مؤلفو كتب عن "العميد" يصرحون لـ "المساء":

مولودية الجزائر وُلدت رياضية بخلفية سياسية

مولودية الجزائر وُلدت رياضية بخلفية سياسية
  • القراءات: 1917
لطيفة داريب لطيفة داريب

لا يشك أحد في شعبية فريق مولودية الجزائر لكرة القدم. فريق جمع الجزائريين تحت لوائه في فترة الاستعمار وبعد الاستقلال، وكان، بالفعل، ملاذا لهم خاصة الشباب منهم، وقدم الكثير من الشهداء لنصرة هذا الوطن.. وبهذه المناسبة، صدرت في الفترة الأخيرة، ثلاث مؤلفات، يحكي أصحابها عن تاريخ فريق المولودية، وهي "مولودية الجزائر مائة عام من كرة القدم 1921 - 2021- المرحلة التاريخية" لمهدي بوخالفة، و"أسطورة العميد" لنور الدين لوحال، و"1921 تاريخ المولودية" لبلال طيبوش.. "المساء" اتصلت بهؤلاء الكُتاب وسألتهم عن "البعد النضالي الثوري لفريق مولودية الجزائر؟"، فكان هذا الموضوع.

نور الدين لوحال: المولودية أعطت 50 شهيدا من أبنائها

قال نور الدين لوحال إن فريق مولودية الجزائر ليس بفريق لكرة القدم وحسب، بل مرجع هوياتي للجزائريين، خاصة للذين كانوا يعيشون تحت وطأة الاستعمار الفرنسي، حيث تعود نشأة فريق المولودية إلى السابع أوت 1921، على يدي عبد الرحمن عوف. وأضاف أن الجزائريين كانوا يجدون أنفسهم في فريق يرمز إليهم بحق. ومن خلاله بزغ وعيهم بالانتماء إلى هذه الأرض الطيبة، خاصة حينما يلعب فريق المولودية ضد الفرق التابعة للمستعمر، ولهذا فالمولودية كانت بمثابة قاطرة، ساقت الحركة الوطنية إلى نيل الاستقلال. "كيف لا؟" ـ يتساءل لوحال ـ وهي التي قدمت الكثير من الشهداء الذين زاد عددهم عن 50 شهيدا أعدموا بالمقصلة. وذكر أسماء عبد الرزاق حاحات الذي أطلق على حي بباب الجديد، وأيضا أرزقي بوزرينة الذي كان يهتم بألعاب القوى، وعسلة حسين المكلف برياضة كرة السلة.

وتحدث الكاتب عن ظروف إنشاء الفريق، فقال إنه تأسس إثر جملة تفوه بها عسكري فرنسي، حينما شاهد أطفالا جزائريين يلعبون رياضة كرة القدم بساحة الشهداء حاليا، بواسطة كرة مصنوعة بالورق. وهنا قرر عبد الرحمن عوف إنشاء نادي المولودية. واختار لها اللونين الأخضر والأحمر، والشكلين النجمة والهلال، لكنه أخفى عن المستعمر الفرنسي دلائل هذه الرموز. وقال لهم مثلا إن الأخضر لون دين الإسلام، والأحمر لون نار جهنم، فلم يدرك المستعمر أن عوف اختار ألوان العلم الوطني لفريق المولودية. وأشار لوحال إلى تكريس عوف حياته للمولودية، فكان كل راتبه الشهري يعود إلى الفريق، حيث كان يعمل في مصنع التبغ بباب الوادي، حتى إن والده ربما مات اغتماما من الأمر. كما باعت خالته دارها، وأعطته المال لتحقيق حلمه، فكان من أهم مؤسسي المولودية رفقة محمد جازولي، إلا أنه، للأسف، لا توجد أي مؤسسة رياضية ولا حي باسم عبد الرحمن عوف يتحسر محدثنا.

وأكد لوحال أن فريق المولودية كان نورا أضاء الجزائريين في زمن كان يطبق عليهم قانون الأهالي في عقر دارهم. وكان، أيضا، ملاذا للكثير من الرياضيين، ليس فقط في كرة القدم وإنما في كرة السلة وألعاب القوى والملاكمة. وفي هذه الأخيرة كان يمكن الجزائري أن يوسع الفرنسي ضربا بدون أن يسجن، "ما أجمل ذلك!"، يضيف لوحال. وأشار إلى أن الفريق خدم الوطن قبل أن تندلع الثورة التحريرية، فقد أنشأ نادي الترقي الذي ضم جمعية العلماء المسلمين. وقد تم إحضار الشيخ العربي التبسي إلى الجزائر العاصمة، لتدشين النادي.

