إحياء ذكرى 17 أكتوبر بباريس
من بؤس الأحياء القصديرية إلى ويلات الحرب

- 252

يحيي المركز الثقافي الجزائري بباريس، الذكرى 64 لمظاهرات 17 أكتوبر 1961، من خلال برنامج متنوع، يعيد قراءة هذه الأحداث المأساوية التي مثلت مرحلة مهمة من مسيرة ثورة التحرير، كما حفرت في ذاكرة "عاصمة النور" مشاهد مرعبة لضحايا نهر السين .الذكرى هي أيضا مناسبة لسرد تاريخ من البؤس، عاشه المهاجرون في ديار الغربة.
يضرب المركز الثقافي الجزائري بباريس، يوم 16 أكتوبر، ابتداء من السابعة مساء، لقاء مع لواسيني جمعي، لتقديم كتابه "أطفال الأحياء القصديرية في نانتير"، وسيدير الجلسة الصحفي مصطفى حميدوش، فمن خلال كتابه، يغوص لواسيني في ذكريات الطفولة كما عاشها هو في أحياء نانتير القصديرية الفقيرة، تلك الأماكن البائسة والقذرة والمحفوفة بالمخاطر، التي لا حياة فيها، ليسهب في رواية هذا الواقع المؤلم، الذي عاشه الكبار والصغار معا، في ظروف لا تليق ببني البشر، سُلطت بالقوة على الجزائريين.
بين الحرب والمظاهرات والمجازر والحرمان الاجتماعي والصدمات النفسية، يرسم الكاتب صورة مؤثرة لهذه الحقبة من التاريخ، ومن خلال هذه الشهادة المؤثرة، المُهداة لأطفاله وللأجيال القادمة، يروي الكاتب بالتفصيل، ما جرى في يومياته القاسية، بعضها قد لا يصدقه أبناء اليوم، الذين لم يشهدوا ما عاشه أسلافهم من المهاجرين.
رغم هذا البؤس والحرمان وتداعيات الحرب، لا يخلو هذا العمل من سحر الأحداث وبراءة بعض الرواة الصغار، الذين استعرضوا الكثير من التجارب المهمة، شاركها معهم المؤلف.
للإشارة، ولد الكاتب لواسيني جمعي، وهو الأكبر من بين تسعة أطفال، عام 1952 في مدينة مغنية، وفي عام 1960، وفي خضم الحرب التحريرية، غادرت عائلته إلى فرنسا كي تنضم للوالد الذي كان عاملا بفرنسا، لتعيش الأسرة عقدين من المشقة في الأحياء الفقيرة ومدن العبور، لكن المؤلف استطاع، رغم كل تلك الظروف، أن يصبح مهندسا صناعيا، ومن خلال شهادته، يأمل أن يساهم في أداء واجب الذاكرة لأطفال اليوم والغد.
وفي إطار إحياء نفس الذكرى، يقيم المركز الثقافي الجزائري أيضا، معرضا بعنوان "خارج مجال التغطية" للفنان مصطفى سجال، يوم الجمعة 17 أكتوبر، على السادسة والنصف مساء، وتمتد الفعالية إلى غاية 7 نوفمبر 2025. يرتكز المعرض على إبراز المعالم التي تدعم حضور الذاكرة في كسر النسيان، ليعتمد الفنان على القوى الكامنة في الأجساد الغائبة، أو حتى تلك الحاضرة خلف الصور وظلالها، ليقترح الفنان إنشاء مساحة بصرية، تصبح فيها الصورة ممرا بين الحميمي والجماعي.
يستكشف معرض "خارج مجال التغطية" جوانب غير معروفة في حرب التحرير، من خلال نهج فني راق، حيث يسلط الفنان الضوء على أكثر الجوانب إيلاما ودراماتيكية، ليس من خلال عرضها مباشرة، بل من خلال استحضارها في جوهرها، بالاعتماد على صور أرشيفية وآثار تاريخية.
يتمحور المعرض حول مجموعات أعمال متنوعة - رسومات ولوحات ومنشآت فنية ووثائق وفيديوهات - تعيد النظر في أحداث وأماكن طبعتها أهوال التاريخ، ليصبح المعرض إدانة ضد فظائع الحرب، ودعوة إلى عدم النسيان أبدا. بعيدا عن التمثيلات التقليدية، يركز المعرض على القوى الخفية التي تحيي التاريخ والذاكرة، بالتالي يصبح الأبيض والأسود أدوات حوار بين الماضي والحاضر، لتمثل هذه الأعمال الرعب وتستحضره من خلال الإيحاء، كما يظهر الفنان العنف، مجسدا من خلال توتر رسوماته ولوحاته.