معرض فرنسي يحتفي بالفن التشكيلي الجزائري

مقتطفات من لوحات موقّعة من الجزائر المستقلة

مقتطفات من لوحات موقّعة من الجزائر المستقلة
  • القراءات: 1432
مريم. ن مريم. ن

يحتضن معرض فرنسي يقام بمارسيليا إلى غاية نهاية الشهر الجاري بعنوان "في انتظار عمر قتلاتو"، مختارات أعمال تشكيلية جزائرية لفنانين من مختلف الأجيال منهم أبناء المهجر، ومثل أغلبها تاريخ هذا الفن منذ ستينيات القرن الماضي، تتنوّع مواضيعها وتياراتها الفنية.

يضم المعرض 29 عملا فنيا لمجموعة من الفنانين من الجزائر ومن أبناء المهجر، تعكس تاريخ حركة هذا الفن، ومساره منذ أكثر من خمسة عقود. وتقدّم الأعمال المشاركة نظرة بانورامية شاملة؛ حيث تعود أقدم اللوحات المشاركة إلى عام 1965، وهي تمثل مدارس وتيارات متنوّعة؛ كالتجريدي والواقعي والفنين الساذج والمعاصر، كما تعكس مواضيع مجتمعية وسياسية وتاريخية مختلفة. يحمل المعرض عنوان "في انتظار عمر قتلاتو" المستلهم من عنوان كتاب للمحامية والكاتبة الجزائرية وسيلة تمزالي. ويختار لوحات يتجلى فيها التنوّع الفني في الجزائر منذ الاستقلال، وهي تجربة رائدة لا يستهان بها.

وكان من المفترض أن يضم المعرض الذي أقيم قبلا في رواق "والاتش آرت" في نيويورك، 32 عملا يعود أقدمها إلى عام 1965، لكن جائحة كورونا والقيود الهادفة إلى احتوائها في فرنسا، حرمت الجمهور من الاطلاع حضوريا على الأعمال المعروضة في مجمّع "فريش دو لا بيل دو ميه" الفني والثقافي في مرسيليا، وهي مساحة واسعة، تجمع بين أماكن العمل الفنية والثقافية، وقاعات الأداء والمعارض. وحسب القائمين على المعرض فإن لجزء مهم من حاضر مرسيليا وتاريخها، ارتباطا وثيقا بالجزائر.

لوحات باية تجسّد المرأة

مركز الفن المعاصر "تريانغل استيريد" الذي يقف وراء هذا المعرض الفريد من نوعه في فرنسا، وفّر بديلا للحضور؛ إذ أتاح زيارة المعرض افتراضيا عبر موقعه الإلكتروني، علما أنّ المعرض مفتوح فقط للمهنيين وليس للجمهور العام.

ومن الفنانين الذين تُعرض أعمالهم في هذه التظاهرة، تحضر لوحات كل من قادر عطية وجمال طاطاح وفيصل بغريش ومحمد خدة وفلة تامزالي طهاري، بالإضافة إلى محجوب بن بلة وزبير هلال وباية محيي الدين التي تحضر في المعرض بأكثر من لوحة سريالي، تعكس مدى تطوّر خصوصية أسلوبها الذي ألهمت به بابلو بيكاسو. فبين عامي 1948 و1952 عملت الفنانة الجزائرية الراحلة جنبا إلى جنب الفنان الإسباني، الذي قال إنها كانت مصدر إلهامه في إنجاز سلسلة رسوماته الشهيرة "نساء الجزائر"، وهي التي نالت لوحتها "امرأة وعصفور في القفص" شهرة عالمية واسعة.

ويقدّم قادر عطية الفنان المُدافع عن المُهاجرين، بعضا من أعماله الموضوعاتية والفلسفية  التي تنتقد آثار الكولونيالية على الشعوب العربية والإفريقية. ويمكن النظر إلى الأعمال التي ينجزها الفنان كونها تتناول القضايا الفلسفية والهندسية والنفسية، فهو ينظر إلى هذه الثلاثية على أساس أنّها المحور الذي تدور حوله حياة البشر؛ لذا تناول في أحد أعماله موضوع تقبّل فرنسا الثقافات المختلفة أكثر فأكثر منذ أن ولّى عهد الاستعمار ونالت الجزائر استقلالها. لكنه يسلّط الضوء أيضا على ضيق النظر الذي يميّز المجتمع الفرنسي الحالي، والمؤدّي إلى التطرف في أشكاله وألوانه المتعددة، وكذلك على ضرورة الحوار مع الآخر؛ كحل مثالي للمشكلات الراهنة.

