واسيني الأعرج في منصة "محنة الكتابة التاريخية وأسرارها":
مهمة الكاتب اكتشاف ما أُسقط عمداً من الذاكرة الجماعية
			
						- 193
 
			   				    			         د. م			         			    
			    			    
			    			في إطار فعاليات الدورة الثامنة والعشرين لصالون الجزائر الدولي للكتاب، احتضن فضاء فلسطين "غسان كنفاني" منصة "محنة الكتابة التاريخية وأسرارها"، التي استضافت الروائي والأكاديمي واسيني الأعرج، وتناول الإشكالات الكبرى المرتبطة بكتابة التاريخ وتمثيله في السرد الأدبي، متوقّفاً عند الحدود الفاصلة بين الرواية الرسمية للتاريخ والحقيقة التاريخية المغيّبة.
استهلّ الأعرج حديثه بالتأكيد على أنّ الرواية الرسمية للتاريخ غالباً ما تكون مسيّسة، وتُكتب من منظور السلطة المنتصرة، بعيداً عن المعطيات الواقعية التي عاشها الأفراد والشعوب. واعتبر أنّ مهمة الكاتب لا تكمن في إعادة نسخ الوثائق أو تبنّي السرديات الجاهزة، بل في تفكيك الخطاب الرسمي واكتشاف ما تمّ إسقاطه عمداً من الذاكرة الجماعية.
انتقل صاحب "البيت الأندلسي" إلى الحديث عن تجربته في كتابة رواية "الأمير"، التي تناول فيها سيرة الأمير عبد القادر الجزائري من زاوية إنسانية وفكرية جديدة. وروى الأعرج أنّه التقى حفيدة الأمير عبد القادر خلال رحلة بحثه، وأنّ نقاشاً طويلاً دار بينهما حول شخصية الجدّ، إذ أنكرت الحفيدة انتماءه إلى التصوّف، لتكون خلاصة الحوار كما قال واسيني "لكِ أميركِ ولي أميري"، في إشارة إلى تعدّد القراءات الممكنة للشخصية التاريخية الواحدة بين الرواية العائلية والرؤية الإبداعية.
في معرض تفكيكه للأساطير المرتبطة بسيرة الأمير، توقّف الأعرج عند الجدل حول ماسونية الأمير عبد القادر، مشيراً إلى أنّه لم يعثر على أيّ وثيقة رسمية في أرشيف الإسكندرية تؤكّد انتسابه إلى الماسونية، وأنّ هذه التهمة جاءت في سياق سياسي استعماري أراد تشويه صورته كرمز للتحرّر الديني والإنساني. كما تحدّث عن العلاقة التي جمعت الأمير بأسقف الجزائر مونسينيور دو بيش، التي اتّسمت بالاحترام المتبادل، مثلما كانت له علاقة متوازنة مع نابليون الثالث، تجسّد فيها عمق فكر الأمير الإنساني، وقدرته على الحوار مع الآخر دون التنازل عن مبادئه.
وتطرّق الأعرج أيضاً إلى العلاقات المتوتّرة التي جمعت الأمير عبد القادر بالطريقة التجانية، مؤكّداً أنّ الخلاف لم يكن دينياً بقدر ما كان صراعاً فكرياً واجتماعياً حول الزعامة الروحية والسياسية في الجزائر خلال القرن التاسع عشر. وأوضح أنّ قراءة هذه المرحلة تتطلّب فهماً لمناخها الديني والثقافي، بعيداً عن الإسقاطات المعاصرة.