واسيني الأعرج يكتب عن رحيل من تقاسم معه ذكريات جميلة

وداعا صديقي الأعزّ كرّوم بومدين

وداعا صديقي الأعزّ كرّوم بومدين
  • القراءات: 854
لطيفة داريب لطيفة داريب

نعى واسيني الأعرج في صفحته على فايسبوك، رحيل الدكتور كرّوم بومدين، فكتب أن الجامعة الجزائرية فقدت واحدا من أنبل أبنائها، وأكرمهم، وأصدقهم، مضيفا أن بومدين ظل متفانيا في خدمة جامعة تلمسان حتى وفاته الفجائية.

كتب واسيني الأعرج أن بومدين كان صديقا كبيرا، ومثالا حيا للمثقف الفعال في الحياة، والمؤمن بسكينة وصوفية قلما رآها عند غيره. وتابع: "درسنا معا في جامعة وهران في قسم اللغة العربية وآدابها، في السبعينيات، وكان دائما الرجل الطيب، والبشوش والمتسامح. وعندما سافرت إلى دمشق في إطار بعثة جامعية، وجدته هناك بنفس أخلاقه، وقيَمه التي يحملها في أعماقه، ولا يفرضها على أحد. أكثر من ذلك كله، فقد عرفته عن قرب حينما اكترينا بيتا معا في البرامكة بدمشق. كنا نقضي الأماسي الطويلة بعد يوميات الجامعة الثقيلة، في نقاشات وجودية ودينية وثقافية، وكان مستمعا طيبا وخلوقا. وكل إجاباته كانت تنبني على ثقافة إسلامية وإنسانية واسعة. وعلى الرغم من الاختلاف الإيديولوجي إذ كنا في عمق ثقافات عصرنا وأعمارنا تعدت بالكاد العشرين سنة، فقد ظل العقل هو سيد السجالات". وأضاف أنه في مرة في المرات، حكى له وهو يكتم ضحكته الخجولة بصعوبة، عن صديق مشترك غيور وحسود، نبهه إلى أن الشخص الذي يقيم معه يتبنى أفكارا شيوعية هدامة، قال له إنه أجابه بكلمة بسيطة: "الجهل أعمى؛ لو عرفتَ هذا الرجل لأفرشت له بساط المحبة". وتابع واسيني مجددا: "الغريب أن  الشخص نفسه كان قد نبهني إلى خطر بومدين: احذر، يا واسيني، أنت تقيم مع إسلامي مدمر! ضحكت وأجبته ساخرا كعادتي عندما ينزل العقل إلى الحضيض: "معك حق يا صاحبي، كل مساء أراه يدخل ويخرج من البيت محملا بالقنابل النووية. يا ريت كان كل الإسلاميين مثل بومدين، قيمة عالمة، وثقافة ومعرفة واحتراما!" .

وأكد واسيني أن بومدين كان نموذجا للمسلم المتفتح والمثقف الذي يعمل على تكوين نفسه باستمرار. كما كان مستمعا جيدا، ولا يتخذ موقفا مسبقا من الناس. وكتب أنه كان رفقة بومدين يتدربان معا في صالة كاراتي في دمشق؛ بهدف الحفاظ على حيوية الجسد. وكان بومدين نشيطا وحقيقيا. وعندما عادا إلى الجزائر كانت وجهة واسيني وهران، جامعته الأولى، لكن الأقدار شاءت وقتها، أن يدير قسم اللغة العربية أناس ضعاف النفوس، مهزومون معرفيا، وقفوا في وجهه على الرغم من توجيهه إلى وهران من طرف الوزارة الوصية، وزارة التعليم العالي، حسبما جاء في منشور واسيني. وذكر أنه كان يمكن التواصل مع مدير الجامعة ليتوظف هناك بقوة القرار التوجيهي. وعلى الرغم من إصرار صديقه، نائب مدير الجامعة على أن يبقى في وهران، إلا أنه رفض، لتقوده الصدف والأقدار إلى العاصمة رفقة زوجته الدكتورة زينب، وبالضبط إلى قسم اللغة العربية؛ حيث رحب بهما مدير القسم وقتها، الصديق الكاتب الكبير والجنتلمان المرحوم الدكتور أبو العيد دودو.

وفي هذا قال: "خطت لي الأقدار أن هناك مصيرا آخر، بعيدا عن وهران، مدينتي الطبيعية. كلمني بومدين يومها، فحكيت له القصة كاملة، قال: "يا واسيني أنت تعرفهم جيدا. الحسد والضغينة والجهل. ابق حيث أنت. العاصمة تليق بك. وهران لم تعد وهران بهذه الكائنات المنقرضة، التي لا شيء يجمعها بالعلم!". والتحق هو بجامعة تلمسان التي كانت قد فُتحت حديثا. وأصبح بسرعة رئيس قسم المعهد، ثم عميدا، وطلبني لنشاط في جامعة تلمسان، وعدته بذلك متى توفرت الفرصة".

وقبل مدة ليست بالبعيدة، كُرم واسيني كأحد أبناء مدينة تلمسان، فاشترك بومدين من خلال قسم اللغة العربية وآدابها، في التكريم، رفقة المعرض، ومركز الدراسات الأندلسية. وهناك، في جامعة تلمسان التقيا من جديد.

وأكد واسيني أنه وجد بومدين الذي عرفه سابقا لولا ملامس العمر، رجلا طيبا وصوفيا جليلا واسع الروح. أشرف يومها على الندوة مع طلبة الدراسات العليا، ماستر ودكتوراه. وكان لقاء جميلا، أظهر فيه بومدين كل محبته وإخلاصه للماضي.

وكتب واسيني أنه لم يصدّق خبر الموت الذي قرأه في صفحة صديقه الدكتور الشريف مريبعي، فتواصل معه ومع تلمسان؛ فالموت لا يخبأ. وجاءه الخبر القاهر: "الله يرحمه برحمته الواسعة؛ لقد دُفن اليوم (البارحة)". وهنا تمنى واسيني أنه لو كان في تلمسان، ووقف على قبر بومدين الطري، وقرأ الفاتحة على روحه، ليتمتم في صمت مقهور: "يا غالي، لا تحزن، أنتم السابقون ونحن اللاحقون. ربي يرحمك خويا بومدين ويوسع عليك".