تناغم الحرف العربي والفن الغربي

إلى جانب لوحات باية محيي الدين السريالية والأعمال التجهيزية للفنان عطية، تحضر لوحة للفنان الراحل محجوب بن بلة المعروف بتوظيفه الخط العربي في أعماله، مع تفكيك ممنهج للخط القديم لخلق عالم خاص به، يتّخذ من التميمة وألواح الكتاتيب وقصاصات الجرائد القديمة والرمز، مواد لإعادة بعث عالمه الشرقي ومزجه بالفن الغربي. كما تحضر أعمال أخرى راوحت بين الفسيفساء والجداريات لبعض الفنانين الشباب من الجيل الثاني للهجرة.

وعن مشاركتها في المعرض اعتبرت الفنانة الفرنسية -الجزائرية هاليدا بوغريط التي ولدت في فرنسا لوالدين جزائريين مهاجرين في عام 1980، اعتبرت أنّ "مشاهدة عمل فني بالطريقة الرقمية لا تشبه إطلاقا مشاهدته حضوريا". وأضافت: "لكن لا بأس بأن نستخدم ما بقي لنا اليوم، وهي الوسائل الافتراضية، لنكون قادرين على تمكين أكبر عدد ممكن من الناس، من أن يكتشفوا، على الأقل، هوية كلّ فنان، أو عمل، أو مفهوم".

ومع أنها تردّدت لفترة من الوقت للمشاركة في معرض يتمحور حول بلد معيّن، فهي في النهاية، سعيدة بأن تكون إلى جانب "أفضل الفنانين الجزائريين" ضمن مجموعة تظهر التنوّع والسعي إلى الحرية. وحرصت الفنانة على التأكيد  على أنّ "هذا المعرض لا يتناول القومية والوطنية، بل على العكس، يتناول المنفى، والتحرّر، والسياسة، والعواطف الشخصية والإنسانية؛ إنّه أمر رائع؛ حيث تتلاشى الحدود".

وصوّرت بوغريط في لوحة "جثة الجماهير" بالحركة البطيئة، عائلات من منطقة سان دوني في ضاحية باريس، وهي تعانق بعضها بعضا؛ في تعبير عن الذاكرة العاطفية قبل الانفصال. وتُظهر المشاهد التي تم التقاطها في متحف يول إلويار للفنون والتاريخ في سان دوني، بالضوء الطبيعي، جمال الروابط الإنسانية، ولكن أيضا هشاشتها. وأبدت الفنانة الجزائرية ـ الفرنسية اعتزازها بأن تعرض أعمالها إلى جانب أعمال باية محيي الدين الملونة والشبيهة بالأحلام.

أما لويزا باباري التي تعيش وتعمل بين الجزائر وباريس، فتقدّم في المعرض عملا يستحضر بطلة الاستقلال جميلة بوحيرد، التي تعرّضت للتعذيب وحُكم عليها بالإعدام "بسبب أعمال إرهابية"، ثم أُفرج عنها عند الاستقلال عام 1962. وبعد غيابها عن الأضواء شاركت في عدّة تظاهرات، منها احتفالها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.

وذكرت باباري بأنّ "حضور النساء كان دائما قويا في التحركات الاحتجاجية الجزائرية"، وهي في عملها جعلت ابنتها البالغة ست سنوات، تسمع مقتطفا من كتاب بعنوان "من أجل جميلة"، كتبه المحامي والناشط الفرنسي جاك فيرجيس، الذي دافع عن بوحيرد في خضم الحرب.

ويتيح المعرض كذلك اكتشاف إبداع الفنانة الشابة سارة صديق المقيمة في مرسيليا، والتي تعتمد على العالم الغرافيكي لألعاب الفيديو، لتروي تطلّعات الشاب زين المنتمي إلى الأحياء الشعبية. وتمّ عرض مجسّم هو عبارة عن ورق حائط فسيفسائي بعنوان "لا للغاز الصخري"، يروي فيه الجزائري مراد قرينة نضالات الشباب من أجل البيئة.