المتحف البحري يستضيف ليديا حداق

وقفة عند مول الجزائر والتصور الفني

وقفة عند مول الجزائر والتصور الفني
  • القراءات: 740
نوال جاوت نوال جاوت

مواصلةً لنشاطه المبرمج ضمن فعاليات شهر التراث، استضاف المتحف البحري بقبو محيي الدين بأميرالية الجزائر، الأكاديمية الجزائرية ليديا حداق، للحديث عن "المول، والتصور البحري للفنانين"، حيث كانت الندوة مناسبة للوقوف عند المول أو مرسى مدينة الجزائر، كفضاء استلهم منه المبدعون من مختلف المشارب، أعمالهم، سواء بالكلمة أو بالريشةفي هذا السياق، أشارت المحاضرة إلى أن مول الجزائر ألهم جيلا كاملا من الفنانين التشكيليين والشعراء، فبغض النظر عن المنظر البانورامي الذي كان يمنحه الفنانين، سمح بغرس تصور بحري في تاريخ مدينة الجزائروبعد أن قدّمت نبذة تاريخية عن السياق التاريخي الذي بُني فيه المول خلال التواجد التركي بالجزائر، أكدت حداق أن مدينة الجزائر تطورت من مدينة صغيرة إلى مزدهرة، حيث ارتبك المول بالحياة الاجتماعية والثقافية، وكذا السياسية لسكان المدينة.

واستعرضت صاحبة كتاب "جيل مول الجزائر" الذي صدر عن دار القصبة حديثا، وقع هذا الفضاء على مكنونات المبدعين الجزائريين والغربيين، الذين خلّدوه في أعمالهم في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، على غرار سافور غاليريو، ومحمد إيسياخم، وجون سيناك، وسارج ميشال، ومحمد ديب، وشكري مسلي، وروني سانتاس، ومصطفى كاتب، وأيضا باية محيي الدين حسان بن عبورة وجون دوميزونسان، إلى جانب "مومو" حيمود ابراهيمي"، الذي خلّد المول في فيلم "تحيا يا ديدو" لمحمد زينات، والذين شكلوا وغيرهم "جيل المول". وأشارت إلى وجود حركة تشكيلية متطورة ومتغيرة، لكنها ظلت مرتبطة بالبحر، وبمول الجزائرللإشارة، ليديا حداق طالبة دكتوراه في مجال تاريخ الفن في جامعة بانتيون- السوربون (جامعة باريس الأولى) ومختبر "أنفيسوا". حصلت على شهادة سياسات الثقافة من جامعة سيانس بو في باريس، وعلى شهادة الماجستير في مجالالفن والأدب واللغة" من مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية. ويرتكز بحثها على تاريخ المجموعات الفنية بين مدينتي الجزائر وتونس من الثلاثينات إلى التسعينات.

للتذكير، ذكر الباحث والمؤرخ الجزائري فوزي سعد الله في تقديمه لـ "مول مدينة الجزائر"، أن ذاكرة النسيان جعلته في أعين الناس مجرد كتلة من الإسمنت المسلح، العائم على سطح البحر.. لكن ماضيه يشهد بأنه صَنَعَ من قرية منسية على الضفة الجنوبية من البحر المتوسط، عاصمة كبيرة للجزائريين. وأضاف: "لا يعرفه أهل البهجة إلا بتسمية "المولْ" الفرنسية. أما الأميرالية فما هي سوى اللفظة المعربة لـ "لاميروتي" (L’Amirauté) التي أطلقها عليه الاستعمار الفرنسي، لأنه كان يحتضن مقر إمارة البحر منذ عهد خير الدين بربروس"وقال سعد الله: "احتضن المرسى القديم لمدينة الجزائر.. أحداثا كبيرة صنعت تاريخ الحوض الغربي للمتوسط طوال قرون. لم يعد هذا المرسىَ، اليوم، في نظر أهل المدينة سوى قاعدة بحرية للجيش الوطني الشعبي، ومتحف لذكريات العوْم واصطيادالكَحْلةعلى أنغام الحاج امحمد العنقاء، وعمرو الزاهي في السبعينات وبداية الثمانينات، التي كانت تجمع "أولاد الحومة" من مختلف الأحياء الشعبية العاصمية المطلة على البحر".

وأضاف الباحث أنه في نهاية القرن 15م، بل وحتى قبله ببضعة قرون، لجأ عدد كبير من الأندلسيين هروبا من القمع والإبادة ومحاكم التفتيش الإسبانية، إلى جزائر بني مزغنة، فبنوا بها الجامع الكبير بشارع البحرية حاليا، وبنوا أيضا على صخرة السطفلة، برجا عاليا لمراقبة حركة السفن عن بُعد، والاحتياط من هجمات ومُلاحقات الإسبان. لكن سرعان ما استولى القائد الإسباني بيدْرُو نافارو (P. Navaro) على هذا البرج في يوم 31 ماي 1510م، وبنى مكانه ما سيشتهر عند المؤرخين باسم حصن البنيون (Penon)؛ أي صخرة السطُفْلة الكبيرة، بِلُغة سيرْفَانْتيسْ، في 1510م. وانطلاقا منه سوف يُسَيْطر على بني مزغنة، ويتحكم في أرزاقهم طيلة 19 سنة كاملة. فما كان أمام أهل المدينة من حيلة سوى الصبر إزاء هذا الاعتداء حتى يوم 27 ماي 1529م، ليأتي الخلاص على يد خير الدين بربروس، الذي حطم الحصن بعد معركة شرسة، وأَسَر خلالها 120 عسكري إسباني، أو حتى 500، حسب مصادر أخرى.

أما الأسرى وعلى رأسهم القائد دي فارغاس، فقد فرض عليهم خير الدين مهمتين كبيرتين، يساعدهم على إنجازها الأسرى المسيحيون بالمدينة: تتمثل الأولى في ترميم الأبراج والحصون التي حطموها أثناء قصفهم المدينةَ، وإصلاح الأضرار العمرانية التي خلَّفها القصف الإسباني. أما الثانية ـ وهي الأهم ـ فتكمن في ربط الجزر الثلاث ببعضها البعض، لتصبح كتلة واحدة بواسطة أحجار حصن البنيون، قبل إيصالها بالمدينة، بجسر من الصخور وبقايا أطلال مدينة تامنفوست الرومانية، وأحجار محجرة باب الوادي. وكان خير الدين عند تفقّده سير العمل، دائم الترديد على مسامع الأسرى الإسبان بتهكم: "لقد حطمتم مدينتنا بمدافعكم، فأعيدوا بناءها الآن كما وجدتموها"، هكذا، إذن، وُلد مرسى الجزائر القديم في عهده الأول، وسوف يشتهر باسم مؤسِّسه حتى اليوم؛ أي "رصيف خير الدين".