تليلاني يستحضر تراث عبد الرحمن الجيلالي

ميراث مسرحي قوامه "المولد"

ميراث مسرحي قوامه "المولد"
  • القراءات: 1087
مريم . ن مريم . ن

يقدم الكاتب والباحث المعروف احسن تليلاني، خلال السهرات الرمضانية، بعض المحاضرات، في بث مباشر على صفحته الإلكترونية في شتى مجالات الفكر والثقافة والتراث والمسرح، وقد خصص مؤخرا، محاضرة لاقت متابعة واسعة عن الشيخ العلامة عبد الرحمن الجيلالي، من حيث الدور الذي لعبه في المقاومة الثقافية ونشر الوعي الوطني، وعلاقته المتينة بفن المسرح خاصة في رائعته "المولد".

تحدث المحاضر بداية، عن أصل الشيخ وأسرته العريق، حيث يعود نسبه إلى آل الشجرة الموسوية القادرية، وفروعها الأشراف القاطنين بسهول متيجة، وتصل سلالتهم إلى الشيخ عبد القادر الجيلالي سليل الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

درس على عدة شيوخ في المساجد والزوايا، ومنهم عبد الحليم بن سماية الذي كان من منتقدي النظام الاستعماري، رغم أنه كان أستاذا في إحدى المدارس الرسمية. كما تتلمذ الجيلالي على الشيخ المولود الزريبي الأزهري الذي كان مصلحا ثائرا، وكان الزريبي قد تخرج من الأزهر وعاد إلى الجزائر ليدعو إلى النهضة والإصلاح، لكنه واجه العقوق والركود. كما درس الجيلالي على الشيخ الحفناوي صاحب "تعريف الخلف"، الذي كان من رجال الدين الرسميين، ومن الصحفيين الذين عملوا في جريدة "المبشر" الرسمية طويلا، ودرس الجيلالي على الشيخ محمد بن أبي شنب أيضا، الذي تعلق به كثيرا، حتى بعد رحيله، وقد أحيا ذكرى وفاة أستاذه الثالثة بكتابة "في ذكرى بن أبي شنب"، وكان بن شنب قد توسط لتلميذه الجيلالي ليعمل مجودا في الجامع الجديد سنة 1925، ثم معلما في مدرسة الشبيبة الإسلامية وتعرف على شعراء الجزائر ومثقفيها ومصلحيها، منهم آل خليفة، وفي سنة 1936، أسس جمعية الهداية الإسلامية بحي رويسو في العاصمة، علما أنه لم ينخرط في جمعية العلماء المسلمين التي تأسست سنة 1931، وبعدها أصبح مديرا لمدرسة جمعيته، ثم طلب منه سنة 1942، أن ينشط برنامجا دينيا بالإذاعة "رأي الدين"، استمر فيه إلى غاية 1989، وهو أطول برنامج في تاريخ الإذاعة الجزائرية. كما أشار المحاضر إلى أن الشيخ مارس التعليم والقضاء بتكليف من قيادة الثورة.

بقي كتاب "تاريخ الجزائر العام" من أشهر ما قدم العلامة، وهو في 4 أجزاء، جمع فيه جهد سنين من البحث، في فترة حساسة من تاريخ الأمة الجزائرية، حيث كانت فرنسا تسعى جاهدة لمحو تاريخها وهويتها.

بعد الاستقلال، عمل الشيخ الجيلالي باحثا في المتحف الوطني للآثار، ثم عين سنة 1976 في وزارة الشؤون الدينية مدرسا للفقه المالكي بمعهد الأئمة في مفتاح، وفي سنة 1983، درس مصطلح الحديث بجامعة الجزائر، وبرز أيضا في مؤتمرات الفقه الإسلامي بالجزائر، وزار العديد من بلدان العالم.

توقف المحاضر عند اهتمام الشيخ بفن المسرح، الذي كان في زمن الاستعمار أحد أدوات المقاومة، ونشر الوعي بين الجزائريين وحثهم على النهوض من سباتهم، لاسترجاع أرضهم وهويتهم التي سحقها المستعمر، ليستعرض الأستاذ تليلاني مسرحية "المولد" التي هي مسرحية من التراث الديني الإسلامي، لكن الشيخ أعطاها بعدا وطنيا وسياسيا.

يقول المحاضر أن هذه المسرحية (المولد) التي كتبها الشيخ سنة 1949، هي محاولة لتجديد العهد بالأمس، وتتناول لحظة ميلاد الرسول الكريم التي تعني بزوغ الحق والعدل والحرية والإسلام، وبداية انهيار الظلم والباطل والطغيان الذي يوحي للاستعمار الفرنسي، وبداية انهياره ورحيله من الديار الجزائرية، كما يعني ميلاد رسول الهداية سقوط المعتقدات البالية والخرافات والدجل، وكلها كانت مظاهر متفشية في المجتمع الجزائري آنذاك.

صورت المسرحية اهتزاز عرش كسرى بفارس، وسقوط شرفاته وجفاف بحيرة طبرية، وانطفاء النار المقدسة التي لم تنطفئ منذ ألف عام، إنه العهد الجديد.

انقسمت المسرحية لـ3 فصول، الأول به 15 منظرا ويصور بادية العرب، والفصل الثاني بمشهدين و10 مناظر، ويصور قصر قيصر الروم، والثالث يصور قصر كسرى، وكانت كل تلك الأحداث التي استلهمها الكاتب من كتب السيرة باحترافية، ويؤكد فيها مرارة المستعمر الذي سيزول، وكان ينذر العدو الفرنسي بقرب أجله ودنو رحيله في ربط سلس بين التاريخ والحاضر، الذي فهمه الجمهور وأداه 40 فنانا، منهم محمد حلمي ضمن فرقة باشطرزي.

للإشارة، فإن هذه المسرحية وأخرى (الهجرة) للشيخ، أعيد طبعها سنة 1987 من طرف المؤسسة الوطنية للكتاب.