بعد جولته عبر العالم

معرض الأمير يحط رحاله بمستغانم

معرض الأمير يحط رحاله بمستغانم
  • القراءات: 2691
رضوان.ق رضوان.ق

يُعدّ معرض الزاوية العلوية بمستغاتم من أهم المتاحف التي تلقى الإقبال؛ كونه تحفة تاريخية تحكي سيرة مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر الجزائري، الذي لايزال يشغل تاريخه كبرى الجامعات العالمية وجمهور الباحثين.

افتتح المعرض مؤخرا الشيخ خالد بن تونس رفقة الدبلوماسي المعروف السيد الأخضر الإبراهيمي وحفيد الأمير إدريس الجزائري وعدد كبير من الدبلوماسيين والسياسيين المعتمَدين.

أشار الشيخ خالد بن تونس ممثل الزاوية العلوية، إلى أن المعرض جزء من تاريخ الأمة الجزائرية جمعاء. واستحضر بالمناسبة بعض ذكرياته الشخصية التي تعود لفترة الشباب، حينها كان بن يونس يبلغ 18 عاما، وفيها اكتشف لأول مرة صورة الأمير عبد القادر في منزل العائلة التي لم يتعرف على صاحبها، فسأل والده عن حكاية هذا الرجل صاحب الصورة، فأخبره بأنه الأمير عبد القادر الجزائري مؤسس الدولة الجزائرية العصرية ومحارب الاستعمار، ومن يومها اجتهد خالد بن تونس في البحث عن هذه الشخصية وألّف عنها كتبا.

للإشارة، فإن المتحف كان قد جال في العديد من بلدان العالم، منها إقامته بمقر الأمم المتحدة وبمتحف باريس وببلجيكا وتركيا وألمانيا وبروكسل.

المعرض يحاكي زمن الأمير بيومياته وأحداثه التي شهدت المقاومة المسلحة والنضال السلمي والدبلوماسي والحنكة في الحكم؛ مما جعل هذا التراث يدرَّس في كبريات المعاهد والجامعات بالعالم.

المعرض بدأ صغيرا من حيث الحجم، لكنه كبير بإرثه التاريخي زاخر الموضوع أمام الجيل الجديد؛ كي يطّلع عليه ويكتشف ما كان من مفاخر، وهو يضم في جناحه الأيمن نسخة من علم الأمير عبد القادر الجزائري والذي يحمل اللونين الأخضر والأبيض، ومقسم إلى ثلاثة أجزاء متساوية في العرض والطول؛ حيث يتوسط اللونين الأبيضين اللون الأخضر، وبداخله يد يمنى ممدودة إلى الأمام صُنعت من الضفيرة الصفراء الذهبية، وكُتب حولها شعار «ناصر الدين عبد القادر محيي الدين» في شكل دائري كُتب على مرتين. وتعلو العلمَ داخل القاعة صورة نادرة للأمير عبد القادر تعود لسنة 1841، تقف بشموخ مستمد من عظمة هذا الرجل الرمز.

نُصّبت واجهة زجاجية وُضعت بداخلها صورة أخرى نادرة وأصلية للأمير عبد القادر رفقة ابنه وعدد من قادته وبعض الجنرالات الفرنسيس، والتي يعود تاريخها إلى سنة 1860. كما تضم الواجهة الزجاجية نسخة أصلية من قصيدة «البردة» الشهيرة (في مدح المصطفى عليه صلوات الله وسلامه) والتي لايزال يرددها المسلمون عبر أصقاع المعمورة، وهي مكتوبة بخط يد الشيخ شرف الدين البصري، إلى جانب نسخة أصلية من كتاب «دلائل الحيران وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي» لأحمد بن سلمان، فضلا عن مخطوط حول التصوف للشيخ ابن عبد السلام التسلي، ونسخة أصلية من القرآن الكريم مكتوبة بخط يد الشيخ محمد بن محمد بن علية سنة 1881.

يضم المعرض أغلى نسختين من المعروضات، والتي تُعد كنزا إنسانيا ووطنيا، ويتعلق الأمر بكتاب «شفاء الصدر في فضل أواخر النصف من شعبان وليلة القدر» للمؤلف عبد الغني النابلسي، وعليه تصحيح وتعليق للأمير عبد القادر، إلى جانب كتاب «تفسير صوفي للآيات القرآنية» مكتوب بخط يد الأمير عبد القادر، ومقتطفات من كتاب «دليل الخيرات» بخط اليد أيضا.

كما يشاهد الزائر للمعرض برنوسا أحمر داكنا مرصعا بالخيط الحريري الأصفر وهو خاص بالأمير عبد القادر، كان يلبسه عادة في المناسبات الكبرى أو في المعارك التي خاضها ضد الاستعمار الفرنسي مع «شاشية» الأمير، وهي قبّعة كان يضعها الأمير أيضا خلال المعارك، فضلا عن ميداليات أصلية للزينة كان يرتديها الأمير في كبريات المعارك أو خلال لقائه بالجنرالات الفرنسيين. 

في منتصف المعرض، تم عرض عدد من الأسلحة التي كان يستعملها الأمير عبد القادر والمجاهدون من أصحابه وبعض المستلزمات الخاصة بالتخييم والمؤونة وغيرها؛ من حاجيات المحارب إلى جانب «خاتم المحارب»، وهو خاتم كان يضعه المجاهدون من المسلمين الجزائريين كرمز للمجاهد حامل لواء الجهاد ضد الاستعمار، والذي يُعد مفخرة لحامله.

يضم المتحف أيضا بعض النسخ من عقود الزواج والطلاق والدين والبيع والشراء وحق الملكية والنسب، التي حُررت خلال فترة حكم الأمير عبد القادر في إطار الدولة الجزائرية العصرية، وفقا لأحكام الشريعة والدين الإسلامي، فيما تجلب الناظر رسالة من 8 صفحات متراصة، رُبطت بالشريط اللاصق، وهي رسالة تعود لسنة 1868 وتعود لقائد الفرقة إلكتروني داكيو، كانت بتكليف من نابليون الثالث يشيد فيها قائد الفرقة بالأمير عبد القادر، إلى جانب رسالة توصية إلى قنصل فرنسا في وجدة تعود لسنة 1864. 

يُعرض أيضا نموذج نادر لمخطط بياني، وهو خارطة تحدد معالم حدود زمالة الأمير عبد القادر ونفوذه في المناطق التي لم يدخلها الاستعمار وكذا القبائل التي كانت تحت لواء حكم الأمير، مع عرض خاص لراية الجهاد، وهي الراية التي كانت تُرفع خلال المعارك، إلى جانب علم الأمير عبد القادر، والتي تحمل اللون الأبيض، ورُسم على جانبيها سيفان إسلاميان منحنيان ومتراصان، وتعلوهما نفس اليد اليمنى الممدودة نحو الأعلى، وفوقها مباشرة تاج كرمز للحكم والملك، يعلوه شعار «ناصر الدين عبد القادر بن محيي الدين»، فيما تنتشر أربعة زخارف في الجوانب الأربعة للراية، وهي عبارة عن غصون شجرة، وقد حيكت كل هذه الرموز باللون الأصفر الذهبي (المجبود). وبالمعرض أيضا طوابع بريدية تحمل صورا للأمير عبد القادر، ومن بينها أول طابع بريدي صدر بصورة الأمير عبد القادر خلال الفترة الاستعمارية والتي يعود تاريخها لسنة 1950، فيما يشكل عرض جزء من تراب ضريح الأمير عبد القادر الجزائري، آخر ما يراه الزائر في معرض الأمير عبد القادر الجزائري.