"Boomerang Atomic” لرشيد بوشارب

وجعٌ لايزال يتردّد صداه في الضمير الإنساني

وجعٌ لايزال يتردّد صداه في الضمير الإنساني
  • 205
مبعوثة "المساء” إلى تيميمون: نوال جاوت مبعوثة "المساء” إلى تيميمون: نوال جاوت

بفيلم "Boomerang Atomic" انطلقت عروض مهرجان تيميمون السينمائي الدولي الأوّل، أمس الجمعة، في عرض إفريقي أوّل. حيث قدّم المخرج رشيد بوشارب عملاً مكثّفاً وعميقاً بين الوثائقي والشعر البصري، يسترجع التجارب النووية في الصحراء الجزائرية، كواحدة من الصفحات المنسية من التاريخ الاستعماري الفرنسي.

"Boomerang Atomic" (21 دقيقة – 2025) فيلم عن الذاكرة المشعّة للصحراء الجزائرية، وعن وجعٍ لايزال يتردّد صداه في الضمير الإنساني حتى اليوم. ففي صمت الكثبان، تنبعث أصوات المنسيّين من ضحايا الذرّة، لتذكّر بأن التاريخ لا يُمحى بالإشعاع، ولا بالصمت. وفي عودة فنية تحمل قوة الذاكرة وجرأة السؤال، انطلق بوشارب من 13 فيفري 1960 في عمق صحراء الجزائر بمدينة رقان تحديداً. فحيث فجّرت فرنسا أول قنبلة نووية لها على الأرض الإفريقية.. ارتفع عمود النار والدخان فوق الكثبان الرملية، مخلّفاً آثاراً قاتلة على الإنسان، والبيئة، وطارحاً أسئلة لاتزال بلا إجابة بعد أكثر من ستين سنة.

التجارب النووية الفرنسية في رقان أحدثت انفجاراً غيّر ملامح الأرض والحياة إلى الأبد. لاتزال آثار تلك التجربة المشؤومة تلاحق السكان المحليين الذين يعيشون تداعياتها في صمت. ويُعيد فيلم "Boomerang Atomic" إحياء ذاكرة هؤلاء المنسيّين، كاشفاً عن وجعٍ إنساني دفنته الرمال طويلاً تحت رماد التاريخ. ومزج بوشارب بين الأرشيفات العسكرية والصور المعاصرة للصحراء وأصوات الشهود، ليقدّم رؤية شاعرية ومؤلمة في آنٍ واحد عن جرح لم يندمل بعد. وقال في تصريح له في مهرجان البندقية حيث عرض الوثائقي خارج المنافسة في الدورة 82، "أردت أن أستعيد هذا الحدث من خلال الأرشيفات، والوجوه المنسيّة. الفيلم يتحدث عما لا يُرى: عن الآثار التي بقيت في الجسد، والذاكرة".

هكذا يصبح عنوان الفيلم” Boomerang Atomic” (الارتداد الذري) رمزاً دقيقاً. فالإشعاع يعود بعد عقود، تماماً كما تعود الذاكرة المذنِبة لتطارد من أنكرها. وبدا بوشارب حريصاً على تثبيت اسم رقان في الخريطة العالمية للذاكرة، وتذكير العالم بأن شعوب الجنوب دفعت ثمن التقدّم النووي. ويواصل رشيد بوشارب في هذا العمل، مساره الفني الذي طالما اشتبك مع الذاكرة الجزائرية الفرنسية، ومع آثار الاستعمار على الوعي الجمعي. حيث يُعرف بسينماه الملتزمة والناقدة. فبعد بداياته في مجال التلفزيون برز اسمه في الساحة السينمائية العالمية؛ من خلال أعمال قوية مثل "أنديجان" (2006)، و"خارجون عن القانون" (2010)، و"إخوتنا" (2022). وتتناول أفلامه، بحسٍّ إنساني عميق، قضايا الهوية، والذاكرة الاستعمارية. واختار هذه المرة لغة الصورة المكثّفة والإيحاء بدل السرد الطويل، ليُضيء الإشعاعات غير المرئية في الرمل والجسد، والصمت السياسي الذي تلا الكارثة.