الأسبوع الثقافي لـ ”أناب” يناقش ”مدخل لدراسة الهيكلة الجديدة للعالم”

ولد خليفة يدعو إلى نبذ التيئيس الذي يهدّد التجانس المجتمعي

ولد خليفة يدعو إلى نبذ التيئيس الذي يهدّد التجانس المجتمعي
  • القراءات: 1544
 نوال جاوت نوال جاوت
احتفى أمس الأسبوع الثقافي لمديرية النشر للمؤسسة الوطنية للاتصال، النشر والإشهار بالدكتور محمد العربي ولد خليفة من خلال تقديم مؤلفه ”مدخل لدراسة الهيكلة الجديدة للعالم” الصادر عن ”أناب”، فكان مساحة للحديث عن الراهن في المنطقة الآفرو- عربية والتحوّلات التي يشهدها العالم على شتى الأصعدة.

اللقاء الثاني خلال هذا الأسبوع جمع حول طاولته، عددا من الدكاترة الذين أرادوا إثراء ومناقشة ما جاء في هذا المؤلف الواقع في 370 صفحة، حاول فيه الدكتور ولد خليفة رصد أهمّ التحولات الاجتماعية، السياسية للعالم العربي بتسعة فصول، حملت خلاصة التجربة الإنسانية حسب الدكتور ولد خليفة، الذي حضر اللقاء واستمع لآراء أهل التخصص من أساتذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية.

رئيس المجلس الأعلى للغة العربية عز الدين ميهوبي أخذ على عاتقه مسألة تنشيط هذا اللقاء، حيث أكّد أنّ الكاتب المحتفى به واحد من كبار الكتّاب والمفكرين الذين أسّسوا للفكر الجزائري؛ ثقافة، هوية ودفاعا عن موقعها في العالم. وأضاف أنّ هذا المؤلَّف هو تتمة لسلسلة من الكتب التي دأب الدكتور ولد خليفة على إصدارها، انتقل خلالها من الدائرة الوطنية إلى الإقليمية العربية الإسلامية، فالعالمية، ليعرّج بعد ذلك على عدد من الإصدارات التي أثّثت مسيرة الدكتور ولد خليفة، التي دعّمت المشهد العلمي والفكري الجزائري والدولي.

أوّل المتدخلين كان الدكتور محند برقوق مدير المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية والعلاقات الدولية، الذي حاول إثراء هذا الإصدار من موقع الباحث العارف بخبايا ما اصطُلح على تسميته ”النظام العالمي الجديد”، وقال: ”حينما قرأت الكتاب مرتين غصت في مجموعة من المجالات العلمية المتعدّدة، فأحيانا كان الدكتور ولد خليفة يتقمّص دور السياسي، الأنتروبولوجي، المتخصص النفساني وعالم الاجتماع”. وأضاف: ”وعندما رجعت إلى العلاقات الدولية وجدت أنّه خاض في مجالات مرتبطة بقناعات رجل مؤمن برسالة وفكرة الانتماء وكذا التأسيس للذات السياسية المستقلة”.

وركّز مدير المركز الوطني للدراسات الاستراتيجية والأمنية على إثراء النقاش بالتطرّق إلى فكرة التبعية، التي تناولها الدكتور ولد خليفة عندما قال إنّ التبعية ليست حتمية، ولكن تصبح كذلك عندما تكون هناك قابلية لذلك. وقدّم برقوق قراءة استراتيجية لما قدّمه من خلال استقراء مجموعة من الدراسات الأمريكية. وقال إنّ المؤلِّف قدّم فكرة أنّ الغرب واحد من حيث الشكل، مختلفٌ من حيث المضمون”، وذلك عند تطرّقه لمسألة التنافس بين دولة وتجمّع (الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي).

وتوقّف الدكتور برقوق عند مفهوم ”النمطية” التي استخدمها ولد خليفة، والتي بدأت عام 1993 خلال محاولة إنتاج ”الغربنة القيمية” بأفكار أحادية القيمة مرتبطة بالإنسان. كما تحدّث عن فكرة ”الدين الإسلامي” أو ”الإسلاموية” التي طُرحت عام 1994 كتصوّر وعمل؛ حيث بدأ العالم الإسلامي يتوجّه نحو التطرّف كحالة مرضية ثابتة وقارة لا عرضية.

