عباس النوري لـ"المساء":

نحن أمة تقدّس الطابوهات، والثقافة فوق السياسات والأنظمة

نحن أمة تقدّس الطابوهات، والثقافة فوق السياسات والأنظمة
  • 879
حاوره: زبير. ز حاوره: زبير. ز

عرفه الجمهور الجزائري من خلال أداء دور البطولة في المسلسل السوري "باب الحارة"، ودخل بيوت الجزائريين من خلال شخصية "أبو عصام"، رفضت عائلته دخوله مجال الفن في البداية، إلاّ أنّه استطاع أن يشقّ الطريق ويصنع لنفسه اسما بارزا في مجال الدراما العربية، وبدأ حياته الفنية فوق ركح المسرح الجامعي إلى جانب سلوم حداد وبسام كوسة، شارك بالعديد من الأدوار المهمة والبطولة في أعمال حقّقت جماهيرية واسعة في سوريا والوطن العربي كـ"أحلام منتصف الليل" و"البيادر" و"الوسيط" و"الأجنحة" والطبيبة"، "الهجرة إلى الوطن"، و"أبوكامل" وغيرها من الأعمال التي مثّلت الانطلاقة الحقيقية للدراما السورية، له حوالي 100 عمل فني، "المساء" التقى الفنان المتميّز عناس النوري على هامش مشاركته في فعاليات الأيام السينمائية للفيلم المتوج، وكانت لها معه هذه الدردشة.

- أنت ضيف "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، كيف وجدت المدينة وما هو شعورك وأنت بين أهلها؟

— شعور جميل ونحن بين أخواننا الجزائريين والعرب، في الحقيقة هي أوّل مرة أزور فيها مدينة قسنطينة، وقد اكتشفت أنّ في كلّ شبر منها عبق للثقافة، يحمله إنسان هذا المدينة برقيه وبنظافته، هو الإنسان الذي تلاحظ أنّه يبحث عن التطّور في حياته وينشد العدالة والحرية، وأن يحقّق لنفسه حياة اجتماعية أفضل، زيادة على ذلك فإنك تتقاطع في هذه المدينة مع التاريخ الذي يرويه كلّ حجر فيها وكلّ رصيف وكلّ زاوية وركن، إذا تحدّثنا عن الثقافة، فنحن نتحدّث عن الحوار وعن تقبل الآخر، فالمدينة التي لا حوار فيها ولا نقاشات فيها هي مدينة لا حياة للثقافة فيها، وأظنّ أنّ قسنطينة التي استقطبت العديد من الثقافات على مرّ العصور، مليئة بالحياة الثقافية وستساهم في نقل هذه العدوى إلى المدن المجاورة لها، أرجو أن يزور كلّ وزراء الثقافة العرب هذه المدينة ويرون حقيقة الثقافة وبماذا يحتفون.   

- ما هو رأيك كفنان في تظاهرة عواصم الثقافة العربية، وهل تخدم، حقا، الثقافة العربية؟

— أظن أنّ مفهوم عاصمة الثقافة العربية، هو عرف تم الاتفاق عليه مند عام 1998 من طرف وزراء الثقافة العرب بالجامعة العربية على اعتبار أن هذا النوع من الاحتفالات سيؤسس لإعادة اكتشاف الأمة لنفسها، حتى يتمكّن المثقف العربي من معرفة جزء ولو بسيط عن ثقافة أخيه العربي الذي يعيش في بلد أخر، هذا التقليد الخاص باختيار مدينة للاحتفال بها كعاصمة للثقافة العربية وتقديم فعالياتها وتاريخها وكذا إنجازات مثقفيها ومبدعيها هو في حد ذاته علامة صحة في حياة الثقافة العربية، ومع هذا يجب أن تخرج هذه الاحتفالات من إطارها الرسمي ومن هيئة الجامعة العربية التي تسيطر عليها جهات وأنظمة معينة، فالنظام السياسي مهما كان شكله، دائما يريد أن يلقي بظلاله على الثقافة من خلال منع بعض الأعمال وحجبها فهو يبيح ويستبيح حسب مصالحه، وأظن أن الثقافة فوق السياسات وفوق الأنظمة كلها، لأنها تؤسّس لحضارة الشعوب وتبقى معبرا حقيقيا وواضحا عن المنجز الوطني للشعب والمنجز المدني للمدينة.

