رحيل البروفيسور سعيد عيادي

موسوعة علمية تقرأها الأجيال

موسوعة علمية تقرأها الأجيال
  • القراءات: 2867
مريم . ن مريم . ن

توفي الدكتور سعيد عيادي، أستاذ علم اجتماع المعرفة بجامعة البليدة، والمثقف المعروف مؤخرا، إثر سكتة قلبية، بعد مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والنشاط الثقافي.

البروفيسور الموسوعة سعيد عالم، مختص في القضايا الاجتماعية، لكنه كان يعشق التاريخ عشقا يغبطه عليه المؤرخون، فيجد دائما في كتاباته ومداخلاته فرصة لتطعيم تحليله الاجتماعي الرصين، باستدعاء التاريخ بأعلامه التي يحفظها عن ظهر القلب، والاستشهاد بمعالمه التي قرأ عنها في مصادرها، وعاينها بنفسه في أسفاره ورحلاته في المناطق الجزائرية المختلفة.

تبقى مقالاته وكتبه النفيسة شاهدة عليه (تاريخ علم الاجتماع واتجاهاته في الجزائر، ترصيص القواعد الثقافية لإعادة البناء الحضاري، البراديغم الإسلامي وإعادة البناء الحضاري…)، زيادة إلى أحاديثه الإذاعية النافعة، وحصصه التلفزيونية الهادفة.

اشتهر الراحل  الدكتور سعيد العيادي، بمؤلفه "تاريخ علم الاجتماع واتجاهاته في الجزائر" في جزئه الأول، في مبادرة أولى من نوعها في الجزائر، يعمد فيها إلى تدوين التاريخ السوسيولوجي لعلم الاجتماع بالجزائر، والمؤلف مقسم إلى تسعة فصول، يغوص فيها عميقا في تاريخ علم الاجتماع واتجاهاته، المستدرك في تجربة علم الاجتماع، علم الاجتماع الجزائري أمشاج المعرفة، الفكر والتاريخ، كيف حبلت به الجزائر وكيف ولد، علم الاجتماع بين الأمس واليوم: القواعد، التطورات والنتائج، رصيد علم الاجتماع في الجامعة الجزائرية، وكذا علم الاجتماع في الجزائر.. علامات خصوصية، مع التطرق لمساهمات عالم الاجتماع الفرنسي دانيال فيريمباف في دراسته لخصوصية المجتمع من زاوية المقاربة الكليانية.

اهتم الراحل سعيد عيادي أيضا، بالدور الكبير الذي تضطلع به الإذاعة، علما أنه اشتغل بالإذاعة الثقافية، مثمنا الأداء الجواري لها في الجانب الأمني المتعلق بمكونات المجتمع الجزائري، والتي تسمى في  إطار الدراسات الأنثربولوجية  بالتعدد الثقافي، معتبرا أن الإذاعات الجهوية بإمكانها الذهاب بعيدا في مجال ترسيم حدود وقواعد الأمن الثقافي، من خلال تقديم ثقافة جزائرية أصيلة متراكمة تاريخيا، مما يخلق بينها وبين المستمع علاقة توافقية تفاعلية، تجعل المواطن يكتسب ثقافة مواطنة ايجابية وروح وطنية سليمة.

كما يعتقد الدكتور سعيد عيادي، أنه يمكن للإعلام الجواري بناء موقف وطني موحد لمواجهة التحديات الأجنبية، من خلال إقناع المواطن الجزائري بانتمائه إلى دولة لها تاريخ عميق وثقافة متنوعة ومجتمع عضوي متماسك.

كان للراحل أيضا موقفه الواضح من المتغيرات التي شهدتها الجزائر، منها السياسية وتلك المتعلقة بالحراك الشعبي، حيث وفي وصفه لانطلاق الحراك الشعبي قال "لقد خيل لي بعد النداء الذي وجه للشعب الجزائري بالخروج إلى الشارع يوم 22 فيفري، كأنه دعي مرة أخرى للدخول في حرمة تاريخية، على غرار ما حصل يوم الفاتح من نوفمبر 1954، بالتمسك بمشروع الثورة المسلحة.

فالشعب خرج قوة واحدة، بل خرج الشعب ولأول مرة يكتشف من هو، لأنه كان غير متيقن بأنه يستطيع الخروج إلى الشارع ويشكل تلك الهالة القوية، ويمكنه أن يرفع شعارات، ويمكن أن يواجه السلطة التي كانت تمنعه من أن يسير في مدن العاصمة على الأقل، وسبق لي أن قلت في أحد القنوات التلفزيونية على المباشر، إن الحراك لن يتجاوز الأسبوع الثامن، وستتغير كل ملامحه، وستتغير قواه وستبرز شعارات وقوى، وما إلى ذلك، وهو ما حصل بالفعل"، بالتالي أبدى بعدها تحفظه من تغير مطالب الحراك وتشتتها.