شهادات من أبناء وساكني مليانة
منبع الوطنية وصدارة في أكثر من مجال

- 201

مليانة، المدينة التي تثق في نفسها وتتميّز بشخصية قوية، تشعر حينما تزورها أنّها صامدة رغم كلّ المطبات التي عاشتها. كما لا يمكن أن تتعرّف على مميزاتها إلاّ من طرف أفواه أبنائها ومن تبنتهم ممن استقروا فيها.
في هذا تحدّث السيد بن يوسف بن قوفة لـ"المساء" عن عدّة محطات عرفتها مليانة وتميّزت بها من بينها كونها المدينة الثالثة في الجزائر وافريقيا التي عرفت الكهرباء، كان ذلك في 2 ديسمبر 1888 بعد كلّ من الشلف (1886) وباتنة (1887)، بالاعتماد على قوّة المياه المتدفّقة من وادي بَزِّيت عند سفح جبل الزّكار لتشغيل محطة كهرومائية أقيمت في موقع قديم عُرف بـ"مطرقة الأمير عبد القادر".
شملت الشبكة حوالي 12 كلم من الأسلاك و500 متر من الكوابل الرئيسية، لتمسّ الشوارع الكبرى والمباني العمومية مثل البلدية والمسرح. كما بلغت الكلفة الإجمالية نحو 40 ألف فرنك، وحضر الاحتفال الرسمي الذي نظم بالمناسبة، لوي تيرمان، الحاكم العام للجزائر.
حادثة أخرى عرفتها مليانة يقصها محدّث "المساء" عن تاريخ اليهود في مليانة وظهور أوّل حركة معادية لهم بالجزائر، فقال إنّ نابليون الثالث زار مليانة في 7ماي 1865، ألقى فيها خطابا عن "اتحاد المسلمين واليهود والأوروبيين". وهنا طالبت عائلة يهودية (مواتي) بالجنسية الفرنسية. بعدها تم الإعلان عن قانون كريميـو (1870) والذي ينصّ على منح الجنسية الفرنسية تلقائيًا لحوالي 35 ألف يهودي جزائري، بينما بقي المسلمون تحت "قانون الأهالي"، ما أحدث انقساما عميقا بين الطائفتين.
وهكذا تأسّست عام 1871 في مليانة، أوّل رابطة معادية لليهود في الجزائر، احتجاجا على الامتياز السياسي الممنوح لهم. لتظهر لاحقا روابط أخرى في الجزائر، بقسنطينة (1895)، وهران (1896)، ثم "الرابطة الراديكالية الاشتراكية المعادية لليهود" عام 1892 بقيادة فيرناند غريغوار.
بن قوفة تحدّث لـ"المساء" أيضا عن أوّل رواية جزائرية كتبت باللغة الفرنسية، خطها ابن مليانة، الحاج حمو بعنوان "زهرة زوجة المنجمي" فقد كان منجم مليانة يستقطب عمالا من مختلف المناطق والأصول، وفي 7 أفريل 1904 تأسّست جمعية خاصة بمنجم زكار وواصلت نشاطها إلى غاية عام 1964. وأضاف أنّه في فترة ثورة التحرير، قام 32 من رجال مليانة بأخذ البارود من المنجم وتسليمه للمجاهدين، فتم القبض عليهم وسجنهم، من بينهم رجلان ما يزالان على قيد الحياة وهما علي أوصالح محمد ووالي محمد. أيضا في معركة قرقور هاجم المجاهدون ثكنة العسكر بمليانة ما تسبّب في مقتل عدد من الجنود الفرنسيين وارتقاء 11 شهيدا ألقيت جثثهم في مليانة.
تحدّث بن قوفة أيضا عن أوّل صحفي جزائري وهو سليمان بن صيام وهو آغا من مليانة، كتب سنة 1852 سلسلة مقالات بعنوان "حلة بن صيام" في جريدة "المبشر" بعد عودته من باريس إثر دعوة تلقاها بمناسبة تتويج الملك نابليون الثالث بالحكم عام 1852، ويعتبر بذلك أوّل مراسل صحفي جزائري.
أما عالم الآثار عباس كبير بن يوسف فقد عاد بنا إلى حادثة طريفة عن اليهودي الصراف الذي كان يقرض المال لأبناء مليانة، فكان مثلا يقرض شخصا، 100دينار لكنه كان يكتب في الوصل 150دينار وبعدها يعتذر ويخبر السائل أنه أخطأ يقوم بدعك الورقة ورميها، ومباشرة بعد مغادرة المدين المكان يعيد اليهودي هذا الوصل إلى حاله الأصلي من خلال تمليس الورقة ثم ينتظر اليوم الموعود ليطالب المدين بالمبلغ كما كتبه في ورقته.
