في كتاب له عن علم الاجتماع العربي

مهورباشة يدعو إلى تأسيس علم العمران الإسلامي

مهورباشة يدعو إلى تأسيس علم العمران الإسلامي
كتاب ”علم الاجتماع في العالم العربي من النقد إلى التأسيس، نحو علم العمران الإسلامي”
  • 1498
❊ ن.ج/ وكالات ❊ ن.ج/ وكالات

صدر للدكتور الجزائري عبد الحليم مهورباشة مؤخرا، عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي، كتاب جدي بعنوان علم الاجتماع في العالم العربي من النقد إلى التأسيس، نحو علم العمران الإسلامي، في مسعى تأصيلي لتبيئة علم الاجتماع في الثقافة العربية، حيث عمد المؤلف في كتابه الذي يغطي 352 صفحة من الحجم المتوسط، إلى استعراض مسيرة علم الاجتماع والمراحل التي خاضها منظرو الفكر العربي الإسلامي، في استثمار هذا التخصص المعرفي المهم بعيدا عن المجال التداولي الغربي.

حسب الأستاذ عبد القادر قلاتي في تقديمه للكتاب، فإنه رغم كل ما قدمه علماء الفلسفة والاجتماع في العالم العربي من جهود لتبيئة علم الاجتماع في المشهد الفكري والثقافي العربي، إلا أن هذه الجهود لم تصل بعد إلى رسم معالم واضحة لعلم اجتماع عربي إسلامي يعي خصوصيات البيئة التي يتحرك فيها، بعيدا عن محاولات إسقاط المفاهيم والآليات الغربية”. 

أشار مقدم الكتاب إلى أن الباحث توقف عند الدراسات التأصيلية لعلم الاجتماع كأحد فروع العلوم الاجتماعية، خصوصا الدراسات التي اتخذت من إسلامية المعرفة إطارا إبستيمولوجيا لعملية التأصيل، في ضوء التصور الإسلامي للإنسان والمجتمع والوجود، بتوليد نموذج معرفي من الرؤية الإسلامية للعالم، تلك الرؤية التي يكون الوحي الرباني مصدرا لها، وهي تمثل أساسا كامنا للنموذج المعرفي وقاعدة يؤسس عليها. وانطلاقا من النموذج المعرفي الإسلامي الكلي، تتم صياغة نماذج معرفية فرعية، تختص بالحقول المعرفية المختلفة، وتستمد من النموذج الأصلي المقولاتِ المعرفيةَ المركزية”.

أكد المؤلف حقيقة يلمسها كل باحث جاد، وهي أن العلوم الاجتماعية تعيش في العالم العربي أزمة حقيقية مما هو مرتبط بوضعية هذه العلوم، بوصفها تخصصات معرفية تُدرّس في الجامعات العربية، فالكثير من التقارير والأبحاث تؤكد أنها تعاني من ضعف على مستوى الممارسات البحثية، كنتيجة لعوامل ترتبط بالظروف التاريخية التي نشأت فيها هذه العلوم؛ إذْ أسسها الاستعمار في أغلب البلدان العربية، كمصر والجزائر والمغرب وسوريا ولبنان وتونس، لكي تساهم أبحاثها في دراسة البنية الذهنية لهذه المجتمعات مع التحكم فيها واستغلالها.

بعد حصول هذه الأقطار العربية على استقلالها السياسي، حافظت الحكومات الوطنية على أقسامها واستمرت في تدريسها، ومن منطلق ذرائعي، وظفتها سياسيا لخدمة المشاريع الاقتصادية التنموية، إلى غاية انهيار هذه المشاريع مع موجة العولمة في مطلع تسعينيات القرن الماضي، فتخلت عن التوظيف الأيديولوجي لها، وأصبحت تعاني هذه التخصصات من تضخم كمي لعدد الطلبة والدارسين لها. في المقابل، تتسم أغلب منتجاتها بالضعف المعرفي والمنهجي، وتعاني مخرجاتها من هشاشة التكوين وضعف التأطير البيداغوجي.

يطرح المؤلف أزمة علم الاجتماع من زاوية التبعية المعرفية للحقل الغربي؛ أي أنها أزمة إبستيمولوجية في أساسها، وليست أزمة أكاديمية فقط، فهذه الأخيرة، انعكاس للأولى، وإذا كان علم الاجتماع الغربي ولد في سياق تاريخي اجتماعي مغاير، كان لحركة التنوير والثورات السياسية والتطور الاقتصادي دور مهمٌ في نشأته وتطوره عبر عقود من الزمن. ولو ألقينا نظرة على نشأة علم الاجتماع في العالم العربي، نلاحظ أنها لم تكن خاضعة لضوابط معرفية وقواعد منهجية صارمة، إذ يرى بعض الباحثين أن علم الاجتماع في العالم العربي، يفتقد إلى الطرح الاستشكالي للقضايا الاجتماعية، بمعنى أنه لم ينطلق من فرضية معرفية محددة ذات معنى، وهذا ما يشعر به جميع الذين يتعاطون هذا العلم”.