كما اهتم مؤسسو المولودية بالجانب الاجتماعي للشعب الجزائري المحتل، حيث أسسوا دار الصدقة، وكانوا يقدمون قفة رمضان. ووفروا مطاعم الرحمة، ومراقد لصالح المسافرين الذين يقصدون العاصمة وليس لديهم مكان للمبيت، بينما كانت جمعية العلماء المسلمين تعمل على تربية الجزائريين، وأصبحت مسؤولة عن نادي الترقي بعد انسحاب المولودية.

وبالمقابل، تناول لوحال في كتابه هذا، تاريخ تأسيس الفريق. وقد تحصل على العديد من المعلومات من أرشيف جريدتي "المجاهد" و"لوريزون"، ومن كتاب محمد جازولي، ثم تطرق لواقع المولودية في سنوات الستينات والسبعينات، وكيف كانت الملاعب فضاءات للسلم لا للملاكمة والعنف، مثل ما هي عليه الحال الآن. ثم تطرق لوحال لتقهقر المولودية انطلاقا من "الإصلاح الرياضي" لعام 1977 إلى يومنا هذا.

واعتبر لوحال أن الاستعمار الفرنسي كان يفعل المستحيل لإيقاف المولودية، خاصة أمام الصعوبات المالية للفريق، الذي كان يعتمد، أساسا، على اشتراكات أعضائها.

لماذا للمولودية أنصار في مختلف ولايات الوطن؟ يجيب لوحال بأنه بحث في الأمر، فوجد عدة ردود، فالمولودية، مثلا، ساعدت فريق شبيبة القبائل الذي نشأ عام 1946، حيث قدمت له اللباس، فكان هذا الفريق يرتدي اللونين الأحمر والأخضر إلى غاية 1977. كما كانت المولودية تستضيفه في العاصمة للعب كرة القدم حتى يشاهد قبائل العاصمة فريقهم يلعب أمامهم، وكانا يتقاسمان العائدات، "أليست هذه الأخوة في أبهى حلتها!"، يتساءل محدث "المساء"، ويجيب بنعم، وبأن المولودية، أيضا، ساهمت في تأسيس فريقي الشلف وشباب قسنطينة.

وذكر لوحال حادثة طريفة، تمثلت في لعب فريق المولودية في فترة الاستعمار بتيزي وزو أمام الفريق المحلي، الذي كان يتكون من لاعبين فرنسيين. وبعد انتهاء الشوط الأول اتجه الفريق الخصم إلى حجرة تغيير الملابس. أما فريق المولودية بما أننا كنا في شهر رمضان، فقد ظل لاعبوه على أرضية الميدان، وهنا اكتشف القبائل أن لاعبي المولودية مسلمون، فدعوهم إلى بيوتهم.

كما أنجب فريق المولودية فريق اتحاد العاصمة، وهذا لأنه لم يعد يستطيع استقطاب كل أبناء العاصمة، فاقترح جازولي إنشاء فريق ثان أفضل من التخلي عن شباب قد يجدون ضالتهم في حضن المستعمر الفرنسي.

وأكد لوحال بقاء المولودية مثل كل الفرق الكبيرة، حية. وسيأتي يوم ما وتعود إلى مستواها الحقيقي، مضيفا أنه كان يتمنى لو صدر كتابه خلال مئوية تأسيس فريق مولودية الجزائر، أي العام الماضي، لكن بما أنه لم يحتفل بهذا التاريخ الكبير، فقد صدر كتابه "أسطورة العميد"، في الطبعة الأخيرة للصالون الدولي للكتاب.

مهدي بوخالفة: الهدف من إنشاء المولودية سياسي

ذكر مهدي بوخالفة أن الهدف من إصدار مؤلف عن المولودية، هو الاحتفال بالذكرى المئوية لميلاد أول ناد إسلامي لكرة القدم، وهذا عبر إصدار مؤلف موثق بشكل كبير، مضيفا أن المولودية ليس مجرد ناد تاريخي، بل هو، أيضا، رمز اجتماعي وثقافي وعسكري للجزائريين، أنشئ في نفس الوقت الذي كانت فيه فرنسا الاستعمارية تستعد في منتصف عشرينيات القرن الماضي، للاحتفال بالذكرى المئوية لاحتلال الجزائر. وأضاف أن الفريق ولد عام 1921 بإرادة من سكان القصبة، الذين استاءوا من إهانة عسكر فرنسا أطفالا كانوا يلعبون بكرة مصنوعة من القماش بساحة الشهداء، حيث قالوا: "هنا حديقة أمراء العرب".

