث أيضا إلى قبيلة المشوش أو المشواش وموطنها الأصلي خليج سرت بليبيا ومنها خرج شيشناق وبالتالي فهو ليس كما يدّعي البعض أنّ أصله من بني سنوس بتلمسان أو من خنشلة أو من منطقة القبائل.

قدمت بالمناسبة أيضا الشقيقتان فتيحة ومليكة فرحات من جامعة البليدة تدخّلا عن "دور المرأة الأمازيغية في الحفاظ على التراث ونقله للأجيال"، حيث أكّدت مليكة فرحات أنّ المرأة ساهمت بحضورها الفعّال في المجتمع عبر كل فترات التاريخ، وشاركت الرجل في العديد من المهام داخل وخارج البيت (في الفلاحة وفي جلب الماء والحطب وصناعة الفخار وغيرها)، لكن بقيت بعض التقاليد والمعتقدات البالية تنال من هذا الدور المهم، ولا تراها سوى كائنا مهمته الإنجاب وخدمة الرجل والأسرة الكبيرة، كما كانت المولودة غير مرحب بها ولا ترقى للمولود الذكر، وهنا ذكرت بعض الأمثال الأمازيغية منها "يبكون ويندبون حين ميلاد فتاة"، والمثل المزابي "عذاب عذاب ..المولود فتاة"، لكن رغم ذلك ظلت المرأة الأمازيغية وفية لمجتمعها وتخدمه بل وصل بها الحال إلى التنازل عن ميراثها في الأرض الزراعية من أجل إخوتها الرجال.

المرأة حارس أمين للتراث

من جهة أخرى، قالت المتحدّثة إنّ الأسرة الأمازيغية لقّنت بناتها الحرف التقليدية وحرصت على تعليمهن قسطا من كتاب الله العظيم، والالتزام بسمو الأخلاق والشرف تهيئة لها لأن تكون زوجة وأما. ربطت المحاضرة بين هذه المرأة والتراث الثقافي والقيم الاجتماعية التي كانت الحافظ والناقل لها منها اللغة والحكايات والأمثال والأغاني والعادات والتقاليد والحرف منها النسيج والخزف وطلاء البيوت وغيرها، زيادة على تميزها بالوشم الذي كان زينتها. بالمناسبة، قالت المتدخّلة إنّ المرأة هي العنصر المؤهّل للحفاظ على التراث والهوية الأمازيغية خاصة في ظلّ تحديات الراهن.

"أهليل" من زمن التراث الزناتي

أما المتدخّلة سهام بن عاشور فتوقّفت عند تراث "أهليل" بقورارة بتيميمون بولاية أدرار، قائلة إنّ "جيل اليوم "الالكتروني" يجهل الكثير عن هذا التراث الوطني المصنّف عالميا، والذي هو من ألوان الفلكلور الشعبي"، وعن هذا الفن ذكرت أنّه مزيج بين الشعر والموسيقى والرقص ويتواجد في 3 أقاليم بأدرار، مارسه أمازيغ زناتة البدو والذين أثبتوا قدرتهم على التكيّف مع المناخ الصحراوي القاسي، ويؤدون هذا الفن بلباس "تشامير".

أما عن كلمة أهليل، فقالت بن عاشور إنّ البعض يرجعها لكلمة "أهل الليل" فهو يقام ليلا، في حين يرجعه البعض لكلمة "تهليل" كونه مدائح دينية صوفية في الدعوة والوعظ كما لا يخلو من مواضيع اجتماعية أخرى، مع أشعار تبرز تاريخ سكان المنطقة وما تزخر به ذاكرتهم الجماعية من ملاحم وبطولات، إلى جانب أغان مرتبطة بحياتهم اليومية، وأهم من قام بدراسة هذا التراث هو الراحل مولود معمري ثم تلميذه رشيد بليل، وصولا إلى تصنيفه في التراث العالمي  لليونسكو. ذكرت المتدخّلة "المسرب" و«أغروت" و«التيترة" وهي فترات زمنية مقسّمة من منتصف الليل حتى شروق الشمس، وبالمناسبة حثت على إدراج هذا الفن في مختلف الوسائط الإلكترونية ليطلع عليها الشباب.

حضر في هذا اللقاء الشعر الأمازيغي (بالقبائلية) مع الشاعرة كريمة ايمحلاف التي اعتبرت يناير ا يجمع الجزائريين ويوثّق محبتهم لبعض، ويستحضرون فيه عاداتهم وتقاليدهم الراسخة قائلة "كلّنا جزائريون ومسلمون لنا فرع في الحضارة الإنسانية"، وقرأت بداية مقطع من إلياذة مفدي زكريا عن الأمازيغ مطلعه "غزى النيرات ورعى النجوما"، ثم قرأت قصيدتها التي تدعو فيها للتشبث بهذه الثقافة، كما قرأ أيضا الشاعر الشعبي عمر شلبي عن يناير.

التراث الأمازيغي بحاجة للحماية القانونية

بدورها، تناولت الدكتورة حسينة سلامي من جامعة الجزائر موضوع "حماية التراث الثقافي الأمازيغي في إطار التنمية المستدامة"، أبرزت فيه الحماية القانونية للتراث الأمازيغي وطنيا ودوليا مع تبني توثيقه وحمايته كي لا يكون عرضة للنهب، مع اقتراحه للتصنيف في اليونسكو، مثمنة آلية حماية هذا التراث من خلال تأسيس المحافظة السامية للأمازيغية وكذا من خلال الجمعيات والهيئات المحلية والمركزية وغيرها.

للإشارة، تضمّنت هذه الفعاليات تنظيم معرض للحرف التقليدية وعرض أزياء، وكذا تكريمات ووقفة مع فلسطين من خلال استضافة ممثل جبهة النضال الشعبي الفلسطيني في الجزائر علاء الشيلي الذي أثنى على دور الجزائر ودفاعها عن غزة في الحرب الأخيرة وخاضت معركة ضروس في المحافل والمؤسسات الدولية كذلك الحال مع الجالية الجزائرية خاصة بأوروبا التي ساهمت في تحريك المتعاطفين مع القضية .