معهد العالم العربي

معرض رقمي للمدن العربية المهددة

معرض رقمي للمدن العربية المهددة
  • القراءات: 547
(الوكالات) (الوكالات)

يقدم معهد العالم العربي بباريس من 10 أكتوبر 2018 إلى غاية 10 فبراير 2019، معرضا رقميا بعنوان "مدن عتيقة… رحلة افتراضية من تدمر إلى الموصل"، وهو من إخراج أوريلي كيلمنت- رويز، الذي يعيد من خلاله إحياء مدن تدمر وحلب السوريتين والموصل بالعراق ولبدة الكبرى بليبيا، التي تعتبر مواقع أثرية بالغة الأهمية ليس على المستوى العربي فحسب، بل من التراث الإنساني العريق.

يسعى معهد العالم العربي بإعادة إحيائه لهذه المدن العتيقة بفضل التقنيات الرقمية، إلى توعية الجمهور العريض بالرهانات الحاسمة المرتبطة بصون التراث وإعادة تأهيله. وتم الإعداد لهذا المعرض بالتعاون بين معهد العالم العربي وشركة "إيكونيم" (Iconem) ومنظمة "اليونسكو" وشركة "يوبي سوفت" الرائدة عالميا في ميدان ألعاب الفيديو، وبدعم من جامعة لوزان وجمعية عمل المشرق. سيتضمن مساقط عملاقة يصل بعضها إلى 360 درجة ومشاهد افتراضية ووثائق وصور أرشيفية وأفلام فيديو ومقابلات مع سكّان المواقع.

يتيح المعرض للزائر، بفضل التكنولوجيات الرقمية الحديثة، فرصة التجوال بين الصروح المعمارية والمواقع الأثرية للموصل وحلب وتدمر ولبدة الكبرى، التي تُعتبر رموزا للتراث الإنساني العالمي والتاريخ متعدد الثقافات للحضارات الشرق أوسطية.

بفضل المساقط العملاقة، يسمح المعرض للزائر باكتشاف الحالة الراهنة للمواقع المعنية، كما يعود به إلى الماضي بفضل عملية إعادة تشكيل افتراضية عالية الدقّة للمباني والمساكن والصروح الأثرية؛ فيشعر الزائر كأنه يتجول فعلا في أرجاء هذه المدن.

في كل قاعة، يمكن للزائرين الاطلاع على مجموعة من المعلومات والمقابلات والنصوص التي تسمح لهم بفهم تاريخ هذه المواقع العريقة والظروف الصعبة التي تعرّضت لها مؤخرا، مع التركيز بشكل خاص على مداخلات القائمين على حماية أماكن العيش هذه وكنوزها المعمارية.

لإخراج هذا المعرض الفريد من نوعه، دخل معهد العالم العربي في شراكة مع شركة "إيكونيم" الرائدة في ميدان رقمنة التراث، والتي تسمح عمليات المسح الدقيقة التي أجرتها للمواقع الأثرية (خاصة باستخدام الطائرات من دون طيار) بإجراء عمليات إعادة تشكيل افتراضية ثلاثية الأبعاد ذات دقة عالية.

وهو ما سمح بتقديم عدد هام من الصور وأفلام الفيديو والمساقط ثلاثية الأبعاد التي يتضمنها المعرض، حيث وقع الاعتماد على أحدث التكنولوجيات خدمة للمختصين وعلماء الآثار، وفي خدمة الجمهور العريض الذي سينغمس تماما في قلب هذه المواقع العتيقة.

كما تتاح للجمهور سلسلة من التجارب الجديدة للواقع الافتراضي، والتي تمثل له فرصة للانغماس واقعيا وحسيّا في التاريخ. فيجد الزائر نفسه بفضل الخوذة المخصصة لهذا الغرض في قلب ستة من الصروح الرئيسية من المواقع التي يتطرق لها المعرض، بحيث يتاح له في غرفة من تسعة أمتار مربعة، أن ينظر من حوله ويرفع رأسه ويمشي ويتجوّل في أرجاء الصروح في تجربة فريدة من نوعها.