قصة أخرى يحكيها بن يوسف عن امرأة قدمت من خميس مليانة طلبت من سائق سيارة أجرة أن يأخذها الى "مولى مليانة" وكانت تقصد ضريح الولي الصالح سيدي أحمد بن يوسف لكن السائق أخذها إلى الصرّاف اليهودي، أما شمس الدين حاج علي المهتم بتراث وتاريخ مليانة، فقد تحدّث عن مصنع الأسلحة للأمير عبد القادر الذي طلب من المهندس الفرنسي الذي شيّد المصنع بعد التحاقه بالأمير وإسلامه، أن يضع هلالين في باب المصنع رمزا لدين الإسلام. وتابع أنّ المستعمر الفرنسي أعجب بموقع مليانة وشيّد فيها أوّل مدرسة لتعليم المعلمات وأوّل مدرسة مناجم وأوّل مدرسة عسكرية، فقد عُرفت بموقعها الجغرافي الهام الذي كتب عنه الرحالة مثل بن حوقل وابن خلدون وابن بطوطة وغيرهم ممن تحدّثوا عن خصوبة أرضها ومياهها العذبة وهوائها المنعش.
كما عرفت مليانة بعد سقوط الجزائر العاصمة استقطاب علماء رفضوا البقاء تحت حكم المستعمر الفرنسي ووجدوا في مليانة ملجأ لهم، مثل الشيخ مزاري مفتي المالكية في الجزائر، ليؤكّد حاج علي دور الزوايا في الكفاح ضدّ المستعمر، وكان الشيخ خلادي وكيل زاوية سيدي أحمد بن يوسف من ترأس الوفد الملياني الذي طلب من الأمير عبد القادر النجدة .
وتحدّث حاج علي عن نموّ الوعي الوطني لسكان مليانة فقد كان يزورهم الأمير خالد ثم مصالي الحاج، علما أنّ المليانيين قاوموا المحتلّ منذ القدم، مثل مقاومة ريغة في جبل زكار عام 1901 والتي تم نفي الكثير من مقاوميها إلى كاليدونيا الجديدة. وعرفت مليانة تأسيس أوّل كشافة إسلامية على يدي محمد بوراس، وكان الكثير من سكانها منخرطين في صفوف حزب الشعب وحركة انتصار الحريات الديمقراطية، وشكّلت أيضا مسقط رأس علي عمار المدعو "علي لبوانت" ولمصطفى فروخي أوّل سفير للحكومة المؤقتة بالصين، وقدّمت شهداء وشهيدات كثر.
بالمقابل، تحدث أحمد بن رابح لـ"المساء" عن جينيريك فيلم "غلادياتور" الشهير، الذي قيل فيه إنّ هذه الأحداث وقعت في "زوكابا" أي "مليانة"، ليتساءل المتحدّث عن معرفة المخرج الأمريكي بمليانة؟، أيضا تطرّق إلى الدراسات التاريخية القليلة حول حصار الأمير عبد القادر وجيشه للمستعمر الفرنسي بمليانة لمدّة عام كامل والذي توفي منهم قرابة ألف جندي فرنسي. بن رابح تطرّق أيضا إلى سيدي أحمد بن يوسف، الولي الصالح لمليانة التي لم يزرها قط، وطلب من مريديه أن يدفنوه حيثما توقّفت البغلة التي كان يمتطيها تيمّنا بناقة الرسول صلى الله عليه وسلم، ليصبح دفين مليانة.
حادثة أخرى قصها على "المساء" بن رابح، عن قرار الإدارة الاستعمارية غلق ثانوية تيزي وزو بعد الانزال الأمريكي، فتم إرسال البعض من الطلبة إلى ثانوية "المقراني" ببن عكنون والبقية وعددهم 39 تلميذا إلى ثانوية مليانة من بينهم شخصيات وطنية مثل يحي عبد النور وحسين آيت أحمد وتم إلحاقهم بالكشافة الإسلامية التي كان يشرف عليها حمدان بوزار بعد أن تأسّست على يدي محمد بوراس، وهناك تعلّموا الوطنية في مدينة مليانة. كما أنّ من بين الشخصيات التي درّست في مليانة، الشيخ أبو عمران الذي كان رئيسا للمجلس الإسلامي الأعلى رحمه الله.