منافسة الأفلام القصيرة تُشعل أجواء مهرجان عنابة المتوسطي

معركة التاريخ تعود إلى الشاشة

معركة التاريخ تعود إلى الشاشة
  • 293
سميرة عوّام سميرة عوّام

صنعت الأفلام القصيرة خلال عروض اليوم الخامس من مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي بقاعة السينماتيك، لحظات من الدهشة، والتأمّل؛ حيث شدّت الجمهور بأفكارها الجريئة، وصورها الفنية المكثّفة. وأثبتت أنّ السينما لا تُقاس بطولها بل بعمقها؛ فقد عاش عشّاق الفن السابع أجواء من النقاش، والإلهام مع المخرجين الشباب، الذين حملوا معهم شغفاً مضاعفاً، ورؤية تسعى لاختراق جدران المحلية نحو الفضاءات العربية، والعالمية.

تميّزت هذه الأفلام بقدرتها على تكثيف الحكاية، وتوليد انفعالات قويّة في دقائق معدودة، وهو ما جعلها تحصد إعجاب المتفرجين الذين تفاعلوا بحرارة. وقالوا إنّ هذا الجيل من السينمائيين الشبان يمثل رافعة حقيقية لمستقبل السينما الجزائرية والمتوسطية. ولعلّ ما يلفت في هذه التجارب أنّها تعكس جرأة في الطرح، وتتنفّس من قضايا المجتمع، وتغامر بأساليب إخراجية جديدة، تحمل توقيعاً شخصياً واضحاً.

النقاشات التي أعقبت العروض كانت شاهداً على عطش الجمهور للسينما القريبة منه، وللرغبة في منح هؤلاء الشباب الفرصة للعبور إلى صناعة السينما الاحترافية. 

فالمهرجان بمثل هذه المشاركات، يؤكّد أن الفيلم القصير لم يعد مجرّد تمرين سينمائي، بل أصبح جسراً لعبور الموهبة إلى العالمية.

وافتتح فيلم Kut Al Amara للمخرج التركي كوراي دمير، منافسة الأفلام القصيرة في قاعة السينماتيك، فاستقطب جمهورا عنابيا غفيرا، جاء بشغف ليكتشف لغة الصورة التركية. 

كما تابع الحاضرون تفاصيل الملحمة الحربية التي استعادها الفيلم؛ حيث غاص المخرج في الذاكرة العثمانية، ليعيد تشكيل معركة منسية بأسلوب بصري متماسك.

وتفاعل الجمهور مع المشاهد الممزوجة بين الوثيقة التاريخية والتصوير الدرامي. وعلت القاعةَ لحظات صمت ثقيل، تلتها تعليقات هامسة قبل أن ينفجر التصفيق مع المشهد الختامي. 

وقرأ الجمهور الفيلم كتجربة بصرية، تعيد الاعتبار لصفحات التاريخ، وتحوّلها إلى درس إنساني عن التضحية، والمقاومة.

وعود الطفولة تحت قهر الاحتلال

أثار فيلم Pinky Promise للمخرج الفلسطيني كرم عوضات، تعاطفا جماهيريا لافتا؛ حيث نجح في اختراق القلوب منذ المشاهد الأولى التي جسّدت وعود الطفولة الممزّقة تحت وطأة الاحتلال. 

وجلس الجمهور العنابي يتابع بعينين دامعتين، بعض اللحظات؛ إذ لامس الفيلم جرحا إنسانيا مفتوحا. وجعل من الوعود البريئة صدىً لأحلام وطن بأكمله. 

ورصدت الكاميرا تفاصيل صغيرة لكنّها مشحونة بالرمزية، فقرأ الجمهور الفيلم كقصيدة بصرية عن البراءة المقهورة، وعن جيل يواجه القهر بالإصرار على الأمل. 

وبدا واضحا أنّ العمل لم يترك أحدا محايدا، بل جعل كلّ متفرّج شاهدا على معاناة الطفولة الفلسطينية.

ماريسول… أنوثة تتحدى القيود

دخل الجمهور العنابي عالم الفنانة الإسبانية ماريسول عبر الوثائقي Marisol, Llámame Pepa، الذي عُرض ضمن تكريم المرأة الإسبانية في السينما. 

كما تابع الحضور باهتمام شديد مسيرة فنية واجتماعية معقدة؛ حيث كشفت المخرجة عن الوجه الآخر لفنانة صنعت مجدا، لكنّها دفعت ثمنه من حياتها الشخصية. 

وامتلأت القاعة بفضول لا ينقطع. وتعالت بعض التعليقات الجانبية التي ربطت مسيرة ماريسول بواقع النساء في مجتمعات متوسطية مشابهة. 

وقرأ الجمهور الفيلم كخطاب تحرّري، يعرّي القيود المفروضة على المرأة. ويمنحها حقّ أن تُروَى سيرتها بصدق. 

وهكذا بدا الوثائقي أكثر من تكريم؛ إنه اعتراف بتمرّد أنثوي ألهم الحاضرين.

عندما تكتب الكاميرا لغة الأدب

عرضت المخرجة الإسبانية أزوسينا رودريغيز فيلم The Writer، فشدت الجمهور العنابي إلى عالم الكاتبة ألمودينا غرانديز، التي وُصفت بضمير إسبانيا الأدبي. 

وامتلأت القاعة بأجواء شاعرية؛ إذ تراوحت الصور بين أرشيف أدبي ولقطات سينمائية تنبض بالحياة. 

وكان الجمهور يعيش لحظة تأمّل؛ وكأنّ النصّ المكتوب يعبر إلى الشاشة ليخلق لغة هجينة بين الأدب والفن السابع. 

كما قرأ الحاضرون الفيلم كحوار مفتوح بين القلم والكاميرا، وبين السرد والكادر. وخرجوا بانطباع أن السينما يمكنها أن تكون جسرا يخلّد الكلمة، ويمنحها أبعادا بصرية.

سيمفونية المتوسط على شاشة عنابة

سافر فيلم Chœurs Atlantiques للمخرجة الفرنسية صافوي بابانا-هامبتون، بالجمهور نحو أفق موسيقي بصري؛ حيث تحوّلت الشاشة إلى مسرح أصوات البحر، والذاكرة الجماعية. 

وجلست القاعة وكأنّها تستمع إلى سيمفونية متدفّقة من الصورة والصوت، فتماهى المشاهدون مع إيقاعات البحر المتوسط. 

وقرأ الجمهور الفيلم كقصيدة سمعية بصرية أكثر منها وثائقية. ورأوا فيه احتفالا بالإنسان الذي يغني في وجه الغربة. 

وبدا التصفيق الحار في نهايته، اعترافا بتجربة غير مألوفة، تجاوزت السرد التقليدي نحو لغة شعرية غنائية.

غروب الألوان في مرثية الصيف الأخير

قدّمت المخرجة المصرية فاطمة ياسر فيلمها Last Nights of Summer بلغة سينمائية شاعرية، فلامست الذاكرة الجماعية للجمهور العنابي. 

وجلس الحاضرون يتابعون غروب الألوان على الشاشة، وكأنّ الفيلم يكتب مرثية عن الزمن الهارب. 

كما بدت القاعة مشحونة بالحنين؛ حيث أعاد العمل إحياء لحظات إنسانية مرتبطة بالرحيل والفقد. 

وقرأ الجمهور الفيلم كقصيدة مفتوحة عن الصيف الذي ينسحب بصمت، وعن الإنسان الذي يودّع أجمل أيامه وهو يقاوم فكرة النهاية. وترك العمل أثرا عاطفيا عميقا، جعله من أبرز محطات الأمسية