الرواية والاقتباس المسرحي على طاولة المختصين

نصوص مختلَسة تسيء للفن الرابع

نصوص مختلَسة تسيء للفن الرابع
  • 1107
ز. زبير ز. زبير

شكّل موضوع الرواية والاقتباس في المسرح، محور نقاش خلال اللقاء الفني والأدبي الذي احتضنته قاعة المحاضرات بمسرح قسنطينة الجهوي، على هامش فعاليات الطبعة التاسعة للربيع المسرحي الذي تحتضنه قسنطينة، بين 27 مارس و3 أفريل الداخل، بحضور ثلة من المختصين والوجوه الفنية المعروفة على الساحة الوطنية.

اختلف الحضور في الندوة التي نشطها الإعلامي المختص في المسرحي علاوة جروة والفنان والكاتب الروائي والمسرحي بولمرقة، في ماهية الاقتباس، وهل يجوز أم لا، وواقع الاقتباس في الجزائر بين معارض للفكرة وموافق عليها شرط استعمال مفهوم التكييف، وترجمة روح النص بعيدا عن الترجمة الحرفية. كما تطرق الحضور لقضية ظهور ممارسة المسرح في الوطن العربي، والذي أكد بعضهم أن أصله انطلق من الجزائر. وأطلق علاوة جروة وهبي، النار على أغلب كتّاب النصوص المسرحية بالجزائر، متهما إياهم بسرقة نصوص غربية وترجمتها إلى اللغة العربية، حيث قال إن 95 % من النصوص المسرحية في الجزائر مختلَسة، و5 % المتبقية عبارة عن سكاتشات، مستغربا غياب كراسة المخرج في كل المسارح الجزائرية عكس المسارح العربية الأخرى. وقال إن مصطلح "اقتباس" خاطئ في أصله.

وغاص علاوة جروة وهبي في المعنى اللغوي للاقتباس، مستدلا بآيات من القرآن الكريم؛ من سور القصص، وطه والنمل، على لسان كليم الله موسى عليه السلام، مفسرا القبس بأخذ جزء من الشيء، ومضيفا أنه وجد في منجد اللغة العربية معنى قبس الشيء أي أخذ منه جزءا. كما استدل بمنجد "لاروس" في اللغة الفرنسية، الذي جاء فيه أن الاقتباس عكس الترجمة تماما، وهو تكييف أمرين حتى يتوافقا. وحسب الإعلامي علاوة جروة وهبي، فإنه لا يمكن اقتباس نص مسرحي كُتب أصلا للمسرح، وقال: "بالأحرى قد تكون هناك قراءة دراماتكية للنص الروائي، أو ما اصطٌلح عليه هو بتحديث النص؛ حتى يتماشى مع متغيرات العصر الذي كُتبت فيه"، متسائلا عن ظاهرة اقتباس نصوص مسرحية جزائرية وترجمتها من لغة إلى لغة، معتبرا أن هذا الأمر "سرقة"، أُطلق عليها مصطلح جديد، وهو "اخقتباس"، وهي جمع بين كلمتي اختلاس واقتباس، متعجبا من بعض الأعمال المسرحية التي نالت جوائز عن أحسن نص مسرحي من نصوص مقتبسة.

وطالب الأستاذ علاوة جروة وهبي أصحاب المهنة بالتحرك وعدم الاكتفاء بالصمت، لمحاربة هذه الظاهرة، التي يرى أنها تسيء للمسرح وللفن، ولا تخدمه، مضيفا أن نشأة المسرح مفهوم عام عبر العالم كله، وهو نفسه، ولا يجب إطلاق مصطلحات ليس لها معنى، على غرار تخصيص مسرح كل بلد بنفسه، معتبرا أن الاختلاف يكون في الحركات المسرحة وليس في المسرح في حد ذاته.

وحسب الإعلامي المختص جروة علاوة وهبي، فإن هناك محاولات في الجزائر تناولت بعض الأعمال الروائية وحولتها إلى عمل مسرحي، حيث قال إن الطاهر وطار هو الروائي الجزائري الذي يأتي في المركز الأول من ناحية تحويل نصوصه السردية إلى أعمال مسرحية، بعدما حُولت 5 روايات من كتاباته إلى مسرحيات، يليه رشيد بوجدرة بروايتين رفقة واسيني لعرج، ثم يأتي كل من أمين الزاوي، وياسمينة خضرة، وكاتب ياسين، ومصطفى نطور، ورشيد ميموني، والطاهر جاوت ومالك حداد برواية لكل واحد منهم، معتبرا أن كاتب النص المسرحي مطالَب بأخذ الإذن، ومشاورة صاحب الرواية، قبل أن يقتبس عمله الأدبي، حتى يكون عملا متكاملا.

كما فتح علاوة جروة وهبي النار على بعض المشرقيين، الذين يعتبرون أن مهد المسرح هو المشرق العربي، نافيا صفة رائد المسرح العربي عن اللبناني مارون النقاش، الذي أخذ رواية "البخيل" لموليير، وحوّلها إلى نص مسرحي سنة 1848، معتبرا أن في هذا التاريخ بالضبط ظهر كاتب جزائري. كتب نصا مسرحيا ولم يقتبس، وهو إبراهيم داليونس، الذي اعتبره رائد المسرح العربي، وعرف إجحافا كبيرا في حقه من طرف النقاد والمختصين. وطالب بتصحيح تاريخ كتابة المسرح في العالم العربي، كما انتقد علاوة جروة مصطفى لطفي المنفلوطي، متهما إياه بسرقة نصوص عن روايات فرنسية، ونسبتها إلى نفسه.

ومن جهته، تطرق الفنان والكاتب السعيد بولمرقة خلال مداخلته، لتجربته الخاصة في تحويل العمل الروائي إلى عمل مسرحي سنة 2009؛ من خلال مسرحية "طرطوف" لكاتب الفرنسي الشهير موليير، حيث حظي هذا العمل بدراسة في نيل شهادة الدكتورة للدكتورة هاجر ديب من ولاية عنابة، والتي خلصت في دراستها إلى أن العملية عرفت ترجمة العرض وليس النص. وقال إن الرواية تنقسم إلى ثلاثة أجزاء؛ هي الجانب السردي، والجانب الوصفي وجانب الحوار، معتبرا أنه الجزء المهم في النص المسرحي. وقال إن تلخيص الرواية للحصول على نص مسرحي خطأ، يقع فيه العديد من الكتّاب، مؤكدا أن الاقتباس الحقيقي لا يقف على الترجمة فقط، بل يذهب إلى روح العمل مع ضرورة الاطلاع على الجوانب الثقافية والاجتماعية التي ميزت بيئة كاتب النص الأصلي. كما تطرق للترجمة العكسية من خلال ترجمة عمل مسرحي إلى عمل روائي، مثلما قام به في تجربته مع البوغي.

وخلال النقاش، رفض الكاتب والأديب والشاعر مدير الثقافة السابق محمد زتيلي، فكرة تعميم ظاهرة الاختلاس والسرقة الأدبية على كل كتّاب النص المسرحي بالجزائر، معتبرا أن التعميم فيه إجحاف لمجهودات تُبذل في الميدان. واختلف مع من يقول بأن الاقتباس مأخوذ من كلمة قبس، معتبرا أن هناك اختلافا كبيرا بين المعنيين، في حين تحدّث المخرج محمد الطيب دهيمي، عن صعوبة المرور من النص الروائي إلى النص المسرحي، وقال إن الأمر يتطلب مجهودا كبيرا من المخرج؛ حتى يكون العمل في المستوى.