قدّمه مزهود عبد اللطيف وصوفيا منصور بالمتحف البحري

مشروع هندسي لإعادة تهيئة الحظيرة الأثرية لتيبازة

مشروع هندسي لإعادة تهيئة الحظيرة الأثرية لتيبازة
  • 221
لطيفة داريب لطيفة داريب

قدّم الطالبان عبد اللطيف مزهود وصوفيا منصور، أمس، بالمتحف البحري بالعاصمة، عرضا مفصّلا عن مشروعهما الأكاديمي حول إعادة تهيئة الحظيرة الأثرية لتيبازة، وحمايتها. وهو مشروع تخرّجهما من مدرسة الهندسة المعمارية. ويهدف إلى الحفاظ على تراث مدينة تيبازة الغني، وإعادة بعثه وفق مقاربة علمية، تجمع بين الأصالة والتكنولوجيا الحديثة.

جاء العرض ضمن مداخلة موسّعة بعنوان: "كيف يمكن تحقيق صمود المعالم الأثرية أمام التطور العمراني؟" . حيث ركّز الطالبان على واقع المعالم التاريخية لمدينة تيبازة بحظيرتيها الشرقية والغربية، إلى جانب الضريح الملكي الموريتاني، الذي يُعدّ أحد أبرز رموز الحضارة الموريتانية القديمة في الجزائر.

واستهلّ مزهود ومنصور مداخلتهما بعرض شامل لحالة المعالم الأثرية في المدينة، مسلّطين الضوء على المخاطر الطبيعية والبشرية التي تهدّد هذا الإرث الإنساني الفريد. وأوضحا أنّ هذه المعالم تعاني من تدهور واضح ناتج عن عدة عوامل، منها الزلزال الذي ضرب المنطقة عام 1989، وأثّر على استقرار البنى القديمة، والفيضانات المتكرّرة التي غمرت أجزاء من الموقع وأضعفت أساساته، وكذا قنوات الصرف المفتوحة التي تسرّبت مياهها إلى داخل المعالم، بالإضافة إلى بعض الحفريات التي مسّت استقرار المعالم، وأعمال الترميم غير المطابقة التي استُعمل فيها الإسمنت بدل المواد التقليدية؛ ما شوّه بعض المعالم، وأضرّ بتجانسها المعماري. أيضا نموّ النباتات البرية داخل الجدران والأرضيات؛ ما أدى إلى تصدّعات، وتآكل وتأثير الرطوبة، والصدأ الناتج عن القرب من البحر.

وأشار الباحثان أيضا إلى التصرفات السلبية من بعض الزوّار والسكّان المحليين، إلى جانب عمليات تخريب وسرقة، فضلاً عن تشييد بنايات فوضوية داخل محيط الحظيرة الأثرية دون احترام الطابع التاريخي للمكان. وذكّر المتدخلان بأنّ منظمة اليونسكو صنّفت موقع تيبازة سنة 1982، ضمن قائمة التراث العالمي، ثم في التراث المعرّض للخطر إلى غاية عام 1986 بعد أن تمكّنت السلطات المحلية من تدارك الوضع. 

وبالمقابل، يعتقد مزهود ومنصور أنّ صمود هذه المعالم أمام الزمن ليس كافيا؛ لأنّ بقاءها على حالها من دون تدخّل علمي ومنهجي، قد يؤدي إلى تغيّرات بنيوية خطيرة تمسّ هويتها الأصلية. ولهذا اقترحا ضمن مشروع تخرّجهما خطة استراتيجية متكاملة تضمن الحماية الدائمة، وإعادة الإحياء المستدام لهذا الموقع الأثري الفريد.

واعتمد المشروع على رؤية هندسية تجمع بين الحفاظ المادي على المعالم، وتثمينها سياحيا وثقافيا، من خلال مجموعة من الإجراءات العملية، منها إنشاء أرضية مرتفعة تحمي المعالم من الأخطار المباشرة؛ كالرطوبة والفيضانات، ووضع مقاعد خشبية خفيفة على المساحات الحسّاسة؛ لمنع الاحتكاك المباشر بأرضيات المواقع الأثرية، بالإضافة إلى تخصيص مساحات خضراء حول الحظيرة للحفاظ على التوازن البيئي والجمالي للموقع. وتمّ اقتراح إنشاء متحف مفتوح في الهواء الطلق، يعرض مسار التاريخ المحلي بطريقة تفاعلية، وتحسيس السكان والسياح عبر حملات توعوية، وتنظيم الزيارات السياحية وفق مسارات محدّدة، تضمن عدم إلحاق الضرر بالمعالم.

وفي إطار إدماج التكنولوجيا الحديثة في حماية التراث، اقترح الباحثان استعمال تقنية المعارض الافتراضية ثلاثية الأبعاد (3D)؛ لتمكين الزوّار من اكتشاف تيبازة القديمة كما كانت في العصور السابقة، دون التأثير على الموقع الحقيقي. كما شدّدا على ضرورة سنّ قوانين أكثر صرامة؛ لمكافحة التخريب والسرقة، وتدعيمها بوسائل مراقبة رقمية متطوّرة. وانتقل الطالبان بعد ذلك إلى عرض مشروعهما الثاني الذي أنجزاه بعد التخرّج، والمتعلّق بإعداد مخطّط تهيئة شامل للحظيرة الأثرية. ويهدف هذا المشروع إلى إعادة تنظيم الفضاءات الداخلية للمدينة الأثرية، وتحسين الوصول إليها.

ومن أبرز المقترحات الواردة في هذا المخطط،إعادة تفعيل النقل الداخلي بمختلف أنواعه، لتسهيل حركة الزوّار والباحثين، وإزالة حيّ اللوز الذي شُيّد بطريقة غير قانونية داخل نطاق الحظيرة، لما يشكّله من تشويه بصري، واعتداء على الطابع الأثري والذي سيمكّن من إعادة إحياء الطريق الروماني القديم الذي كان يربط بين الميناء والمعابد، مع إبراز المعالم الأثرية المطموسة على جانبيه، وكذا إنشاء مسار مزدوج يصل بين الحظيرتين الشرقية والغربية، ويمر عبر الواجهة البحرية للمدينة، بما يسمح برؤية بانورامية شاملة، تجمع بين البحر والآثار والطبيعة.