السيناريست الفرنسي جان كلود كاريار يكشف في محاضرة:

مشروع مع بوشارب وضد جمود الفن السابع

مشروع مع بوشارب وضد جمود الفن السابع
  • القراءات: 560
لطيفة داريب لطيفة داريب

طالب السيناريست الفرنسي جان كلود كاريار، بعدم المساس نهائيا بالتغيرات التي تطرأ في عالم السينما، حتى تلك التي تتعلق بكتابة السيناريو، مضيفا أنه يواكب التقنيات الجديدة المصاحبة للفن السابع رغم أنه متعلق أشد التعلق بالأفلام التي تعكس شخصية المخرج وتتبنى سيناريو محكما بعيدا عن موجة الأفلام التجارية. كما كشف عن مشروع جديد سيجمعه بالسينمائي الجزائري رشيد بوشارب، وهو الذي سبق له أن شارك في كتابة سيناريو الفيلم الجزائري الفرنسي «كانت الحرب».

نشط كاتب سيناريو، جان كلود كاريار، أول أمس بقاعة «الموقار»، محاضرة على هامش تنظيم مهرجان الجزائر الدولي للسينما، تحدث فيها عن خبرته الطويلة في عالم كتابة السيناريو، وهو صاحب 86 سنة. كما قدم عدة نصائح لكل من يريد أن يسير على هذا النهج.

قال جان كلود كاريار، إنه تلقى دعوة من لخضر حمينة بعد الاستقلال لزيارة الجزائر، وهناك التقى الرائد عز الدين والمخرج أحمد راشدي، واتفقا على كتابة سيناريو لفيلم عن حرب التحرير،  فكان ميلاد فيلم «كانت الحرب» من إنتاج التلفزتين الجزائرية والفرنسية. مع العلم أنه عرض مرة واحدة على التلفزة الفرنسية، ثم اختفى تماما. كما كشف عن استعداده لتحقيق مشروع مع السينمائي رشيد بوشارب، رفض تقديم تفاصيل عنه.

في المقابل، قال كاريار إن نهاية القرن التاسع عشر شهدت اختراعات كثيرة، مثل المذياع والتلفزيون والفن السابع، مضيفا أن اختراع تسجيل الصوت كان رائعا فعلا، لأنه ليس لدينا أي صوت من العصور السابقة.

تحدث جان كلود عن بداياته في عالم كتابة السيناريو، وكان ذلك مع الفيلم الوثائقي العلمي للعالم جون رستون، الذي كان مختصا في الحياة الجنسية للضفادع، وشهد معه ميلاد أول حيوان مستنسخ متمثل في ضفدعة، لينتقل إلى فيلم «سيزانو دي برجراك»، الذي وجد صعوبات لنقل نص مسرحي إلى نص سينمائي، ويتوقف عند هذه النقطة ويقدم مقارنة بين هذين النصين، حيث أكد على الحرية التي يتنعم بها الفن الرابع، سواء من ناحية النص أو التمثيل أو الإخراج، مقدما مثالا بإمكانية أن يلعب جد دور طفلة، لكن هذا الأمر غير ممكن في السينما التي ترتبط بالواقع.

اعتبر كاريار أن الفن الرابع كان واقعيا أيضا لكنه استطاع أن يتحرر، بيد أن السينما ماتزال تعاني من الواقعية من جهة، ومن استخدام معدات ثقيلة وتقنيات خاصة، وهو ما لا نجده في المسرح.

اقتحم جان كلود عالم الأفلام الروائية من باب المخرج جاك تاتي،  حيث فاز بمسابقة تخص كتابة السيناريو، ومنه تحصل على شرف إعادة كتابة نص «عطلة السيد هولو». ويتذكر جان كلود كيف أنه كان يجهل تماما قواعد الفن السابع، فما كان من جاك تاتي إلا أن يطلب من المكلفة بتركيب الأفلام سوزان، بتعليم جان كلود من خلال إدخاله إلى قاعة التركيب التي تعتبر مركز صناعة أي فيلم.

توقف كاريار مرة ثانية، ليطالب كُتاب السيناريو بأهمية أن يدركوا التقنيات المستعملة في صناعة الفيلم، لكي يتمكنوا من كتابة السيناريو، معتبرا أن هذه المرحلة إنتقالية بحتة، بحيث يمكن أن تصاحبها تغيرات خلال تصوير الفيلم أو حتى في مرحلة التركيب،  وهو ما حصل لكاريار الذي سبق له أن غير من أقوال الممثلين خلال عملية التركيب.

