فقداء المسرح يعودون إلى "بشطارزي"

مطالب بتحسين الظروف الاجتماعية وحفظ الأرشيف

مطالب بتحسين الظروف الاجتماعية وحفظ الأرشيف
  • القراءات: 535
 لطيفة داريب لطيفة داريب

كشف الأستاذ أحمد شنيقي، عن إحداث المسرحي علالو (اسمه الحقيقي علي سلالي)، ثلاث قطائع في الفن الرابع، الذي مورس ولو باحتشام قبل عام 1926، وهي استعمال اللهجة المحلية، استخدام الشخصيات الأسطورية، والاعتماد على الغناء والرقص، وهذا خلال الندوة التي نشطها بداية الأسبوع الجاري، بنادي "أمحمد بن قطاف"، لحساب فعاليات مهرجان المسرح المحترف، والتي عرفت أيضا تكريم المسرحيين الراحلين عام 2023

قال شنيقي، إن نشأة المسرح في الجزائر رافقه حذر كبير من طرف الجزائريين، كيف لا وهو يحمل صبغة أوروبية، أي يمثل وجها من أوجه ثقافة المستعمر، مشيرا إلى أن قدوم المسرحي قرداحي من مصر إلى الجزائر، وعرضه مسرحيات، دفع الجزائريين إلى إعادتها وتقديمها في مراكز ثقافية بالمدية والجزائر العاصمة، إلى أن جاء علالو عام 1926 وقرر إحداث قطيعة مع ما قٌدم من فن رابع في الجزائر، من خلال استعماله في مسرحيته "جحا" للهجة المحلية، وكذا للغناء والرقص، علاوة على اختياره للشخصية الأسطورية "جحا".

وتابع شنيقي أن علالو الذي ولد عام 1902، وتوفي في 1992، فنان عصامي، انطلق في ممارسة الفن الرابع في عمر 15 سنة، وتعلم أصوله على يدي إدمون يافيل، الذي لقنه أيضا الصولفاج. بالمقابل، اهتم علالو جدا باستقدام الجمهور إلى عروضه، لهذا اختار استعمال اللهجة المحلية، مثلما كان عليه الأمر مع بشطارزي، الذي قال عنه شنيقي، إنه كان مؤسسة خاصة بالمسرح في حين أعطى علالو انطلاقة المسرح الجزائري.

وأكد شنيقي اعتماد علالو على  شكل المسرح المتعارف عليه، والذي هو في الأصل اغريقي وليس أوروبيا، مضيفا أن نفس الأمر حدث مع علولة وكاكي إذ لا يوجد ما يسمى بمسرح الحلقة، إلا أن علالو استطاع إضفاء فضاء شعبي على مسرحه، مثل النهل من الثقافة الشعبية واختيار الشخصيات المتعلقة بها.

كما تحدث شنيقي عن اقتباس علالو لمسرحيات "ألف ليلة وليلة"، والاعتماد على المحاكاة الساحرة، مثل تحول "هارون الرشيد" الى "قارون الرشيق"، و"جعفر" إلى "المرخي" و"مسرور" إلى "مصروع"، في حين اختار أن يكون عنتر "عنتر الحشايشي"، مضيفا أن علالو قدم لنا درسا في رؤية التاريخ بمنظور ذاتي .

من جهتها، تحدثت ابنة علالو، السيدة فتيحة عن والدها، فقالت، إنه أتلف نصوص مسرحياته، وكان يعتقد أن آخر مسرحية كتبها ستمثلها الفنانة كلثوم، لكن لم يحدث ذلك، كما كان يعيل عائلة تضم عشرة أطفال، في حين قضى آخر سنوات حياته في بيت ابنته، وقد كان سعيدا وهو يلقن شباب نادي الشباب بالمرادية أصول المسرح. وأضافت أنه كان يقرأ القرآن كثيرا، وكان يحث أطفاله على الدراسة والابتعاد عن المسرح والموسيقى، لأنهما لا يسدان الرمق من الجوع، كما مات في ظروف هادئة، لتطالب السلطات المختصة بتسمية فضاء ثقافي باسم والدها.