وأشار بوخالفة إلى استقطاب المولودية تعاطف وتضامن الجزائريين بسرعة كبيرة جدا خلال مبارياتها ضد فرق الأقدام السوداء. كما تطرق لنضالها ضد تعسف الحكام والاتحاد والشرطة والأدارة، وكانت تحت شرط غير قابل للتفاوض بشأن الدوري لكرة القدم، تمثل في إدماج ثلاثة لاعبين ومدير فرنسي في الفريق. وقد استطاع رئيس المولودية السيد عوف المدعو "بابا حمود"، مراوغة هذا القانون من خلال تجنيد لاعبين جيدين من أمريكا اللاتينية، مثل المهاجم ألبور.

واعتبر المتحدث أن كتابة مؤلف عن المولودية عميد الأندية الإسلامية في فترة الاحتلال الفرنسي، حسب المادة الأولى من نظامها الأساس، هي تكريم لرواد الرياضة الوطنية، فهو الفريق الذي تجرأ على تحدي المحظورات والعقبات بجميع أنواعها. وتابع: "كانت في عشرينيات القرن الماضي وقبل ذلك بكثير، أندية جزائرية، مثل GCMascara، لكنها أنشئت تحت ختم القانون الفرنسي لعام 1901 بشأن الجمعيات الرياضية والثقافية، لهذا كان مولودية الجزائر أول ناد إسلامي، تلاه في عام 1926 تأسيس فريق اتحاد وهران. وفي عام 1932 اتحاد البليدة، ثم اتحاد الحراش عام 1935، واتحاد العاصمة الجزائر عام 1937...

وذكر بوخالفة أن الأهداف الأساسية لإنشاء النادي كانت سياسية أولا، ثم رياضية، فقد تم إنشاء الفريق تحت كلمة "مسلم’’، وهذا يدل على رغبة مؤسسيه الشباب في أن يبرز في المشهد الرياضي أول ناد رياضي إسلامي، جزائري نموذجي، بقوانينه ونظامه. وقد تم إنشاء ناد لكرة القدم للرياضيين من أصحاب الأرض، ومن ثم توسع إلى رياضات أخرى، ليكون وسيلة للشباب لممارسة الرياضة واللعب وتطوير مهاراتهم وقدراتهم الرياضية داخل ناد جزائري مسلم، وليس في فرق من الأقدام السوداء التي تقع تحت طائلة قانون 1901.

وأكد المتحدث أن المولودية كانت قبل كل شيء، بابا لتجنيد المناضلين الشباب من أجل القضية الوطنية، خاصة أنه أنشئ في وقت كانت فرنسا تحتفل بالذكرى المئوية للاستعمار الفرنسي للبلاد. وكان على الجزائريين، آنذاك، القتال سياسيا وثقافيا ودينيا لتأكيد هويتهم، مضيفا أنه بعد سنوات الأربعينيات والنجاحات التي حققها النادي حيث أصبح ناديا للرياضات الشاملة، اتخذ مولودية الجزائر نطاقا وطنيا بعد الاستقلال. وقبل كل شيء، شكل ظاهرة اجتماعية بقدر ما هي سياسية، ولهذا اعتبر هذا الكتاب مرجعا لتاريخ المولودية منذ إنشائها في ظروف سياسية وتاريخية لا تصدق، حتى يومنا هذا.

وبالمقابل، تطرق بوخالفة لعملية البحث عن الأرشيف الخاص بالفريق، مثل الذي وجده في الصحف، وشهادات اللاعبين والمدربين، وتقارير المباريات، وما إلى ذلك، وبعض الكتب التي كتبها عشاق المولودية، من بينهم أمينها العام التاريخي السيد مولود جزولي، والعديد من المؤلفين، من بينهم عبد النور بلخير.

وجاء في بعض هذه الوثائق ذكر مباريات المولودية الرائعة ضد الأندية الفرنسية، وكيف وصلت بعد عشر سنوات من ولادتها، إلى القسم الشرفي الذي يمكن أن نقارنه بالقسم الأول في زمننا هذا، جنبا إلى جنب أندية الأقدام السوداء الكبيرة مثل AS Saint-Eugène، و Galia، و RUA، و FC Blida .

