مغنية تحيي الذكرى الثالثة لرحيل أحمد بن بلة

نشاطات مخلدة لمسيرة أول رئيس للجزائر المستقلة

نشاطات مخلدة لمسيرة أول رئيس للجزائر المستقلة�
  • القراءات: 704
ل. عـبد الحليم  � ل. عـبد الحليم

أحيت مؤخرا جمعية "أصدقاء أحمد بن بلة" بمدينة مغنية في تلمسان الذكرى الثالثة لوفاة أول رئيس للجزائر المستقلة، الراحل أحمد بن بلة، بتنظيم  العديد من النشاطات الثقافية والرياضية، إضافة إلى سهرة دينية أقيمت بمسكن الراحل تخللتها قراءة للذكر الحكيم والمدائح الدينية أداها طلبة مساجد مغنية بحضور عائلة الفقيد وأقاربه وممثلي المجتمع المدني،

كان الفقيد أحد أعضاء مجموعة الــ 22 التي فجرت الثورة التحريرية سنة 1954 وأحد أهم قادة الثورة التحريرية المظفرة، لم يكن يعرف بالتمام اليوم الذي ولد فيه، لذلك صرح أكثر من مرة بأنه يعتقد أنه من مواليد الفترة الممتدة بين سنة 1916 و1918، مع الإشارة إلى أن الرئيس بوتفليقة أوضح عند تكريمه لابن بلة سنة 2005، أنه من مواليد 25 ديسمبر 1916.

نشأ الراحل في مغنية وتعلم فيها إلى غاية سن الثانية عشرة تقريبا، لينتقل بعـدها إلى الثانوية ويكمل دراسته، وكان بذلك من المحظوظين في قريتة ممّن استطاعوا أن ينجحوا في الشهادة الابتدائية ويتأهلوا للثانوية، وفي الوقت الذي كان يتم التعليم باللغة الفرنسية فقط، كان الراحل بن بلة يتعلم العربية بالطرق التقليدية، وبعد أن أتم الابتدائية سافر إلى مدينة تلمسان، وأقام فيها أكثر من خمس سنوات.

كان الراحل في فترة شبابه (20 عاما) مولعا برياضة كرة القدم، وكان يحمل آنذاك الرقم (05) كمدافع رئيسي في الفريق المحلي، ليدخل عالم الاحتراف بعدها ويلتحق كلاعب محترف بأشهر فريق كروي في فرنسا (أوليجي ـ مرسيليا) حامل كأس بطولة فرنسا.

كان الراحل بن بلة أيضا كشّافا، (الكشافة كانت مدرسة تابعة لحزب الشعب، يكوّن فيها أعضاءه وكوادره)، وبالتالي تمكّن رفقة زملائه من الحصول على تدريب كشفي، وبعـد أن ترك المدرسة الثانوية في تلمسان عاد إلى قريته ليستدعى سنة 1937 لأداء الخدمة الإلزامية، وبقي حـتى عام 1940 في الجيش الفرنسي في فرنسا، وشارك في الحرب ونال وساما بعد النصر، ومع نزول الحلفاء بشمال إفريقيا وتنظيمهم الجيش الجديد بضم أبناء تونس والجزائر والمغرب، وصل تعداده إلى 200 ألف جندي، توجه مع هذا الجيش إلى إيطاليا، ورغم ذلك لم تنقطع اتصالاته بحزبه داخل الجزائر، وبعد مجازر 8 ماي 1945 استقال نهائيا من الجيش الفرنسي وانضم بشكل رسمي ونظامي إلى حزب الشعب وكان عمره آنذاك سبعة عشر عاما، في وقت كانت فيه كل القيادات الحزبية معتقلة أو ملاحقة على إثر هذه الأحداث الدامية.

بداية نشاطه في الحزب كان في قريته مع  المرحوم عبد القادر بركة، وحقق نتائج ملحوظة ليصبح بعدها مسؤولا في الحزب عن ولاية تلمسان سنة 1947، وتقدم داخل الحزب بخطى سريعة، ليصبح عضوا في اللجنة المركزية، فغادر مغنية إلى وهران كمسؤول محلي لغرب الجزائر، وبعد ستة أشهر توجه إلى العاصمة للقيام بالنشاط المركزي، ثم أصبح مسؤولا عـن ”المنظمة السرية لوس” التي تضم 3 آلاف ناشط واكتشف الاستعمار تنظيمها فاعتقل بعض كوادرها، (400 عضو) ليشارك الراحل بن بلة حسين آيت أحمد ورابح بيطاط في الهجوم المسلح على بريد وهران في 4 أفريل 1949 وهنا اقتنع أن ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة، وهكذا وظفت تلك الأموال في إعداد العدة لثورة الفاتح نوفمبر.

