معرض "فن الكتابة الإسلامي" بالمكتبة الوطنية

معالم من فنون العرب والعجم

معالم من فنون العرب والعجم
  • القراءات: 838
مريم. ن مريم. ن

اختتمت أول أمس بالمكتبة الوطنية فعاليات معرض "فن الكتابة الإسلامي" الخاص بمجموعات مكتبة جامعة ليدن بهولندا، حيث عرضت المخطوطات النفيسة والكتب القديمة والرسومات التي يتجاوز عمرها قرونا تعكس كلها التراث العلمي والثقافي للعالم الإسلامي الذي بلغ أوج التحضر ووصلت إنجازاته حتى أوروبا. سمح المعرض باكتشاف سلسلة منسوخات لمخطوطات إسلامية من جامعة ليدن بهولندا ويعود أغلبها لأكثر من 4 أو 5 قرون خلت، وهي عبارة عن مجموعات شرقية ملك لهذه الجامعة العريقة، كما أنها شاهد على العلاقات العلمية والثقافية والدبلوماسية بين هولندا والعالم الإسلامي، من ذلك الجزائر التي يرجع تاريخ العلاقة معها إلى أربعة قرون حين التقى البلدان في عرض البحر المتوسط خاصة في القرن الـ16 وكانوا حلفاء حرب وشركاء اقتصاديين وعلماء. حب البحر كان عملة الشراكة والمحفز على الاكتشاف، ونتيجة ذلك، فإن المعرض يتيح فرصة التأمل وقراءة المخطوطات ذات القيمة العظيمة.

للإشارة، فإن هذه الجامعة الهولندية تحتفل بمرور 400 عام على دراسة اللغات والثقافات الشرقية فقد تأسس قسم الدراسات العربية سنة 1613 مما جعله من أقدم أقسام الدراسات العربية في أوروبا، وبطبيعة الحال، ينعكس هذا التقليد طويل الأمد في الدراسات الشرقية على ثراء مجموعات مكتبة جامعة ليدن، علما أنها تضم حاليا ما يقارب 4 آلاف مخطوطة عربية إلى جانب ألفي مخطوطة باللغتين الفارسية والتركية (العثمانية) وتعود أقدم مخطوطة عربية مصورة، تتناول موضوعا علميا إلى العام 1083م. يتضمن المعرض جناحا خاصا بـ"فن الخط والقرآن"، يظهر ارتباط المكانة الرفيعة التي يحتلها فن الخط بين الفنون الإسلامية بالدور المهم للكلمة والكتابة في الإسلام، فقد دفعت الحاجة لكتابة ما نزل به الوحي على النبي الكريم، الخطاطين لاستخدام خطوط تعطي حق وقدر كلمات الله، وفي البداية كان الخط الكوفي المستقيم ذو الزوايا الحادة هو الخط المفضل لكتابة المصحف الشريف كما شاع استخدامه في كتابة النقوش على جدران المباني الأثرية والعملات والأدوات الصغيرة. وبدءا من  القرن العاشر، وضع الخطاطون مجموعة قواعد لخط دائري تناسبيا انبثقت عنه خطوطا أخرى مختلفة وتم عرض "طية ثنائية من القرآن" يعود تاريخها إلى النصف الثاني من القرن الـ18، إضافة إلى جزء من قرآن متعدد المجلدات من القرن الـ12 وتعرض الصفحتان الأوليتان من هذه المخطوطة الآيات 51 و55 من سورة القصص وهي من المغرب ومربعة ومكتوبة على رقعات الرق ويتميز هذا الخط الانسيابي المميز لمنطقة المغرب العربي بزوايا مستديرة ونهايات نصف دائرية عميقة، أما العنوان الملون والمزين بإطار مجدول لا يحتوي على اسم السورة كما هو معلوم إنما كتب بداخله "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".