من جهته، نوّه الدكتور محمد لعقاب بالكتاب الذي أصدره الدكتور ولد خليفة رغم انشغالاته الكثيرة، واختار المتدخّل أن يحصر تقديمه للكتاب في عشر نقاط، من بينها كونه خلاصة فكر وثقافة وإدراك من الدكتور للتحولات العالمية، استقر على أنها ”هيكلة جديدة”، مشيرا إلى وجود فرق بين ”النظام الدولي الجديد” و«الهيكلة”، علاوة على أنّه تكملة لكتاب ”الجزائر والعالم، ملامح قرن وأصداء ألفية”، مشيرا إلى أنّ كلّ كتاب هو صورة لصاحبه، والدكتور ولد خليفة ”ملتزم بهموم الأمة الجزائرية والعربية والإسلامية”، وليس كالكتّاب الذين لا يعيشون واقع شعوبهم وأحلامهم.

ومن بين النقاط التي استعرضها الدكتور لعقاب أنّ الكتاب جاء في غاية الجدية؛ فهو يخاطب العقل ولا يستطيع غير الجاد أن يستوعبه؛ لأنّه يركّز على التفاصيل. وأضاف أنّ المؤلف يقترب في هيكلته من المفكر مالك بن نبي - يركّز على الفكرة الأفرو- عربية مقارنة ببن نبي، الذي يركّز على الآفرو- آسيوية - وبالتوازي المجموعة الأورو- أمريكية، مع إشارته أحيانا إلى الفكرة المتوسطية.

وأوضح لعقاب أنّ الدكتور ولد خليفة يعود دائما في معظم فصول الكتاب، إلى التاريخ، وهي عودة من أجل فهم تطوّر المجتمعات، ثم يُسقطونها على الواقع لاستنباط آفاق المستقبل، مشيرا إلى أنّ صاحب الكتاب لا يُرجع مسألة ضعف الأمة العربية إلى العوامل الخارجية وإن كانت مهمة، ولكنّها أيضا داخلية، ترجع إلى بداية تفكّك الدولة وتكالب المغول والصليبيين.وفي نفس الصدد، تحدّث المتدخل عن التقدّم والتخلّف عند ولد خليفة، الذي يعتبر كليهما تراكما معرفيا وعلميا وحضاريا، وأن من أخطر مظاهر التخلّف التناحر والاقتتال، معتبرا أن الديمقراطية ليست حروفا في الدساتير ولكنها حيوية مناخ، تمنع تجذُّر التفرقة.

آخر المتدخلين كان الدكتور محمد خوجة، الذي أكّد أنّه عند قراءة أيّ كتاب نبحث عن القيمة المضافة والأفكار التي يبلّغها الكاتب للقارئ، وقال: ”في هذا الكتاب تشريح موضوعي وجريئ لقضايا الفضاء العربي والإسلامي بمختلف أبعادها”. وأضاف: ”تناول الكاتب راهن الواقع المر من خلال العودة إلى استقراء الماضي والبحث عن أسباب التفكّك الحضاري وعوامله الداخلية والخارجية”. كما تحدّث على عجز النخب عن الانفصال عن العصب الكولونيالية،  شارحا ”الخلل الموجود بين ضفتي المتوسّط، والمحاولات المستمرة للنظام الدولي الجديد”.

وبقراءته كتاب ”مدخل لدراسة الهيكلة الجديدة للعالم”، استنتج الدكتور خوجة أنّ المحور الأخير هو مركز ثقل الكتاب، وكان ضروريا أن يحمل تشريحا للواقع الجزائري ووضعه في السياق الدولي. وأكّد أنّ أهمية الكتاب تكمن في فهم سرعة التغيّر في مختلف المجالات. ومن المهم في حالة التحوّلات العالمية أن تكون لديه القدرة في توظيفها وإسقاطها على واقعنا؛ لأنّنا جزء من هذا العالم.

واختتم خوجة تدخّله بالإشارة إلى أنّ القيمة المضافة في هذا الكتاب تكمن في توظيف المفاهيم وإسقاطها على الجزائر، مع الإشارة إلى الروح الإيجابية والمتفائلة للكتاب؛ إذ رصد مجموعة من المستويات هي كفيلة بتجاوز الواقع الجزائري، مع وجود عوامل مختلفة كالتخلّف والحراك الذي يحيط بنا. ويرى الكاتب ـ حسب المتدخّل - أنّ بالعودة إلى تاريخ الجزائر وتراكمات ثورتها هناك إمكانية لاستغلالها لتحدث قطيعة، تجعلها في منأى عن التغيّرات. وأضاف خوجة: ”لبّ النقاش الوطني الآن يكمن في سعيه للحصول على أرضية صلبة، ومحاولته التأكيد على وجود معطيات، لا بدّ من استغلالها بشكل يُبعد الجزائر عن التأثير الموجود في الإقليم الدولي”، ليختم بالقول: ”الكتاب مثير للجدل من حيث القضايا المطروحة وقدرة الجزائر على الاستثمار فيما حولها وتفاؤله بهذا الواقع”.في تعقيبه على كلّ ما قدّم، أكّد الدكتور محمد العربي ولد خليفة، أنّ هذا الكتاب هو محاولة في مستوى خواطر، مفصلا: ”المدخل متعدّد التخصصات”؛ فهو خلاصة التجربة الإنسانية، مبديا إعجابه بالتحليلات والآراء والتقييم النقدي البنّاء للدكاترة المتدخلين، داعيا إلى التقليل من التكريمات، والتوجّه نحو التحليلات والتقييمات، متوقّفا عند مسألة المقروئية، وقال: ”المقروئية مهدَّدة في كلّ دول العالم بزوال كلّ ما هو ورقي. والحقيقة المثيرة للانتباه أنّ التحليلات هذه تمسّ جوهر المحاولة، وهي كيف تتخلّص المنطقة العربية من التخلّف ”العدوّ الأكبر لها”. وأضاف أنّ التخلّف السلوكي، المجتمعي، المعاملاتي وغيرها من مظاهر التخلّف هي نتائج للتخلّف وليست أسبابه. ويعود التخلّف بقوّة إلى الواجهة وإلى الاختفاء في الماضي، وليس الهروب إليه بشكل تقديسي.