وأضاف أن أغلب عمله ارتكز على الذاكرة لشحة الأرشيف حول المولودية، خاصة بعد تأسيسها، وكيفية تعاملها مع رابطة اتحاد كرة القدم في الجزائر العاصمة، والمتاعب الإدارية التي لا تنتهي خاصة في منحها حق اللعب لأول ناد رياضي إسلامي، كان أبناؤه أبطالا في العديد من المعارك، وسجلوا أسماءهم بحروف من ذهب.

طيبوش بلال: كانت حزبا سياسيا غير معلن عنه

أكد بلال طيبوش العلاقة الوطيدة بين مولودية الجزائر والكفاح ضد المستعمر الفرنسي، فالمولودية التي تأسست إبان الفترة الاستعمارية هي، في الحقيقة، أول حزب سياسي غير معلن عنه، فالمولودية، حسبه، كانت مصدرا للأمل والسعادة الوحيدين للشعب الجزائري المحتل، خاصة حينما تفوز على الفرق الرياضية الفرنسية. وأضاف أن المولودية كانت تحوز في صفوفها، على لاعبين ممن فجروا الثورة الجزائرية إضافة إلى مؤسس الكشافة الإسلامية محمد بوراس، في حين لم يقتصر دور المولودية على ذلك فقط، بل إن الاجتماع الذي غير تاريخ الجزائر، تم عقده ببيت أحد مؤسسي العميد، براهم دريش، بالمدنية، إضافة إلى أعضاء المجموعة 22. كما إن ابنة مؤسس نادي مولودية الجزائر عبد الرحمان عوف، كشفت أن والدها "بابا حمود" كان يلتقي باستمرار، أمير القصبة علي لابوانت، ليستفسر عن جديد فريقه المحبوب، لتضيف للتلفزة الوطنية: "والدي كان يرش لابوانت وبقية المجاهدين بماء الزهر، ويمنحهم بعضا من أنواع التبغ حينما كان يأتي إلى الحي للاحتفال قليلا مع الجماهير". وتابع أن المولودية كانت ومازالت وستبقى دوما ثورية.

وقد اختار طيبوش الكتابة عنها، لأنه مناصر وفي لها، فقد اعتاد، منذ صغره، على حضور مبارياتها، إضافة إلى حلمه باللعب في هذا الفريق مثل كل الأطفال المتيمين بعشق الأخضر والأحمر، إلا أنه لم يتمكن من تحقيق هذا الحلم، فقرر ترك بصمته حول هذا العشق، وكان ذلك من خلال الكتابة، حيث شرع في الكتابة عن تاريخ المولودية حينما كانت على وشك السقوط، ليرى النور، أخيرا، بمناسبة مئوية تأسيس الفريق.

وأشار المتحدث إلى صعوبة الحصول على المعلومات الخاصة بفريق المولودية لكتابة مؤلف عنها، نظرا لوفاة أغلب الشخصيات التي صنعت المولودية، ولأسباب مادية كذلك، إلا أنه خلال جائحة كورونا وجد ضالته في الأنترنت، من خلال جمعه معلومات نشرت في الصحف التي كانت تنشط إبان الفترة الاستعمارية، كصحيفة "إيكو دالجي"، والشهادات الرسمية لمختلف القامات الوطنية، إضافة إلى بعض الحصص التلفزيونية التي استضافت عددا ممن صنعوا تاريخ المولودية، بدون نسيان اجتهاداته الشخصية من خلال التواصل مع مختلف اللاعبين، على غرار محمد دراق وغيره.

أما عن محاور كتاب بلال طيبوش الذي يقع تحت عنوان "1921 تاريخ المولودية"، فقد ضم جميع مراحل تأسيسها، أي منذ أن كان حلما إلى أن تحول إلى واقع، فاحتفالها بالمئوية.

وبدأ طيبوش كتابه هذا بمحور مستقل عن البقية، سلط الضوء فيه على علاقة المولودية بالثورة، ومن ثم توجه برسالة خاصة، إلى النقاد والأنصار وبقية المتابعين، وأخيرا تطرق لفكرة كتابة هذا المؤلف، والصعوبات التي واجهت النادي لحظة ميلاده سواء صداماته مع الاستعمار الفرنسي، أو مع الشعب الجزائري، الذي لم يكن يعلم في البداية، أن هذا الفريق أنشئ من أجل أهداف أكبر من الهدف المعلن عنه، والمتعلق برياضة كرة القدم.

وتناول في كتابه، أيضا، الفترة الذهبية للمولودية في سبعينيات القرن الماضي، ليصل إلى موضوع التسيير الكارثي للشركة المالكة سوناطراك، والذي جعل مئوية المولودية تمر سوداوية بلا حدث ولا هوية!