ندوة «معالجة التاريخ الراهن في الكتابة الفيلمية» بقاعة الموقار

هيكلة الذاكرة عبر الشاشة الفضية

هيكلة الذاكرة عبر الشاشة الفضية
  • القراءات: 555
مريم.ن مريم.ن

احتضنت قاعة «الموقار» أمس، في إطار مهرجان الجزائر الدولي للسينما، مائدة مستديرة جمعت نخبة من السينمائيين والمؤرخين لمناقشة موضوع «معالجة التاريخ الراهن في الكتابة الفيلمية»،  نشطها الأستاذ أحمد بجاوي، وتناولت بالتفصيل حضور الأحداث التاريخية في الأفلام الروائية والوثائقية، خاصة تلك المتعلقة بتاريخ الاستعمار في العالم الثالث، وكيف تختلف الرؤية عند الشعوب المتحررة عن تلك التي يحاول الغرب ترسيخها لتبرير وطمس جرائمه، أو في نسب الانتصارات له على حساب المنتصرين الحقيقيين، لتبقى السينما أداة فتاكة اليوم، في تطبيق السياسات ورسمها سواء على المستوى الداخلي الاجتماعي أو المستوى الدولي.

أول المتدخلين، كانت المخرجة ناييس فان لاير التي لها العديد من الأفلام الوثائقية القصيرة الملتزمة وصاحبة جوائز أوروبية هامة. تحدثت عن فيلمها «العيش عبر البصر» الذي تناولت فيه حرب الجزائر التحريرية من خلال المصور مارك غارنغر (80 عاما)، من خلال إدانته للعنف خلال هذه الحرب، وتضمن نفس الفيلم تضامنه مع مقاومة الشعوب الأصلية بسيبيريا.

قالت المخرجة بأنه تحاول تقديم شيء من التاريخ الصحيح للأجيال الصاعدة، خاصة بفرنسا، ومنها ابنها الصغير، حيث يتم التعتيم على هذا التاريخ في المدارس ومنها الثورة الجزائرية. كما أشارت إلى أنها عرضت الفيلم في فرنسا رغم المضايقات، خاصة من هؤلاء الذين لم يهضموا فكرة استقلال الجزائر.

أما السيد شيخ عمر سيسوكو من مالي (مخرج وأمين عام الفيدرالية الإفريقية للمخرجين الأفارقة)، فتناول مساهمته في توعية الأفارقة بحقوقهم وعرض يومياتهم على الشاشة، وهي التي كانت مهمشة من طرف الرجل الأبيض، أي المستعمر. ثم تحدث المتدخل عن مشروع بـ»اليونسكو» لتسجيل تاريخ إفريقيا، واعتبر في هذا الشأن أن السينما الجزائرية ذات سمعة ورصيد تاريخي هام، قدمت تجارب الشعب الجزائري الأليمة التي عاشها إبان احتلاله، الأمر الذي تفتخر به القارة السمراء جمعاء. كما أشار إلى أفلام الغرب مستعمر الأمس الذي يقدم أفلاما مشوهة للتاريخ ويعتبر نفسه فيها الأفضل، وغيره مجرد شعوب متوحشة. أما السيد دافيد مورفي من إيرلندا (أستاذ دراسات لما بعد الكولونيالية وصاحب كتب ومقالات عن الثورة الجزائرية)، فتطرق إلى مسألة مطابقة الحدث التاريخي الحقيقي مع اللقطة السينمائية، كما أن الفيلم يكون محدودا في وقته، مما يسقط الكثير من التفاصيل التاريخية الهامة، لكن في المقابل، أشاد بدور السينما الهام في إيصال التاريخ إلى الجماهير العريضة.

أما الإعلامي وكاتب السيناريو السيد بوخالفة، فأكد أن الكتابة التاريخية السينمائية لا بد لها أن تحمل نظرة متقاطعة بين المستعمَر والمستعمِر، وأضاف أن التاريخ مادة تتطور ولا تنحصر في زمان معين . في حين وقف المخرج أحمد راشدي على أهمية التاريخ عند أية أمة، مستعرضا طفولته في المدرسة الفرنسية، حيث كان المستعمر يلقنه تاريخا مشوها، ثم استعرض الصعوبات التي واجهته في أفلامه،  منها نقص المادة التاريخية المكتوبة سواء الخاصة بالشهداء أو بمؤسسات الثورة. أما المؤرخ فؤاد سوفي، فاستعرض مشكل حجب الأرشيف عن الباحثين والسينمائيين، خاصة فيما تعلق بالصورة، ودعا إلى ضرورة التعاون الوثيق بين السينمائيين والمؤرخين للوصول إلى أعمال راقية، كما كان الحال مع الفيلم الوثائقي «كم نحبكم» لعز الدين مدور. المناقشة كانت ثرية، شارك فيها الكثير من السينمائيين، منهم المخرج بلقاسم حجاج الذي اعتبر أن الأعمال التاريخية أحيانا لا تخل من الإيديولوجيا ومن المواقف الذاتية.

فيما تناول آخرون نماذج من حضور التاريخ في السينما العالمية،  خاصة من طرف السينما الأمريكية، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، حيث تستغل هذا الأمر من أجل مصالحها القومية عبر العالم. عموما، فإنه رغم معالجة الأحداث التاريخية عبر السينما، تعتبر من أكثر المواضيع تداولا، إلا أن الاستفادة منها خاصة بالنسبة إلينا، تبقى محدودة، الأمر الذي يطرح دور المؤرخ والمخرج في هيكلة الذاكرة الوطنية.