جرأة أكثر في الموسم الثاني

من الحسن للأحسن

من الحسن للأحسن
الفنان الكوميدي مراد صاولي
  • القراءات: 597
مريم. ن مريم. ن

يعود الفنان الكوميدي مراد صاولي ليطلّ على جمهوره العريض بالجزء الثاني من سلسلته الفكاهية "العشّ" بلمسات وإبداع جديد، مثّل إضافة نوعية للعمل عكس أعمال أخرى تصيبها الرتابة والتكرار في أجزائها ما بعد الأولى. 

ظهور صاولي في سلسلة هذا الموسم من "العشّ" كان أكثر احترافية وتمكّنا وتلقائية، حيث يبقى الجمهور متابعا ومستمتعا من الحلقة الأولى رغم استقلالية الحلقات، فالأمر الثابت هو الابتسامة والعبرة دون خطابة ودون تفلسف. ورغم سيادة اللهجة السطايفية دون غيرها، وهو اختيار صائب في العمل، لكن الحوار كان ثريا سلسا لا مشاهد صمت أو تأتأة أو ارتجال فاشل يحمل تفاصيل اليوميات الجزائرية خاصة بين الأزواج للمتفرج.

جرأة أكثر في الموسم الثاني

حلقات هذا الموسم كانت أيضا أكثر جرأة ومن بين مواضيعها "الخيانة الزوجية" خاصة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي (الخيانة الالكترونية) بعيدا عن الدراما والتباكي، لكن من خلال صراع الديكة بين الزوجين وإدانة غير مباشرة لهذه الآفة التي تدمّر العائلات.

تضبط الزوجة (الدار كما يسميها صاولي) زوجها متلبسا يحاول الاتصال بعشيقته لتنفجر في وجهه متسائلة عن سبب صوته الناعم وهو الذي يبخل عليها بعواطفه ثم تواجهه بما كان يقوله للأخرى، بأنّه تزوج مكرها ومدفوعا من عائلته وأنّه على وشك الطلاق وبأنّ زوجته شمطاء وأكبر منه، ليكتشف أنّ شريكته في العالم الافتراضي لم تكن سوى زوجته الحقيقية التي تقمّصت الدور لتكشف ألاعيبه ومن ثم تطلب الطلاق.

في حلقة أخرى، تستمر المراقبة الزوجية وتطلب "الدار" من الزوج عدم خلع خاتم الزواج من يده بينما هو يتحايل لنزعه لكي لا يبدو متزوجا ثم "يلعب بذيله".

تتناول حلقات أخرى وبلمسة فكاهية قضايا اجتماعية شتى دون صراخ مفتعل، يجعل المشاهد ينفر من المتابعة، بل إنّ المواقف والمشاهد كلّها تجري بانسيابية وسلاسة وكأنّها الواقع المعيش نفسه وهو ما يعيد للمتفرّج "سكاتشات" زمان لأكبر الفنانين على غرار رويشد وونيش وحلمي ونورية وغيرهم من أبطال سلسلة "أعصاب وأوتار".

حلقة أخرى ينفجر فيها البطل بالحديث دون توقّف وهو نائم لتعيد له زوجته ما كان يتلفّظ به من كلمات أو بالأحرى من مشاكل منها دفع الفواتير ومنها المشاكل مع الصهر وغيرها، ليرد بأنّ ذلك كان نتيجة الكبت والصمت الذي يمارسه طوال النهار.

وقفة مع فلسطين

تجاوزت السلسلة يومياتها العادية من عمق مجتمعنا لتقف مع فلسطين في حلقة مميزة (السابعة) التي كتبها الإعلامي المعروف مصطفى بونيف بعنوان "فلسطين حرة" علما أنّ هذه الحلقة أحدثت ضجة كبيرة عند بعض المتابعين المغاربة الذين ردّ عليهم الكاتب عندما فهموا أنّ شخصية الصالح في الحلقة ليست فلسطين وإنّما إسقاط وإيحاء عن المغرب.

تنطلق الحلقة بمتابعة البطل لقناة "الجزيرة" وهي تبثّ مشاهد مؤلمة من فلسطين مع نداءات لاستقبال الشهر الفضيل، وفجأة تدخل الزوجة على الخط وتقول إنّ الجار صالح هجم عليه غرباء اليوم وسلبوه داره، ليردّ الزوج كيف ذلك وهي ملكه وبعقد موثّق هو شاهد عليه، ثم يدور نقاش عن تاريخ فلسطين وظروف احتلالها لتخلص الزوجة بالقول "إذن صار لفلسطين ما صار لجارنا صالح" ثم يطرحان معا الحل وهو المقاومة المسلحة، كما الحال مع الثورة الجزائرية وهنا يدقّ الباب من طرف الغرباء (الغزاة) لأخذ الدار لكن البطل يجهّز عصاه لضربهم وصدهم.

العمق والتنوّع طريق الاستمرارية

ما يلاحظ أيضا في هذه السلسلة أنّها أصبحت أكثر عمقا وتنوّعا وتحوّلا، وبعناصر فنية جديدة منها الموسيقى التصويرية لتعزيز جاذبية السلسلة، الأمر الذي زاد في نسبة المشاهدات خاصة على "اليوتيوب" حيث تفاعل معها الجمهور معلّقا على كلّ حلقة مقدّما تشجيعه وإعجابه، وأحيانا فاتحا نقاشا حول بعض القضايا التي تستحق الطرح وتبادل الرؤى.

تجاوب الجمهور وتفاعله فتح حلقات نقاش حول مواضيع كانت مقفلة أو مهملة، وهذا بفضل الطرح الفني المبتكر والممتع مع التلقائية في الأداء، وذلك أيضا من مهام الفن الراقي والثقافة عموما، حتى ولو كانت البيئة شقة تجمع زوجين وأولادهما.

من أسباب نجاح هذه السلسلة أيضا هو أداء مراد صاولي الذي يركّز على الحركة رغم ضيق مساحة البلاطو وعلى ملامح الوجه التي تعكس السلوك أو قد تنوب في التعبير عنه، كما أنّ من أسباب نجاح ودوام السلسلة هو التمكّن من السيناريو الذي هو أساس أيّ عمل ما ينعكس في الأداء وفي جودته.