الحجر والبشر لم يسلَموا من القصف

معالم وآثار غزة تناشد اليونسكو

معالم وآثار غزة تناشد اليونسكو
  • القراءات: 482
وكالات وكالات

مع ارتفاع وتيرة الحرب الإسرائيلية على غزة، لاتزال الخسائر في الأرواح والأزمة الإنسانية تصرخ أمام ضمير المجتمع الدولي؛ لعلّها توقظه من سبات صمته الثقيل. وقد خرج صوت من تحت الركام ليسلط الضوء على كارثة ثقافية تمس بالتراث التاريخي والأثري الغني للقطاع المحاصَر. ورصدت دراسة حديثة أجرتها مجموعة "التراث من أجل السلام" ، حجم الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي لحقت حتى الآن، بأكثر من 100 موقع تاريخي في غزة منذ السابع أكتوبر الماضي. 

رغم مساحته الصغيرة نسبيا، يتميز قطاع غزة بموروث ومواقع أثرية ذات قيمة ثقافية ودينية؛ من مساجد وكنائس تعود إلى آلاف السنين.

وفي مقدمة تقريرها الذي نُشر في السابع نوفمبر الماضي، تؤكد مجموعة "التراث من أجل السلام" ـ ومقرها منطقة كتالونيا الإسبانية ـ أنها تحافظ على "موقف محايد" من القضية، مشيدة بدور أولئك الناشطين على الأرض في سبيل حماية تراثهم.

ومن أهم ضحايا قصف الاحتلال الإسرائيلي المسجد العمري الكبير، وهو أحد أهم وأقدم المساجد في فلسطين التاريخية، وكنيسة القديس برفيريوس، التي يُعتقد أنها ثالث أقدم كنيسة في العالم، فضلا عن متحف رفح بالجنوب، ومقبرة رومانية يبلغ عمرها ألفي سنة شمال غزة، تم التنقيب عنها عام 2022.

ويقول رئيس المجموعة إسبر صابرين إن "التقرير يبرز تراث غزة. ويرصد آثار الدمار منذ بداية الحرب؛ في محاولة لرفع وعي المجتمع الدولي بشأن هذه الكارثة التراثية والثقافية" . وأضاف في حديثه إلى الجزيرة نت، أن أهمية تراث غزة "تتمثل في شموليته تاريخ الأديان، واحتضانه أوائل الكنائس في العالم، وآثارا بيزنطية وأخرى من الفترة المملوكية، فضلا عن المتاحف".

أضرار جزئية في 86 بيتا أثريا

ويرصد تقرير المجموعة أن مركز المخطوطات والوثائق القديم وكنيسة جباليا البيزنطية وموقع البلاخية (الأنثيدون)، تعرضت لتدمير كامل بسبب القصف المباشر، بينما تعرّض المسجد العمري في غزة ومتحف دير البلح، لأضرار جزئية.

كما استُهدِفت 4 مساجد بشكل مباشر في القطاع، و4 أخرى بقصف غير مباشر، فضلا عن وقوع أضرار جزئية في 86 بيتا أثريا، وفق التقرير.

وأوضح صابرين أن الدراسة اعتمدت على "معلومات وصور من خبراء من قطاع غزة تحت القصف والقنابل، بمن فيهم الصديق فضل العطل، الذي أخبرني أنه حزن على تدمير الجامع العمري أكثر من حزنه على تدمير منزله بمخيم الشاطئ في الشمال" . وتابع: " لا تحترم إسرائيل القانون الدولي الإنساني. وترغب في قطع صلة أهل غزة بأرضهم، وهو ما يدل على أن تدمير الآثار ليس أمرا عبثيا، وإنما خطة مدروسة تتبعها دولة الاحتلال".

ورغم صعوبة الاتصال مع أهل غزة، تمكنت الجزيرة نت من الوصول إلى الخبير في الآثار فضل العطل، للحديث عن تجربته الخاصة.