- شاركت في فعاليات الفيلم العربي المتوج الذي احتضنته قسنطينة، كيف وجدت هذا الحدث الفني؟

— أظن أنّ هذه المبادرة جدّ حسنة، على أساس القراءة الإبداعية الجديدة لهذه الأفلام، ليس من أجل تكريمها من جديد وإنّما من أجل تمكينها من قراءة نقدية أوسع وأشمل وإقامة حوار حقيقي ما بين الفن والثقافة.

- بحديثك عن الثقافة، هل تظن أنّه ما يزال لها مكان في ظل الإرهاصات التي يعيشها العالم العربي وحالة الاحتقان التي باتت تميز المشهد العام ؟

— الثقافة لديها مكانة لا يمكن أن ينافسها عليها أحد، فالسياسات تذهب بأهلها والحروب كذلك، وتبقى الثقافة دائما وأظنّ أنّ الصراع القائم حاليا في سوريا أو العراق أو غيرهما من البلدان العربية يبدو في شكله صراعا سياسيا، لكن في أصله هو صراع ثقافي، أظنّ أنّه صراع قيم وافدة تريد أن تجر المجتمعات إلى الخلف وهذه المجتمعات تأبى وتناضل، وخلاصة القول أنه لا يمكن أن نستغني عن دور الثقافة في المجتمع، فدوروها يبقى دائما قائما، ومنذ بدايات الكون، تطوّرت الثقافات وتطوّرت الأديان باعتبارها ثقافات، والسؤال المطروح هو كيف يمكن أن نحدّد ثقافتنا ونحن في العصر الحديث ونحن أصحاب انتماءات ضيقة وصغيرة رغم تبجحنا بالقويمة، هل نعتمد على أسس الدين أم على القومية أو نختار أسس الوطنية وكيف يمكن أن نجد لأنفسنا مكانة في هذا العالم وكيف نستطيع أن نختار نوعية الحياة التي تتلاءم معنا وأن نقبل بالتنوع، أظنّ أنّ المجتمعات العربية غنية بالتنوع الثقافي ومتعايشة مع هذا التنوع، وهذه الأمور يفتقدها حتى الغرب صاحب الديمقراطيات العجيبة التي تأتي إلينا ونجتهد في تقليدها، أظن أن الثقافة تستطيع قراءة الصراع قراءة حقيقية بعيدا عن الإعلام والساسة فهي تؤكد حق الإنسان في رؤية الحياة نفسها.

- في خضم هذه الصراعات التي يعيشها العالم العربي، ما هو دور المثقف والفنان ؟

— المثقف له دور مميز وهو تنوير المجتمع، فهو يعكس بصدق الواقع المعيش، ويسلّط الضوء على طرفي النقيض، ويهيئ المجال لتبارز الأفكار بعيدا عن التعصب والعنف، أظن أن الفنان دون ثقافة هو شخص بلا مرجعية، فلا يوجد فن في الفراغ وأعتقد أن الفن الذي يحدث أثرا، يجب أن يخرج من مكان يشبه هذا الأثر، فالفنان الذي لم يسبق له وأن مشى على الأرض، لا يستطيع تجسيد صورة الأرض في أعماله الفنية.

- إذا قمنا بإسقاط حالة التشردم التي يعيشها العالم العربي في هذه السنوات الأخيرة على المشهد السوري، ما هو دوركم كفنانين سوريين في لملمة جراح قلب الشام النابض؟ 

— ليس المطلوب منا لملمة الجراح، بقدر ما هو مطلوب منا اليوم هو الوقوف أمام المشهد الذي يجب أن يشبه المستقبل، ما هو المستقبل وهل سنلغي بعضنا البعض، الموقف الأول يجب أن يكون في قبول بعضنا البعض على اختلافنا، فأنا أحترم كل الرؤى وكل الخيرات المتاحة أمام كل مثقف، سواء اختار أن يعارض أو اختار أن لا يعارض، فهذا حق الجميع، ولكن نحن كفنانين يجب أن نتحسس شعور المواطن الذي ينظر كيف يحصل على ربطة الخبز التي تسد رمقه ورمق عائلته تحت القصف والقنابل، هذا هو المواطن الذي يجب أن يكون محور اهتمامنا حتى نساهم في حمايته وتأمينه من المخاطر، نحن كمثقفين وجب علينا مواصلة الطريق وعدم التوقف، وأن نرد على القصف الثقافي الذي تتعرض له بلدنا، علينا مواجهة التطرف بنشر تعاليم الدين السمح، تعاليم الإسلام الحقيقي، علينا أن نعيد النظر في القراءة الحقيقية لأماننا، فأغلب المسلمين متعلقون بأداء الصلاة دون أن يفقهوا ما يقولون، فنحن نصلي لطلب حاجياتنا وليس لإيماننا، نحن لا نفرق بين التدين والضعف وكلامي هذا لا يعني المسلمين فقط وإنما يشمل حتى المسحيين وكل الانتماءات الموجودة في مجتمعاتنا، يجب أن نعرف كيف نعيش من منطلق إنساني بعيدا عن الانتماءات الضيقة، أن أكون إنسانا يمشي على الطريق المستقيم، أن لا أسرق ولا أزني ولا أنافق أو أمارس أي شيء يمكنه أن يؤذي الأخر.

