الدراما الإذاعية تدخل البث بـ"يوميات دحمان"

مواضيع اجتماعية بأداء محترف

مواضيع اجتماعية بأداء محترف
  • القراءات: 512
مريم. ن مريم. ن

يسجل الممثلان مراد زيروني وسماح عقلة حلقات مسلسلهما الفكاهي الإذاعي الخاص بشهر رمضان بعنوان "يوميات دحمان" ، من  تأليف وإخراج سهيلة سلمان. ويعرض يوميات صائم من خلال مواضيع اجتماعية مختلفة، في حلقات مستقلة. وقد كان أداء الممثلَين متقنا، وبإحساس وانفعال عال ومقنع، قد لا يوجد في العروض التلفزيونية؛ إذ " يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر ".

تتناول هذه السلسلة اليوميات الرمضانية التي تدور أغلب حلقاتها بين الزوجين دحمان وحورية، علما أن الخطأ دوما يكون من دحمان، بينما حورية هي صوت العقل والضمير الذي لا يسكت عن الحق؛ فمهما حاول الزوج دحمان (مراد زيروني) تبرير أفعاله كما يبرّرها الكثيرون في مجتمعنا اليوم، إلا أن حورية تصدّه عن ذلك وتقول: "راك غالط".

تكامل وطلاقة الحديث

ما يميّز هذه الحلقات التي وضع بعضها الفنان زيروني على صفحته الإلكترونية، هو التكامل بين الفنانين، وطلاقة الحديث المبنيّ على سيناريو مكتوب بتمكّن، وبلغة سليمة بدون شوائب.

وعرضت الحلقة الرمضانية الأولى، مشكل السير المروري الذي يجن خلال هذا الشهر الفضيل؛ بفرط السرعة، والغضب، والسبّ والشتم؛ إذ كاد دحمان أن يدهس شيخا طاعنا في السن، محمّلا إياه المسؤولية، ومتشاجرا معه. وعندما حكى ذلك لزوجته، وكالعادة، قالت: "راك غالط" ، وواجهته مؤكدة أن "رمضان ليس فقط ماكلة ولكن سلوك". وطالبته بالكف عن توتّره بدل أن يسبّب في "كلّ دورة" مشكلا. وأمام إصراره على الخطأ تشفّت فيه قائلة: "الشحّ لك عندما أوقفتك الشرطة".

وما يميز الفنانة سماح عقلة التي سبق لها أيضا أن شاركت في أعمال درامية تلفزيونية، تمكُّنها في الأداء، وامتلاكها صوتا إذاعيا مميّزا لا يقلّ عن أدائها الغنائي.

مشاكسات زوجية وآفات اجتماعية

من الحلقات، أيضا، حلقة المشاكسات الزوجية اليومية في رمضان، علما أن لكلّ حلقة موضوعها المستقل الذي يتناول آفة من الآفات الاجتماعية؛ فمثلا الحلقة 13 تتناول ظاهرة الرشوة، وفيها يدخل دحمان على زوجته بالفاكهة وبما لذّ وطاب، فتسأله: "قلت صباحا قبل خروجك إلى العمل إنك لا تملك فلسا؛ فمن أين لك هذا؟! "، فيردّ بأن الحل جاء من مقر عمله (موظف إداري) حينما قدّم "خدماته"، وسعى في تسوية ملف زبونة بشكل وديّ دون غيرها من المتعاملين، فردّت له الجميل وأعطته مبلغا ماليا معتبرا.

لكن حورية قاطعته وصرخت في وجهه، وانفعلت تماما كما لو كانت أمام الكاميرا، متّهمة إياه بتلقي رشوة بينما يصرّ هو على أنها هدية، فتضحك ساخرة: "هل غيّروا اسم الرشوة في أيامنا لتصبح هدية؟! ". وتضيف: "يا دحمان، خليك من هذا ما تأكلش الحرام ولو كلينا الخبز اليابس في فطور رمضان، المهم الكفاف والعفاف".

ومن المشاكل الرمضانية أيضا التي يجسّدها دحمان، التسيّب أثناء أوقات العمل؛ ككثير من الموظفين، الذين لا يراعون مصالح الناس، وهو ما يظهر في حلقة مع رئيسه في الإدارة "مختار" (سمير عيشون)، الذي يزعجه دحمان وهو يقضي وقته ممسكا هاتف المصلحة الإدارية، ويكلّم زوجته ومعارفه حتى "يجوّز الوقت، ثم ينصرف".

لكن دحمان يردّ بوقاحة: "هذا تلفون الخدمة، ونستعملو كيما نحب؛ أحيانا نسأل الدار عن طلباتهم من التسوّق؛ راك عارف نحن في رمضان". لكن مختار يقول إنّ ذلك تعطيل لمصالح الناس، فيردّ دحمان بأنه لا عمل مع رمضان؛ فالموظّف لا يستطيع العمل وهو صائم متعب، وهو " عذر أقبح من ذنب ". وبدورها، تقف حورية مع الحق وتقول لزوجها: "صيامك باطل".

وفي الحلقة الأخيرة، تطلب الزوجة من دحمان التوبة إلى الله من الذنوب التي ارتكبها؛ منها الكذب، وتذكّره بحكمة الأجداد؛ "كل كداب وله نهارو، وتطول الأيام وتسمع خبارو. وما يطلع الساس، والذهب ما يرجع نحاس، والناس تمشي بالقياس". وتختم: "رد بالك توب وصلي واقرأ القرآن وادعي الله، أنت غالط تقعد غالط".

لهجة مهذَّبة وتمكُّن في الأداء

تم، بالمناسبة أيضا، بث ونشر أجواء التسجيل التي كانت عائلية بامتياز. كما ظهر التمكّن من الأداء والانسجام، وقوة السيناريو ذي اللهجة العاصمية المهذّبة، مع التدقيق، دوما، في اللغة والكلمات، ومخارج الحروف، والتوقف للتصحيح مع المخرجة، وكذا تحديد رقم الحلقة والصفحة (مثلا الحلقة 13 صفحة 8)، وهكذا.

للتذكير، المسرح الإذاعي فن قائم بذاته، وله تاريخه الطويل في الجزائر. كما إنّ له جمهوره الوفي، وروّاده أيضا، الذين تكوّنت على أيديهم أجيال من الفنانين. ومن تلك القامات الراحلة هناك الفنان فضلاء ومحمد ونيش، وأسماء أخرى قبل الاستقلال الوطني، ناضلت في فرقة جبهة التحرير الوطني، وأسست لهذا الفرع الإبداعي؛ خدمة لصوت الجزائر المستقلة.

ويعتمد هذا الفن على قدرة الممثل في تحويل النص إلى صورة مسموعة، ومنح المستمع مساحة للخيال والتفاعل مع الأحداث، ضمن مساحة زمنية أثيرية محدّدة، لا تتجاوز نصف ساعة. وظلّ الفنانون الجزائريون يطالبون في أكثر من مناسبة، بدعم هذا الفن المرتبط بالجمهور؛ للنهوض به.

ووصف بعضهم هذا التمثيل بالفيلم الإذاعي، الذي له أسلوب كتابة مغاير، وتقنيات إخراج جديدة. كما إنّ المسرحية الإذاعية أصبحت تسجَّل عبر مقاطع أو مشاهد صوتية، لتخضع، بعدها، لمرحلة التركيب، وإدراج المؤثرات الصوتية والمكساج، تماما كما في السينما والتلفزيون".