يذكر أن التخطيط لهذه العملية بدأ باختطاف الطبيب الفرنسي «بيار موتيي» من الحيّ الأوربي بوهران، بعد إيهامه بوجود مريض يحتاج إلى العلاج في حالة استعجالية بغرض الاستيلاء على سيارته، حيث تم تكبيله ووضعه تحت الحراسة بعد نجاح عملية تحويله، واستعملت سيارة المختطف في الصباح الموالي لتنفيذ عملية الهجوم المسلح على مقر البريد المركزي وركن المنفدون سيارة «سيترووين» تحمل بزجاجها الأمامي شعار «الطبيب» ونزلوا بهدوء وعددهم ثلاثة يرتدون لباسا أوروبيا أنيقا، توجهوا مباشرة إلى مقر البريد ليشهروا بعدها أسلحتهم ويستولوا على مبلغ مالي قدره 3178.000 فرنك ويهرعون مسرعين إلى السيارة المسروقة ويختفون بعدها عن الأنظار، وبعد نجاح العملية قام المنفذون الأبطال بتسليم الغنيمة للنائب محمد خيضر الذي نقلها على متن سيارته إلى الجزائر العاصمة، لينجح بذلك مجموعة من أبرز أعضاء المنظمة السرية "OS"في عملية الهجوم المسلح بوهران بقيادة أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد وحمو بوتليليس وبلحاج بوشعيب والحاج بن علّة وسويداني بوجمعة وبختي نميش وبن زرقة محمد، كلهم ساهموا بهذه الغنيمة في اقتناء بين 600 و700 قطعة سلاح من ليبيا استلمها فيما بعد مفجرو الثورة عبر مختلف ربوع الوطن.

وفي ماي 1950، تم إيقاف بن بلة من طرف السلطات الاستعمارية وحكم عليه بالسجن المؤبد، ليتمكن بعدها بسنتين من الفرار من سجن البليدة في 16 مارس 1952 ويلتحق بالقاهرة ليصبح أحد قادة الثورة البارزين الممثلين لجبهة التحرير في الخارج رفقة آيت أحمد ومحمد خيضر، وفي سنة 1956 تم توقيفه مرة ثانية إثر تحويل طائرة القادة في اتجاهها إلى تونس ليطلق سراحه سنة 1962.

عين الراحل نائبا شرفيا لرؤساء الحكومات المؤقتة الثلاث، وفي 15 سبتمبر عين كأول رئيس للجزائر، وفي 19 جـوان 1965 تم عزله، ووضع تحت الإقامة الجبرية إلى غاية 1980، حيث أطلق سراحه ليؤسس بعد ذلك سنة 1982 بباريس الحركة من أجل الديمقراطية في الجزائر. 

بعد مجيئ السيد عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم وانتهاجه لسياسة المصالحة والوئام المدنيين، ناصره بن بلة وعاد مجددا إلى البلاد، حيث ساهم في الدفاع عن قضايا عربية مثل العراق وفلسطين، وقـد سبق له أن زار العراق بعد حرب الخليج الثانية 1991 وقابل الرئيس صدام حسين، كما طالب برفع الحظر المفروض على العراق وكوبا، ورغم سنه المتقدم، إلا أنه عرف بنشاطه الدائم، حيث كان عضوا في لجنة الرعاية لمحكمة راسل حول فلسطين، وترأس اللجنة الدولية لجائزة القذافي لحقوق الإنسان، كما اختير ضمن لجنة حكماء إفريقيا التابعة للاتحاد الإفريقي وترأسها سنة 2007 في إطار مبادرات تسوية النزاعات وتفادي الأزمات التي تصيب دول القارة الإفريقية، إضافة إلى نشاطاته وعلاقاته القومية خلال فترته الرئاسية، وشارك بن بلة في نشاطات المؤتمر القومي العربي.

كرم الراحل من طرف أبناء لالة مغنية لما قدمه من نضال للجزائر، ونظّمت له أكبر تظاهرة وطنية تتمثل في "جوبيلي أحمد بن بلة"، بمشاركة وجود فنية وأدبية وإعلامية من الوطن وخارجه، كما حضرته شخصيات بارزة على المستويين الأوربي والإفريقي، كنائب جمهورية مصر العربية في عهد جمال عبد الناصر وابن الشاعر الجزائري مفدي زكرياء السيد سليمان الشيخ ووزراء سابقون، وأقيم بالمناسبة أكبر استعراض من قبل الفرق المشاركة المتوافدة من داخل وخارج الوطن.