الدكتور العياشي عنصر لـ«المساء":

نعاني التقليل من قيمتنا وعدم القدرة على "بيع" إمكانياتنا

نعاني التقليل من قيمتنا وعدم القدرة على "بيع" إمكانياتنا
الدكتور العياشي عنصر
  • القراءات: 457
 حاورته: لطيفة داريب حاورته: لطيفة داريب

 الكتابة عن المفكر الراحل علي الكنز.. تكريم له

❊ أدعو الطلبة إلى الاستعانة بكتب الكنز في مذكرات تخرجهم وترجمتها إلى اللغة العربية

عرفانا منهم بالمجهود المميز للمفكر علي الكنز في دراسة المجتمع الجزائري، شارك أساتذة جزائريون وعرب وأجانب في تأليف كتاب حول عالم الاجتماع الكبير، ومن بينهم الدكتور العياشي عنصر، الذي قدم هذه الثمرة، خلال الطبعة الأخيرة من الصالون الدولي للكتاب في جناح دار النشر "القصبة".. بهذه المناسبة، أجرت "المساء" حوارا مع الدكتور العياشي عنصر حول هذا الكتاب، وكذا عن فكر الراحل علي الكنز والمسيرة العلمية للمتحدث.

 حدثنا عن هذه البادرة الحميدة المتمثلة في إنجاز مؤلف عن المفكر الراحل علي الكنز؟

أنا منسق هذه البادرة، التي بدأت كندوة بتقنية "زووم"، عقب وفاة المفكر والعالم علي الكنز، رحمه الله، شارك فيها أساتذة من الجزائر، تونس، السنغال، الولايات المتحدة الأمريكية، الإمارات العربية المتحدة، فرنسا، لبنان واليمن، وكانت بالفعل ناجحة جدا، بعدها اتفقنا على إنجاز كتاب تكريمي لعالمنا، يشارك فيه هؤلاء الأساتذة، وآخرون ممن لم تسنح لهم فرصة تقديم مداخلات في هذه الندوة.

بالفعل، وصلتنا ورقات بحثية ممتازة جدا، وبمستوى عال من عدة أساتذة، تناول البعض منهم مسيرته العلمية والأكاديمية، فقد كان رجل علم وباحثا أكاديميا، اشتغل في العديد من الجامعات ومراكز البحث، مثل مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية "كراسك" بوهران، لمدة ثماني سنوات، وتدريسه بجامعة تونس وجامعات أخرى.

كما كان عضوا في المجلس العلمي لتنمية البحوث الاجتماعية بالسنغال، رفقة المفكر المعروف سمير أمين، علاوة على ضم المؤلف مقالات تحتوي على معلومات شخصية عن الكنز، وأخرى قدم فيها أصحابها تحليلا علميا وأدبيا لأعمال هذه الشخصية المعروفة، خاصة في العالم العربي وبلدان جنوب المعمورة. إذ أسس الكنز معهدا بجامعة نانت الفرنسية، منح من خلاله فرصة للباحثين وطلاب دول الجنوب، مثل دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، للاستفادة من إقامات علمية.. فعلا علي الكنز شخصية متميزة على كل المستويات، أي على المستوى الشخصي، وكذا الإنساني والأكاديمي العلمي.

علي الكنز شخصية متميزة على كل المستويات

❊ ممكن تقديم نبذة موجزة عن فكر العالم علي الكنز؟

يعتبر المفكر علي الكنز واحدا من رواد علم الاجتماع في الجزائر، إلى جانب أسماء معروفة أذكر؛ الجيلالي اليابس وسعيد شيخي وجمال قريد، كلهم قدموا أعمالا تتمحور حول دراسة وفهم المجتمع الجزائري، فكانوا من الأوائل الذين درسوا استراتيجية التصنيع وتأثيرها على المجتمع الجزائري، حتى أن البعض منهم نشر كتابا مشتركا، ليقدموا بعدها أعمالا فردية.

لهذا كل من أراد فهم المجتمع الجزائري، عليه قراءة أعمال هؤلاء الباحثين الذين انتقلوا إلى رحمه الله، ومنهم من هو على قيد الحياة، مثل المفكر ناصر بورنان. بالمقابل، أعتبر نفسي من الجيل الثاني لأساتذة علم الاجتماع بالجزائر وقد اشتغلت مع المفكر الكنز، إذ كنت مساعدا له في أبحاثه، حينما كنت أستاذا في جامعة عنابة، وبقينا أصدقاء وواصلنا العمل على عدة مستويات.

 علي الكنز رفقة اليابس وشيخي وقريد أسسوا علم الاجتماع الجزائري

كيف لشخصية بقامة علي الكنز، أن يجهلها الكثير من الجزائريين؟

للأسف، نحن في الجزائر نعاني من تقصير كبير في التعريف بباحثينا وشخصياتنا العملية والأكاديمية، وأقول أيضا إننا نعيش قطيعة "جيلية" كبيرة، وقد سبق أن كتبت مقالا حول هذا الموضوع، لهذا يقع على عاتقنا وعلى عاتق الجيل الجديد، نشر أعمال هذه القامات التي كتبت أعمالها باللغة الفرنسية، لأنها كانت مفرنسة، ومن ثم، تم تعريب الجامعات الجزائرية، ويعتبر هذا الأمر من بين العوامل التي أحدثت القطيعة بين أجيال الباحثين، فالقليل من شبابنا يتقن اللغات، لهذا أدعو من هذا المنبر، الشباب المتخصص في الترجمة، لترجمة أعمال هذه القامات إلى اللغة العربية. علما أن علي الكنز مشهور في العالم العربي، لكن كتبه غير موجودة، لأنها مكتوبة باللغة الفرنسية، بيد أن الدول العربية، ما عدا لبنان لا تقرأ بهذه اللغة.

