"الفن والاقتصاد التشاركي" مع الدكتور بن عمارة:
نهضة الفن مرهونة بالانتعاش الاقتصادي

- 140

قدم الدكتور نور الدين بن عمارة، أول أمس، بفضاء "بشير منتوري" محاضرة بعنوان "الفن والاقتصاد التشاركي"، تناول فيها التشابك الوطيد بين الفن والاقتصاد، موضحا أن هذا الأخير كلما ازدهر، أثمر الفن أكثر وانتشر، لأنه سيستفيد من التمويل والدعم، ليؤدي دوره كركن أساسي في البناء الثقافي بوجه عام.
أكد المحاضر، أن الإنسان كان دوما يجتهد لحل مشاكله المادية، وكذلك الحال مع مشاكله الروحية، لذلك تبينت عنده الشراكة بينهما، وأهميتهما معا في حياته سواء بسواء.
الاستعمار دمر الاقتصاد وعجز أمام الهوية الثقافية
عاد المحاضر، في إطار هذا المضمون، إلى فترة الاستعمار الفرنسي، وكيف أنه قضى على الجانب الاقتصادي، من خلال سياسة مصادرة الأراضي وتفقير الجزائريين، ونجح إلى حد كبير في ذلك، لكنه فشل حين محاولته النيل من الثقافة والفن الجزائري، لأنه يمثل تاريخ الشعب وهويته، الممتد عبر أكثر من 2 مليون سنة، وتطور هذا الشعب عبر مراحل التاريخ، حتى الوصول إلى تأسيس الدولة الجزائرية في التاريخ القديم، ثم جاء الإسلام في القرن السابع الميلادي، ومعه العربية، فأصبحت الهوية الجزائرية قائمة على الأمازيغية والعربية والإسلام، وهنا أوضح الدكتور بن عمارة، أن المستعمر استطاع تجهيل الجزائريين بالأمية، لكنه لم يسلبهم ثقافتهم، واستمر الحال حتى الثورة التحريرية التي قلبت الموازين.
في سنة 1962، وجدت الجزائر المستقلة نفسها أمام تحديات كبرى في المجال الاقتصادي المدمر من طرف الاحتلال الفرنسي، مع إدراك حينها أيضا، لأهمية الجانب الثقافي المكسور، الذي تطلب الترميم والتخلص مما زرعه المستعمر، رغم قلة النخب العلمية والمالية أيضا، لكن الأمور بدأت، حسبه، تلملم، بعد تأميم المحروقات، ثم إطلاق الثورة الصناعية وبعث الاقتصاد، ورغم نقائص التسيير الاقتصادي للمؤسسات العمومية، سمح ذلك بخدمة الثقافة، ما تحقق في إنجاز بعض الأعمال، منها تلك في مجال السينما مثلا، حيث توقف المتحدث عند روائع حمينة وحصوله على جوائز دولية، وهنا أوضح أنه ضد من يقول، إن جزائر الاستقلال لم تحقق شيئا، فهذه نظرة تقتصر على الجانب الفارغ من الكأس، بل تم تقديم الكثير وينتظر تقديم الأكثر.
الجزائر المستقلة ساهمت بما تملك
كما أضاف المحاضر، أن الجزائر مرت بفترات صعبة منذ منتصف الثمانينيات، وصولا للعشرية السوداء، ما أثر على الاقتصاد والثقافة معا، لتأتي بعدها مرحلة الإصلاحات وركب فيها الفن والاقتصاد في مركب واحد.
قال المتحدث، إن الثقافة تحوي الفن والاقتصاد معا، فهي مفهوم شامل يتضمن المعارف والأفكار والتكنولوجيا وأساليب العيش، وتنظيم المجتمع وطرق الحكم، بالتالي فإن كل مجتمع منظم هو منتج للفن، ليلبي الحاجيات المعنوية، علما أن الفن أحيانا يكون محركا للاقتصاد، وبما أن الفن هو روح المجتمع، يتطلب الأمر تمويله وإعطاء الإمكانيات للمبدعين، وهنا أعطى أمثلة عن بعض البلدان الغربية التي تمول الفن، منها الولايات المتحدة، من خلال القطاع الخاص بنسبة 92 بالمائة، وبـ26 مليار دولار سنويا، وفي أوروبا يكون الدعم من خلال مداخيل الضرائب، بينما في الجزائر أغلب التمويل من الدولة، خاصة من المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة والفنون، وفي السنوات الأخيرة، يتم من خلال بعض المؤسسات الاقتصادية، منها البنوك والاتصالات، ومن "سوناطراك" وغيرها، وهي خطوة أولى مشجعة ناتجة عن الإصلاحات، مؤكدا أن اقتصادنا لا يزال غير قادر على تمويل الفن والثقافة عموما، بالتالي فإن هذا القصور يتهم به المبدعون ظلما، مقترحا التحسيس بضرورة المساهمة في هذا الجانب لدى المؤسسات، من خلال "المانجمنت" والقصد من ذلك المؤسسات النظامية والجادة غير تلك المبنية على الأعمال والأرباح المشبوهة، التي لا علاقة لها بدعم الفن ولا بخدمة البلاد.