نسحة من القرآن من مجلد واحد من الهند تعود إلى سنة 1408م وكتبت بخط بهاري كان شائعا في الهند في القرن الـ15 ومن خواصه الخطوط المطولة الأفقية في نهاية الكلمات وقد عمد الخطاط طوال إلى إبراز لفظ الجلالة باستخدام الذهب بدلا من الأسود، كما أبرز الأسطر الأولى والوسطى والأخيرة من الصفحات باستخدام خط عريض وتتحدد نهاية الآيات بزخرفة وردية بها نقاط زرقاء وحمراء. في هذا الجناح، تظهر رسومات مكة والمدينة، وهي تذكار من شعائر الحج، كما رسمت في الماضي كدليل إرشاد للحجاج وقد تم عرض كتاب "دلائل الخيرات للجزولي" من تركيا سنة 1837 ويظهر في هاتين المنمنمتين ذات الإطار الذهبي، الحرمين الشريفين وقد صنع الرسام عمقا وثلاثية أبعاد من منظور فوقي. توالت مخطوطات الحرم المكي منها "تاريخ مكة المشرفة والمدينة المنورة" من تركيا العثمانية لسنة 1597 وفيها منمنمة مزدوجة وإسقاط مسطح للحرم، حيث الكعبة في الوسط وكذا الصفا والمروة والسعي وماء زمزم.

هناك أيضا لوح من البلاط بعنوان "تركيا العثمانية، بالقاهرة سبيل وكتاب عبد الرحمن كتخدا  1744" وتتداخل لوحة البلاطات في الحائط الجنوبي الشرقي لأحد الأسبلة والكتاتيب بالقاهرة وتذكر صورة الكعبة بالمكان في اتجاه القبلة وشعيرة الحج ويزيد حجم اللوح المؤلف من 12 بلاطة عن الأحجام المعتادة لرسم الكعبة. في جناح "المخطوطات العلمية"، نجد مخطوط كتاب هو من نفائس التراث العلمي للحضارة العربية الإسلامية بعنوان "كتاب الحشائش لديسقوريدوس" سمرقند أوائل 1083 وتعد أقدم نسخة عربية مصورة في العالم وفي الصفحة اليمنى، تعرض صورة لقصب الذريرة قوي الرائحة وعلى اليسرى شجرة تستوطن جنوب شبه الجزيرة العربية تستخرج منها عصارة راتينجية عطرية كما تعرض طريقة استخراج العصارة وكانت كلتا النبتتين تستخدمان في صناعة الدواء والعطور. مخطوطات علمية أخرى تم عرضها منها "التصريف لمن عجز عن التأليف لأبي القاسم الزهراوي القرن الـ14م يقدم نماذج 7 آلات طبية خاصة بالجراحة، يعود تاريخها إلى زمن هذا العالم الأندلسي الذي توفى عام 1009م. هناك أيضا مجلد عن التنجيم من القرن الـ14 تعرض أطوار القمر وكل مرحلة بلونها الخاص ويشرح النص أعلى الرسم.

كتاب آخر عن "جغرافيا الإصطخري" لسنة 1193م، وهي خريطة العالم للعالم الفيزيائي الإصطخري. وتعد الكتب العلمية أول النصوص التي أحيتها المنمنمات وكان الهدف من هذه التصاوير زيادة في توضيح النص العلمي وبالتالي كانت الرسومات وظيفية ومباشرة استغنى فيها الرسامون عن تفاصيل الخلفيات وأي تفاصيل إضافية. تضمن المعرض أيضا جناحي "متعة الرسم" و"عالم من الزخارف" المصاحبة للنصوص النثرية والشعرية وغالبا هي من التقليد الفارسي كملحمة شاهنمة أو كتاب الملوك وكذا مظاهر الاحتفال والحرب والصيد وغيرها وكانت الأصباغ تصنع من المعادن والنباتات وتصنع الفرشاة من شعر السناجب وقد عرض بالمناسبة مخطوط شاهنامة و"الكرة والصولجان" و"تحفة شاهدي"، أما في الزخارف فكانت مرتبطة بالفخامة والانبهار أولجلب الانتباه وإسعاد الناظر وخصت بها أكثر المسائل والأماكن المقدسة والمعمار ومما عرض "جامع البيان في تفسير القرآن" لمحمد بن عبد الرحمن الإيجي أواخر القرن الـ15م وكذا "باب مزخرفة" لمسجد الأمير قجماس الإسحاقي بالقاهرة سنة 1479م وغيرها.