وفي بداية الحوار أشار العطل إلى أنه يوجد في سادس مكان نزح إليه مع أسرته، مؤكدا مدى اهتمامه بمصير المواقع الأثرية أكثر من منزله؛ "لأن القصف الإسرائيلي متعمد ومقصود، ولا يفرق بين الإنسان والحجر والحيوان" . وأضاف: "لا يستهدف جيش الاحتلال المواقع الأثرية فقط، وإنما ينوي مسح الماضي والحاضر، وغزة القديمة والحديثة، من خلال أسلوب الإبادة التي يرتكبها".

وأشار إلى أن المواقع الأثرية في غزة لم تُستهدف في الحروب الماضية بهذا القدر من الدمار، "لكن في هذه الحرب تم تدميرها بشكل مباشر؛ مثل المحراب الشمالي، وكل القباب الموجودة في التوسعة المعمارية للمسجد العمري منذ آلاف السنين، والتي اندثرت كليا".

وحول إمكانية ترميم الأماكن المتضررة بعد انتهاء الحرب، أجاب متشبثا ببعض الأمل: "يمكننا إعادة ترميم المواقع المتبقية أو أجزاء منها اندثرت بشكل كلي؛ مثل موقع البلاخية، وهو أقدم ميناء بحري يعود تاريخه إلى 800 سنة قبل الميلاد. وتم اكتشاف الجدار الروماني الذي دمرته جرافات ودبابات الاحتلال في شقه الغربي". واسترسل الخبير الغزاوي: "لم تَسلم المساجد والكنائس والثقافة في قطاع غزة ". وأضاف: " إن إعادة ترميم الجامع العمري ممكنة، إلا أنها ستكون عملية طويلة ومكلفة للغاية؛ لأن مساحته شاسعة".

صمت عالميّ

وفي ظل التساؤلات المشروعة حول مصير هذه المواقع الأثرية، أكد متحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" ، أن "الأولوية، عادة، لحالة الطوارئ الإنسانية، لكن يجب، أيضا، حماية التراث الثقافي بجميع أشكاله، وفقا للقانون الدولي، الذي ينص على أن الممتلكات الثقافية هي بِنية تحتية مدنية، ولا يجوز استهدافها أو استخدامها لأغراض عسكرية" .

وأضاف: "وضعت اليونسكو عملية لرصد الأضرار منذ بداية الحرب بالاعتماد على صور الأقمار الصناعية والمعلومات المرسلة إليها من أطراف ثالثة، بما في ذلك شركاؤنا والوكالات الشقيقة للأمم المتحدة، الموجودة، حاليا، على الأرض، وبالتعاون الوثيق مع مكتبنا في رام الله".

وشدّد على أن المنظمة - على عكس منظمات ووكالات الأمم المتحدة الأخرى - لا تملك ولاية إنسانية، وهو ما يعني أنها لا تستطيع نشر موظفين بمناطق القتال، ولا يمكنها إجراء مراقبة للأضرار سوى عن بعد. من جانبه، يرى رئيس مجموعة "التراث من أجل السلام" ، أن اليونسكو منظمة "عقيمة" ؛ لأنها تتبع سياسات دول تحت عباءة الأمم المتحدة.

ولفت صابرين إلى وجود إعاقة كاملة لتطبيق القوانين الدولية، وتجاهل واضح لاتفاقية لاهاي لعام 1954، التي تنص على أن الدول التي تعتدي على أخرى يجب أن تأخذ بعين الاعتبار، حماية الممتلكات الثقافية، فضلا عن بروتوكول 1999 بعد حرب يوغسلافيا.

وقد يكون أحد الأسباب التي ساهمت في إنجاز التقرير، أن المجموعة "منظمة مجتمع مدني، تستطيع التفاعل بسرعة مع الكوارث والحروب. وتمتلك سقفا من الحرية على عكس بعض الجامعات مثلا، التي لم تتمكن من إصدار تقارير أو تصريحات؛ خوفا من فقدان التمويلات الحكومية"، وفق المتحدث.

واختتم صابرين تصريحاته بالقول إن "من حق أهل غزة العيش مع تراثهم؛ لأن من لا يملك تراثا بالمكان الذي يعيش فيه، لا يملك ارتباطا عاطفيا بأرضه؛ فالتراث ليس حجرا فقط، وإنما هو قصص وهوية. ولهذا السبب هناك فلسطينيون مثل فضل العطل، كرسوا حياتهم للحفاظ على كنزهم التاريخي".