في إطار آخر، تحتل المدرسة الجزائرية المرتبة الثانية من بين أهم المدارس السوسيولوجية في العالم العربي، بعد مصر، وتنافس هذه الأخيرة على المرتبة الأولى، لكن نشهد غيابا كبيرا لأسماء علمائنا، بسبب هذه القطيعة "الجيلية"، لهذا حاولت أن أكتب وأنشر باللغتين العربية والإنجليزية. هذا من جهة.

أما من جهة أخرى، فأدعو الباحثين الشباب إلى دراسة أعمال الباحثين الجزائريين، فمن غير المقبول أن يُعد طالب مذكرة تخرج في الليسانس أو الماستر أو حتى الدكتوراه حول أعمال بورديو وآلان توران، ويتجاهل تماما أعمال علي الكنز مثلا، الذي يعد الأول رفقة الأسماء التي ذكرتها آنفا، ممن درسوا المجتمع الجزائري قبل بورديو، فلا أفهم أن مذكرات تخرج لا تستشهد بأي عمل من أعمال الكنز واليابس وشيخي وقريد، وفي نفس الوقت تستشهد بأعمال بورديو وتوران ولابلاسات... حقا هذه معضلة كبيرة.

لا أفهم استشهاد الطلبة بمؤلفات بورديو وتوران وتجاهل الكنز ورفقائه

هل لك أن تحدثنا عن مسيرتك العلمية، دكتور العياشي؟

طبعا، أنا أستاذ وباحث في علم الاجتماع، درست في جامعات قسنطينة وفرنسا وبريطانيا، تحصلت في جامعة ليستر التي تخرج منها علماء اجتماع، على ماجيستير ودكتوراه، بعدها اشتغلت في جامعة عنابة، كما تعاونت مع مركز البحث في الاقتصاد المطبق من أجل التنمية، وكذا "كراسك" لمدة تصل إلى 15سنة، حيث كنت رئيسا لقسم، بعدها انتقلت إلى كندا، ثم إلى دول الخليج، وبالضبط في جامعتي ومراكز بحوث دولتي الإمارات العربية المتحدة وقطر. ألفت عشرة كتب باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، حول الجزائر وقضايا التنمية والمشاركة السياسية، آخرها كتاب صدر عن دار النشر "الأمة" بعنوان "العولمة، المواطنة وتمرد الشارع العربي".

هناك قطيعة "جيلية" يجب تداركها

هل كتابتك بعدة لغات مكنك من جذب جمهور واسع لعلم الاجتماع؟

في الحقيقة، أخذت قرارا استراتيجيا بالكتابة باللغة العربية، فقد بدأت بنشر كتبي باللغة الإنجليزية، بحكم تكويني بهذه اللغة التي تعتبر الأشهر في العالم، لكنني مررت بعدها بفترة حرجة، جعلتني أختار الكتابة باللغة العربية، لاعتقادي أن كتبي موجهة للجمهور الجزائري، بالتالي أردت أن أصل إليهم، وأن يصلوا إلي بسهولة، لكن للأسف، ثبت أن هذا الأمر غير صحيح، لأن المقروئية عندنا ضعيفة، إن كتبت باللغتين الفرنسية والإنجليزية أو حتى باللغة العربية، وهنا ألقي اللوم على الكثير من الأساتذة في الجامعات والطلبة، لجهلهم الكُتاب الجزائريين جميعهم، ولا أقصد هنا من يكتبوا في تخصص علم الاجتماع، رغم أن لدينا أسماء لامعة في كل التخصصات، برهنت على قدراتها في الجامعات العالمية، فأنا اشتغلت في أرقى الجامعات في بريطانيا وكندا وقطر والإمارات، حيث المنافسة شديدة بين أساتذة من مختلف الدول في سوق مفتوح على مصراعيه.

أعتقد أننا نعاني في الجزائر من مشكلة عميقة، تتمثل في التقليل من قيمتنا، وقد كتبت مقالا حول هذا الموضوع، فلا نعرف تقديم أنفسنا ومهاراتنا أو بيعها، ولو جالست مثلا مصريا أو لبنانيا، فسيتحدث معك وكأنه عالم، ولكننا نحن نعاني من التواضع الشديد بفعل التربية الخاطئة التي تلقيناها، والتي تنبذ كل من يمدح نفسه، وما المثل "حوحو يشكر روحو" إلا دليل على ما أقول. أنا لست عنصريا حينما أتحدث هكذا، لكن مثل أنه في البلدان العربية قامات، في الجزائر أيضا لنا أسماء لامعة، والدليل ما تقدمه في الخارج، لكن نحن لا نهتم بها ولا نمنحها قيمتها.