كتب كاريار في بداية مساره أفلاما قصيرة، تحصل من خلالها على أوسكار، لينتقل إلى الكتابة المسرحية، وهو الآن مدير مهرجان مسرحي بمدينة مونبوليي (فرنسا)، هناك التقى بجميع الأساليب الفنية، باعتبار أن المسرح ـ كما ذكر سابقا ـ حر من كل استعباد فني وتقني. كما أنه يمثل أقدم شكل تعبيري في العالم.

تعاون جون كلود مع المخرج السينمائي بوينال وكذا المسرحي الشهير بيتر بوك، فكانت انطلاقة التعاون بينهما الذي لم تعرف نهايتها بعد، ومن بين الأعمال التي شاركا في إنجازها، الملحمة الهندية «مهباراتا» التي كتبها كاريار طيلة 11 سنة، وعرضت في مدة زمنية وصلت إلى تسع ساعات، قسمت على ثلاثة أيام. وفي الهند، تعرف جان كلود على الفلسفة الهندية وعلومها، حيث سافر رفقة مختصين فرنسيين في الفيزياء النووية إلى هذا البلد، ليقول عن نفسه: «أنا رجل فضولي».

في المقابل، أشار كاريار حاجته في التحرر من سلطة الوقت، قائلا بأنه يطلب ثلاثة أشهر لكتابة سيناريو يمكن أن يخطه خلال شهرين، ليضيف: «لا يجب أن يتحكم فينا الوقت». ويضيف أيضا: «من الصعب كتابة الزمن في السينما، فمثلا نكتب في رواية ما عن خروج شخص من بيته في الغد، لكن كيف تُكتب في السيناريو؟، أي كيفية  إبراز وقت خروجه وكذا تبيان منزله قبل تصوير المشهد حتى يظهر بأنه بيته وغيرها من الصعوبات».

ودائما عن كتابة السيناريو، قال كاريار بأنه يكتب سيناريو، ثم ينساه لمدة ثلاثة أشهر، وبعدها يعود إليه وقد يضيف إليه أشياء ويحذف أشياء، ووصل به الأمر إلى كتابة خمسة نسخ لفيلم واحد.

كما دعا السيناريست إلى تنمية الخيال، حيث كان رفقة مخرج بوينال، ينعزلان في غرفتهما لمدة نصف ساعة، بعد الانتهاء من التصوير، ومنه يلتقيان ويقص كل واحد منهما قصة قصيرة حتى ينميا خيالهما. كما كانا يتخيلان أنهما برفقة زوج فرنسي من الطبقة المتوسطة اسمهما هنري وجورجيات، يسألانهما عن رأيهما في هذا المقطع من السيناريو.

اعتبر كاريار أن التوافق بين السيناريست والمخرج والمنتج أمر مهم جدا، كما أن كتابته بثلاث لغات؛ الفرنسية والإنجليزية والإسبانية، تدفعه إلى التغلغل في ثقافات الدول الناطقة بهذه اللغات، وهذا لم يمنعه من أن يطلب قراءة ثانية من أمريكي في حال كتابة سيناريو باللغة الإنجليزية.

عبر جان كلود عن مخاوفه من اختفاء أفلام المؤلف، أي الأفلام التي تعكس شخصية المخرج وتهتم بجودة وموضوع السيناريو، في زمن طغت الأفلام التجارية، خاصة أنه لم يبق من السيناريست الأحياء الذين يهتمون بهذا النوع من الأفلام إلا ثلاثة وهم: المتحدث وجان لوك غودار وآنياس فاردا، مضيفا أن مخاوفه قد تتبدد مع ظهور موجات من الأفلام الملتزمة القادمة من دول مثل إيران، تركيا، الصين والمكسيك.

في إجابته عن سؤال «المساء»، عن تعلق الشباب بأفلام الخيال العلمي، قال إنه يجب الحفاظ على كل الأنماط السينمائية، فكما أن هناك أشياء جيدة في أفلام الخيال العلمي، هناك أشياء سلبية، لينتقل إلى الإجابة عن السؤال الثاني لـ»المساء، المتعلق بإنتاج بعض الدول لكمّ هائل من الأفلام، لكنها لا تجد لها جمهورا، فقال بأن التوافق بين الجمهور والسينما لا يمكن أن يكون بنفس النسبة،  فأحيانا يرتفع وأحيانا ينخفض، والمهم تأجيج «الرغبة» بصفة دائمة.