- ما حصل في سوريا من حرب، أثر بلا شك على الواقع الفني والسينمائي، كيف تتعاملون كفنانين مع هذا الأمر ؟

— لا توجد فكرة واضحة في الوقت الحالي، فنحن قبل الأزمة وقبل الحرب وأثناء الأزمة، مازلنا نبحث عن هامش أكبر للحرية التي تسمح لنا بالتفكير بطريقة سليمة دون أي ضغط.. المشهد الفني والسينمائي في سوريا أثناء هذه الأزمة قد تشظى وتناثر وفقد العديد من مقوماته، ليس فقط العناصر البشرية وإنما فقد القدرات الفنية المبدعة والفاعلة التي كانت في الساحة الفنية والثقافية، أنا كنت أميل دائما وأنادي بشجاعة أن يعود الجميع إلى المعركة الثقافية، ضد المحظورات الموجودة في الواقع الاجتماعي السوري وفق حوار متحرر، أظن أننا أمة تقدس الطابوهات، فأنت في سوريا لا تستطيع أن تنتقد رجل دين، نحن كمثقفين سوريين ندعو من أجل تعويض التربية الإسلامية في المدارس 

بالتربية الأخلاقية، هذا لا يلغي الأسلاك طبعا وإنما سيفتح المجال أمام النشء من أجل الإطلاع على القيم الإنسانية في مختلف الديانات وعلى رأسها الإسلام.

- ربما هذا ألأمر سمح بترك فراغ في الساحة، فكيف تنظرون إلى غزو الدراما  الأجنبية على غرا ر الدارما التركية للبيوت العربية ؟

— حقيقة، فالأعمال التركية غزت البيوت العربية وانتهت، ولكن يجب أن نعرف كيف نقرأ هذا الغزو وهو قائم على أي أساس، أظن أنه يجب أن لا نأخذ الأعمال التركية كشكل وإنما نأخذها كمضمون حتى نستطيع تحليلها وفهمها، أظن أن الدراما التركية تحاكي كل عقد المجتمع العربي وتتناولها بجرأة وبالحلو المشتهى بعيدا عن الطابوهات، العمل التركي المدبلج يدخل في عمق الحالة التي يتمناها المشاهد العربي، والحل هو السماح للدراما العربية بحيز أوسع للحرية والجرأة بعيدا عن الرقابة، دون المساس طبعا بالأخلاق. 

- المشاهد العربي ينتظرك في جزء جديد من مسلسل "باب الحارة" خلال رمضان المقبل؟

— في الحقيقة هناك مشكل قضائي بين المنتج القديم والمنتج الجديد والقضية في العدالة، وبخصوص مشاركتي من عدمها أنا أنظر إلى مصلحة العمل أولا، ولن أوقع على أي عمل مادامت الأمور غامضة، أنا لا أشتري الحوت في البحر ويجب أن يعرض عليّ النص أولا لأقرر، كما يجب أن أعرف المخرج والطاقم التمثيلي، أنا انتقدت قصة المسلسل، لأني كنت أميل إلى مشروع عمل درامي يؤرخ لأحداث حقيقية حدثت بسوريا، لكن تعلق الجمهور بهذه الدراما جعلتني استسلم لميول الجمهور وأكون ضمن أبطال المسلسل خلال الأجزاء السابقة.

كلمة أخيرة

— أشكر جمهور قسنطينة وأهلها على حفاوة الاستقبال، كما أشكر القائمين على تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية وعلى التكريم الذي خصصوه لشخصي الكريم والذي أهديه إلى كل الفنانين السوريين في الخارج، تحية حب وتقدير إلى كل الجزائريين.