والخلل، حسب الدكتور ولد خليفة، يتمثّل في العجز عن خلق الحداثة، حيث بقينا متعلقين بفائض منتوج الآخر، معتبرا إياها ”قشورية..لا حداثة”.

وعلى هامش هذا اللقاء الذي دعت إليه المؤسسة الوطنية للاتصال، النشر والإشهار، ردّ الدكتور ولد خليفة عن سؤال لـ ”المساء” يتعلّق بتفاؤله الكبير الذي أعابه عليه المتدخلون، بالقول إنّ ”الذي لا يتفاءل هو الذي انتقل إلى العالم الآخر.. التفاؤل صفة من الصفات التي تشحذ الإرادة وتقوّي العزيمة. وعملية التيئيس هي السائدة حاليا، وهي أكبر خطر يهدّد التجانس المجتمعي، ويُنقص من إرادة التقدّم والتغيير والازدهار”.للإشارة، فإنّ كتاب ”مدخل لدراسة الهيكلة الجديدة للعالم”، جاء ليُبرز فكرة الدكتور ولد خليفة في أنّ ”المنطقة العربية الإسلامية تجتاز، ومنذ أمد طويل، مرحلة حرجة يمكن البحث عن بداياتها في الإنذارات الأولى لتفكك الدولة، وظهور النزاعات الاستبدادية، وعجز المجتمع عن إنتاج التقدم في مؤسسات التربية والثقافة والعلوم والتراجع العام المصحوب بالغفلة عما يحدث في العالم”، مشيرا إلى أنّ التخلّف والتفكّك الذي يشهده العالم العربي الإسلامي، أسفر عن حالة من الضعف والاتكالية، ”تصل في بعض الأحيان إلى الانهيار الحضاري”، مما سمح، حسبه، لجحافل متوحشة ومعادية للحضارة، بالشروع في تدمير مادي ومعنوي واسع النطاق، مرجعا ذلك إلى قدوم التتار والصليبيين كتصوّر مضاد لروح المسيحية، فتقهقرت المنطقة بأكملها مشرقا ومغربا.

ويُعدّ الكتاب محاولة ”لإعادة قراءة سجل المنطقة العربية الإسلامية”، بغية اكتساب ثقة في النفس كفيلة بالتحكّم في المستقبل والانفتاح على العصر بلا عقد ولا تعقيد. وبعد تحليله لمظاهر التخلف وكيفية حدوث تراكماته في مقدمة الكتاب، حلّل المؤلف عبر ثلاثة أقسام، قضايا مختلفة، منها تقديم عرض إجمالي لأوضاع المنطقة العربية الإسلامية، والتركيز على عدّة قضايا، على غرار إشكاليات الثقافة السياسية والمفاهيم الشائعة حول الديمقراطية والحداثة والتديّن والتطرف بين المنتسبين للإسلام والمسيحية.أمّا القسم الثاني من الكتاب فقد خصّصه للإجابة عن سؤال من شقين، هما: ماذا تغيّر من النظام الدولي؟ وأين نحن من مستجداته؟ ويقدّم المؤلف في هذا القسم نظرة وافية عن فلسفة النظام الدولي وملامح الهيكلة الجديدة للعالم، والانهيار المفاجئ للثنائية القطبية، ومصير روسيا الكبرى. وخصّص الدكتور ولد خليفة القسم الثالث لدراسة الحالة الجزائرية وموقعها في المنظومة الراهنة للعلاقات الدولية وتجربتها الدبلوماسية، ومدى تأثرها بالتحولات الجارية في الداخل والخارج.