بهدف بناء وعي نقديّ جديد بالهوية والحرية

نحو تحرير تصوّرات الماضي

نحو تحرير تصوّرات الماضي
الكاتب الأمريكي من أصول بينينية مكسيم فينيون - الباحث الجزائري بن عودة لبداعي
  • 172
د. م د. م

احتضن فضاء روح البناف "فرانز فانون"، أوّل أمس، ندوة فكرية بعنوان "العبودية في الآداب الإفريقية"، شارك فيها الكاتب الأمريكي من أصول بينينية مكسيم فينيون والباحث الجزائري بن عودة لبداعي. وشكّلت فرصة لطرح أسئلة عميقة حول معنى العبودية في الذاكرة الإفريقية، وسبل إعادة قراءة الماضي من أجل فهم أعمق لقيم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.

استهلّ الباحث بن عودة لبداعي مداخلته بالتأكيد على أنّ النقاشات الفكرية والأدبية حول العبودية تندرج ضمن السعي لإنهاء الاستعمار الثقافي الذي ما زال يلقي بظلاله على الوعي الإفريقي. وميّز بين مفهومي العبودية والاستعباد، موضّحًا أنّ الأولى تعبّر عن خضوع طوعي قائم على الإخلاص، بينما الثانية تمثّل خضوعًا قسريًا يُنتزع فيه الإنسان من حريته وكرامته.

أشار لبداعي إلى أن ظاهرة العبودية عرفتها مختلف الحضارات القديمة، لكنّها بلغت أوجها في القرن الخامس عشر مع انطلاق تجارة الرقيق عبر الأطلسي، وأوضح أنّ القرن التاسع عشر شهد تحوّلات حاسمة مع إلغاء تجارة الرقيق من طرف الدنمارك ثم بريطانيا والولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى. كما لفت إلى أنّ الدراسات الأدبية الحديثة تفضّل استخدام مصطلح الاستعباد بدل العبودية، في إشارة إلى البعد الاستعماري لهذه الممارسة التي استغلت طيبة الشعوب الإفريقية ونهبت مقدّراتها البشرية. استعرض لبداعي أسماء عدد من الأدباء الذين تناولوا قضية العبودية في أعمالهم، من بينهم جاك لاكاريار، فريديريك دوغلاس، هاري جاكوب، فولتير، جان جاك روسو، مارلين روبنسون، وفرانز فانون.

من جهته، تطرّق الكاتب مكسيم فينيون إلى العبودية باعتبارها من أبرز الموضوعات في الأدب الإفريقي، مشيرًا إلى أنّ العديد من الكتّاب الأفارقة تجنّبوا طيلة عقود مناقشة دور الأفارقة أنفسهم في تجارة الرقيق. غير أنّ السنوات الأخيرة شهدت تحوّلًا في الخطاب الأدبي، إذ بدأت أصوات مثل ليونورا ميانو، ماريز كوندي، وإتيان غويميدي تعترف بمسؤولية بعض القبائل والزعماء الأفارقة عن هذه الجريمة التاريخية.

أكد فينيون أنّ الأدب الإفريقي الحديث لا يسعى إلى إدانة الأجداد، بل إلى فهم السياقات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية التي أسهمت في تلك الممارسات، بهدف بناء وعي نقدي جديد بالهوية والحرية. وأشار إلى أنّ الأدب الإفريقي الأمريكي يشكّل امتدادًا لهذا المسار، إذ يعيد قراءة تأثير العبودية على تشكيل الوعي الفردي والجماعي للسود في العالم الجديد.

وختم فينيون مداخلته بالتنبيه إلى ضرورة إعادة فحص الصور والأرشيفات المرتبطة بالمستعبدين الأفارقة، وعدم قبول الروايات التي تصوّرهم كمسافرين إلى أمريكا، بل كضحايا اقتيدوا قسرًا في ظروف غير إنسانية. ودعا في الختام إلى تحرير تصوّرات الماضي كشرط أساسي لإعادة التفكير في الإنسانية والعدالة والذاكرة المشتركة.