وتساءل الحضور عن سبب إتلاف علالو لنصوصه المسرحية، علما أن هناك نصا واحدا له عن مسرحيته الثامنة، لم يعرف نفس المصير. كما ألف علالو كتابا بعنوان "شروق المسرح الجزائري" يستعين به الطلبة. وقد ترجم من طرف الدكتور محمد منور إلى اللغة العربية، في حين ساعده في تأليفه الباحث عبد القادر جغلول والإعلامي كمال بن ديمراد.

بالمقابل، قال الناقد ناصر خلاف، إن علالو اختار أن يواصل استغلال وظيفته في السكك الحديدية عن ممارسة المسرح، ليعود الجمهور ويتساءل عن سبب اختيار علالو التخلي عن المسرح نهائيا.

تكريم زريبيع، جبيلي وبخوش

في إطار آخر، كُرم الفنانون المسرحيون الذين رحلوا عن الحياة عام 2023، وهم عبد الحليم زريبيع ونادية جبيلي وعدلان بخوش، من خلال تقديم فيديو تعريفي بهم وشهادات من الحضور. شارك زريبيع في عدة مسرحيات، مثل "الحكواتي الأخير" و"الصحراء الأخيرة" و"شهرزاد لالة النساء"، بالإضافة إلى مسلسلات آخرها "حداش حداش"، الذي عرض في رمضان الماضي، كما تحصل على عدة جوائز، من بينها أفضل أداء رجالي في مهرجان المسرح المحترف عام 2009، وجائزة أخرى في مهرجان باسكتلندا.

أما نادية جبيلي، فقد شاركت في أكثر من عشرين عملا، من بينها مسرحية" أرلوكان خادم السيدين" ومسرحية "معروض لهوى" التي حازت على جائزة أحسن عرض متكامل في مهرجان القاهرة، وملحمة "زبانة"، بالإضافة إلى مسرحية "ثليجة" التي دربت فيها أطفالا من فئة التريزوميا، كي يمثلوا في هذا العرض. بينما قدم الفنان الراحل محمد عدلان بخوش، دروسا في الفن الرابع بقسنطينة، وهو خريج المعهد العالي لفنون العرض والسمعي البصري، مثل وأخرج عدة مسرحيات، وقدم لمسته الخاصة في الملحمة التاريخية "فاشهدوا"، وكتب نص "انتحار الرفيقة الميتة"، كما شارك في العديد من الأفلام.

وقدم مسرحيون شهادات عن الفنانين الراحلين، من بينهم الفنانة فضيلة حشماوي، التي تحدثت عن المعاناة الكبيرة للفنانة الراحلة يمينة غسول، التي توفت عام 2022، واعتبرتها عميدة مسرح وهران، مشيرة إلى معاناتها من الناحية الاجتماعية، وهي نفس معاناة الراحلة نادية جبيلي، التي توفت في ظروف مأساوية.

أما عبد الحليم زريبيع، ابن تندوف، فقد استأجر منزلا بوهران، حتى يمكنه التنقل إلى العاصمة بسهولة، ويومان قبل وفاته كان سينتقل إلى العاصمة، للإمضاء على عقد يخص الموسم الثاني لمسلسل "حداش حداش"، حتى يتمكن من دفع إيجار البيت، لكنه رحل وترك وراءه أربع بنات وزوجة ماكثة بالبيت. تحدثت حشماوي أيضا، عن عدلان بخوش، وقد اعتبرته ابنا لها، وهو الذي رحل شابا. كما طالبت بتحسين ظروف عيش الفنانين. وعن هذا الفنان الأخير، تحدث عبد الجليل نجاعي، صديق الراحل بخوش، وشهد على نضاله الكبير من أجل الفن، وكذا معاناته من التهميش، إلى غاية آخر رمق من حياته.

المطالبة بإنشاء مركز للأرشيف

تدخل الأستاذ شنيقي مجددا، كي يطلق صافرة إنذار للممارسة المسرحية في الجزائر، التي قال إنها في تدهور كبير، ليتحسر عن عدم وجود مركز للأرشيف خاص بالمسرح، وكذا انغلاق المعهد العالي لفنون العرض على نفسه، وعدم تعامله مع الخارج. وأضاف أن هذه الأمور تعيدنا إلى طرح علاقتنا بالثقافة، ليجيبه فيصل مطاوي المكلف بالإعلام للمهرجان، ويخبره بفتح المسرح مركز للأرشيف في جانفي 2024، بإدارة زياني شريف عياد.