فالكثير من الكتاب العرب المتخصصين في علم الاجتماع، يكرسون أوقاتا ثمينة، وجهودا طائلة لإثبات نظريات واتجاهات، وُلدت وترعرعت في مجتمعات أخرى وفي ظروف مغايرة، فيسعون إلى إسقاط تلك المفاهيم على واقع المجتمعات العربية؛ مما يؤدي إلى طمس الواقع وتشويهه بدلا من توليد معارف حوله”.

من هنا،يرى الباحث مهورباشة ضرورة البحث عن البديل، وطرحه انطلاقا من الواقع الثقافي للأمة، فما سمي بالتأصيل الإسلامي مع كتابات بعض الباحثين الإسلاميين، ومن ثمة إسلامية المعرفة مع المعهد العالمي للفكرالإسلامي،هي خطوات أساسية في إعادة بناء العلوم الاجتماعية، وإن كان الأمر لم يحسم بعد معرفيا.

لقد طُرحت فكرة التأصيل الإسلامي للعلوم من قبل العديد من الباحثين المسلمين الذين اكتشفوا، بالنقد والتحليل المعرفي في مجال العلوم الاجتماعية، التحيزات الأيديولوجية والقيمية التي ينطوي عليها الكثير من النظريات التي تشكلت حول المجتمع والإنسان الغربي، مما دفعهم إلى الكشف عن مضامينها الفلسفية التي تعكس الرؤية الحضارية والثقافية لتلك المجتمعات، ورأوا من الناحية المنهجية أنها غير قادرة على دراسة الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للعالم العربي والإسلامي بصفة عامة، بسبب طبيعة المناهج والأدوات والعدة المفاهيمية التي تستخدم في ذلك، فعمدوا من خلال عقد العديد من المؤتمرات، إلى طرح قلقهم الإبستيمولوجي والمعرفي تجاه هذه العلوم التي تدعي الكونية، فتبلورت فكرة رئيسية تدعو إلى المراجعة النقدية لهذه العلوم، وضرورة البحث لها عن بدائل نابعة من التراث الإسلامي.

مع الأيام، تبلور تياران داخل هذه الدائرة المعرفية؛ التيار الأول أطلق على هذه العملية المعرفية التي تسعى إلى دمج حقل العلوم الاجتماعية في حقل العلوم الإسلامية عملية التأصيل الإسلامي، وتيار ثان آخر أطلق عليها إسلامية المعرفة ـ أسلمة العلوم الاجتماعية ـ إلا أن هذا النوع من الأسلمة، كما يرى الباحث، عملية أوسع معرفيا من عملية التأصيل الإسلامي؛ لأن الثانية خطوة منهجية مُتضَمنة في الأولى، ولأن الدارسين للعلوم الاجتماعية الغربية لديهم وعي أكبر من نظرائهم في العلوم الشرعية الذين يطغى على تكوينهم المعرفي والعلمي الجانب الفقهي والأصولي؛ مما يحرم كثيرا منهم سعة النظر في بقية المناهج المعاصرة. في المقابل،  ندعو إلى استخدام التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية بدل أسلمة العلوم الاجتماعية؛ لأن هذه الأخيرة تحمل دلالات دينية أكثر منها معرفية؛ مما يوقع اللبس في تناولها.

انطلاقا من الفكرة التي بنى الباحث رؤيته لمسيرة علم الاجتماع في المجالين التداوليين العربي والغربي، والمسلمة التي تفرض القول بأن طبيعة النموذج المعرفي المادي العلماني الذي تحول إلى إطار مرجعي لعلم الاجتماع الغربي، الذي تولد بدوره عن رؤية مادية إلى العالم، جعل من المنتوج الفكري في هذا الحقل المعرفي المهم، مجرد إعادة إنتاج مفاهيم ورؤى من خارج المجال التداولي العربي الإسلامي، وأكد أن هذا الخيار فشل فشلا ذريعا، ولم يتمكن من تجاوز معطيات التراث الفكري، رغم دعوات التجاوز القائمة على القطيعة الإبستمولوجية والانخراط في الحداثة الغربية.

حاول الباحث الاستفادة والاستئناس بآراء مفكرين عرب في عملية التأسيس المعرفي لعلم العمران الإسلامي، كطرح أبي الفضل عن النظرية التوحيدية، ودراسة حسن بريمة عن النموذج المعرفي والظاهرة الاجتماعية، ودراسة رشيد ميموني عن البعد الاجتماعي في القرآن الكريم، وفلسفة العلوم الاجتماعية عند أبو القاسم الحاج حمد، محددا موقع علم العمران الإسلامي في المنظومة المعرفية الإسلامية.