إضافة إلى المعرض، يقدم المعهد ندوة عن التراث المعرّض للخطر، برئاسة جان لوك مارتينيز، رئيس ومدير متحف "اللوفر"، ورئيس اللجنة العلمية للتحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع. كما ينظم عددا من اللقاءات وحلقات النقاش، علاوة على عروض لأفلام سينمائية، وورشات عمل إبداعية للأطفال.

وفقا لما جاء في بيان معهد العالم العربي بباريس، تكتسي حماية التراث في هذه المواقع الحساسة أهمية بالغة، فالأمر يتعلق في نفس الوقت بصون الثراء المعماري والأثري الفريد، وبالنظر إلى هذه المدن، كونها أماكن عيش ذات قدرة مذهلة على الصمود والاستمرار. كما أكد المعهد أن اختيار أربع مدن؛ تدمر وحلب والموصل ولبدة الكبرى، يسمح بالغوص في قلب حضارات عظيمة (الفارسية والإغريقية والرومانية والعربية)، وبفهم وإدراك تنوّعها وتوصيف السياقات الجيو ـ سياسية المعاصرة المتباينة.

أول المدن التي يقدمها المعرض هي تدمر السورية المسماة أيضا بـ«لؤلؤة البادية"،  وكانت من أهم المراكز الثقافية في العالم القديم. وقد حظيت عمليات التدمير والتخريب التي طالتها على يد التنظيمات الإرهابية بتغطية إعلامية واسعة. وتسمح عملية إعادة تشكيل هذا الموقع الإغريقي الروماني الأسطوري بفضل التقنيات الرقمية للزائر بإدراك جماله الاستثنائي، لاسيما معبد بعل شمين والمدافن البرجية ومدفن الإخوة الثلاثة الأرضي.

أما مدينة حلب السورية، فتُعد من أهم المدن في المنطقة على الصعيدين الثقافي والتجاري، وهي تحمل بصمات الدول المتتالية من الأمويين إلى العثمانيين، وتحتضن جواهر معمارية منقطعة النظير. ويسمح المعرض لزواره بالتجول في دهاليز أسواقها وأرجاء جامعها الكبير، ليس لاكتشاف موقع أثري، بل منطقة حضارية ذات تراث لا مثيل له.

أما مدينة الموصل، ثالث المدن التي يقدمها المعرض، فهي عاصمة محافظة نينوى في شمال بغداد، وهي مدينة متعددة الأديان تاريخيا، حيث يتجاور المسلمون والمسيحيون والإيزيديون واليهود للعيش في كنف الوئام، وقد أنتج هذا الخليط العرقي والديني ثروات معمارية رائعة في كافة أنحاء المدينة. وسيتمكن الجمهور من التجوال في الحي القديم لاكتشاف جامع النوري الكبير بمنارته الحدباء وقبر النبي يونس، في رحلة عبر هذه المدينة العتيقة التي استُعيدت عام 2017 من يد تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي الذي دمر الكثير من آثارها العريقة.

رابعة المدن في المعرض هي لبدة الكبرى المسماة "روما الأفريقية"، وهي الموقع الوحيد من بين المواقع الأربعة في المعرض الذي لم يتعرّض للتخريب، على الرغم من النزاع الذي يهزّ ليبيا منذ 2011. وتُعتبر هذه المدينة الرومانية القديمة من المواقع التي حافظت على معمارها، وقد أُدرجت على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وتضم آثارا معمارية استثنائية مثل المعابد والبازيليكا والساحة العامة والمدرّج والحمامات.

وفق بيان معهد العالم العربي بباريس، صُمّم المعرض الخاص بهذه المدن ليكون بمثابة العريضة للدفاع عن هذه المواقع الاستثنائية وصون التراث بشكل عام، أينما وُجد. ففي وجه التهديدات التي تتعرض لها المواقع الأثرية، رغب المعهد في تصميم رحلة جميلة ساحرة بأرجائها، يعتبرها تنفيذا إجرائيا لما جاء في بيانه "في وجه أعمال التخريب والتدمير، نُجيب بعمليات إعادة تشكيل رقمية، كأنها رسائل أمل لإعادة إحياء هذه المدن العتيقة".