قسنطينة ترمم ذاكرتها المعمارية

مشاريع واسعة لحماية المدينة القديمة واسترجاع طابعها التاريخي

مشاريع واسعة لحماية المدينة القديمة واسترجاع طابعها التاريخي
  • 175
شبيلة. ح شبيلة. ح

تشهد المدينة القديمة بقسنطينة، جهودا متواصلة لحماية تراثها المعماري والعمراني، في إطار برنامج وطني لترميم القطاعات المحفوظة وصون الممتلكات الثقافية العقارية، حيث تمثل هذه الجهود، استجابة لتدهور حالة عدد كبير من البنايات التاريخية، وتحقيقا لمخطط واسع، يشمل عمليات التوثيق، الدراسة، التدخل الاستعجالي، واستعمال التكنولوجيا الحديثة في الترميم، بإشراف المديرية المحلية للثقافة والفنون، ومشاركة عدة هيئات ومكاتب دراسات مؤهلة. 

يُعد القطاع المحفوظ للمدينة القديمة، من أكبر وأهم المواقع المصنفة في الجزائر، حيث أكد مدير الثقافة، فريد زعيتر، لـ«المساء"، أن هذا الأخير يخضع لمتابعة دقيقة عبر مشاريع تمتد لسنوات، في ظل الالتزام بالمعايير القانونية والتنظيمية التي تؤطر حماية التراث.

قطاع محفوظ بتشريعات خاصة

أكد المسؤول الأول على القطاع الثقافي بقسنطينة، أن الممتلكات الثقافية العقارية تخضع لإطار قانوني دقيق، يضمن حمايتها، حيث تم التكفل بالقطاع المحفوظ أو الممتلكات الثقافية العقارية عموما، بالولاية، في إطار التشريعات القانونية والنصوص التي تم سَنُها، انطلاقًا من القانون 98-04، المتعلق بحماية التراث الثقافي، وأيضا تسجيل في قائمة الجرد الإضافي التصنيف أو الاستحداث في شكل قطاعات محفوظة، وصولا إلى استحداث المدينة القديمة كقطاع محفوظ سنة 2005، حيث يُعد هذا القطاع من بين 25 قطاعا محفوظا عبر التراب الوطني، كاشفا في السياق، عن قرب صدور مرسومين آخرين، يتعلقان بقطاعين جديدين، لم يُنشرا بعد في الجريدة الرسمية، وسيتم اعتمادهما لاحقًا من قبل اللجنة الوطنية للممتلكات الثقافية.

1145 بناية.. نصفها مهدد بالانهيار

يمتد القطاع المحفوظ للمدينة القديمة، على مساحة تفوق 85 هكتارا، ويضم حوالي 1145 بناية ذات طابع عمراني تقليدي ومعماري فريد، منها 550 بناية تستدعي تدخلا عاجلا، بفعل التدهور الكبير في وضعيتها الإنشائية. وقد تم في هذا الإطار، إعداد مخطط حماية مر بثلاث مراحل رئيسية، أولها تتعلق بالتدابير الاستعجالية التي أفضت إلى إطلاق مشروع نموذجي.

أكد المسؤول عن القطاع، أن تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية" سنة 2015، شكلت فرصة لتعزيز جهود الترميم، حيث تم تسجيل 17 عملية داخل القطاع المحفوظ، شملت أساسا، ترميم المساجد والمعالم الدينية الكبرى. وقد تم استلام خمسة مساجد منها، على غرار "الجامع الكبير"، مسجد "حسن باي"، "الأربعون الشريف"، "باشترزي"، و"سيدي الأخضر"، فيما تتواصل الأشغال في مسجد "الكتانية" ومسجد "الأربعين الشريف"، مع توقع استلامهما رسميًا جويلية الجاري. وتم خلال نفس الفترة، تسجيل مشاريع تأهيل تخص الزوايا والمدارس العتيقة، في محاولة لاستعادة الوظائف الدينية والاجتماعية لهذه الفضاءات التاريخية.

الزوايا والمدارس.. ورشات مفتوحة

تحدث المسؤول عن مشاريع أخرى في طور الإنجاز، على غرار زاويتي "السيدة حفصة" و«التجانية السفلى"، اللتين تخضعان لأشغال ترميم متقدمة، حيث بلغت نسبة الإنجاز بالثانية نحو 60٪، لكن تعثر المؤسسة المنجِزة أدى إلى فسخ العقد وإطلاق مناقصة جديدة لاختيار مؤسسة بديلة. أما مدرسة "الكتانية"، فتعرف تأخرا تقنيًا، رغم بلوغ الأشغال فيها نسبة تتراوح بين 45 و50٪، ما يُبقي، حسبه، على احتمال تسليمها خلال الثلاثي الأخير من السنة الجارية، وأكد المدير أنه، من جهة أخرى، تعرف الأشغال بمسجد "سيدي عفان" وزاوية "السيدة حفصة" تقدما كبيرا بنسبة تُقدر بـ95٪.

كما يحظى قصر "الحاج أحمد باي"، المصنف تراثا وطنيا محميا، بمتابعة تقنية دقيقة، نظرًا لحجمه الكبير وقيمته الرمزية، حيث بلغت الأشغال حاليًا المرحلة الثالثة المتعلقة بحالة الحفظ والتشخيص، مع انطلاق إعداد مشروع الترميم، الذي يشرف عليه مكتب دراسات متخصص. وتتم متابعة الأشغال بالتنسيق مع المركز الوطني للبحث في تهيئة الإقليم، الذي ساهم مؤخرا، في رقمنة القصر عبر المسح ثلاثي الأبعاد.

ترميم بشروط صارمة وكفاءات مؤهلة

أكد مدير الثقافة والفنون، فريد زعيتر، كذلك، أن ممارسة الأعمال الفنية داخل القطاع المحفوظ، تخضع لشروط تنظيمية دقيقة، حيث يُشترط توفر مكاتب الدراسات على مهندسين معماريين ومدنيين، تقنيين ساميين، مؤرخين، وخبراء آثار، بالإضافة إلى شهادة حسن تنفيذ مسلمة من هيئة معتمدة. كما يُشترط أن يكون المهندس المكلف بالمتابعة، مدرجًا ضمن قائمة تُعدها وزارة الثقافة والفنون، ليكون هو الوسيط التقني بين الأطراف المنجزة والداعمة للمشروع. وتُعد الخبرة في هذا المجال، حديثة نسبيا على المستوى الوطني، إلا أن ثمة تطورا ملحوظا في مستوى الإنجاز والاستعانة بالكفاءات المحلية.

من جهة أخرى، ومن أجل ضمان الدقة والجودة، أشار المتحدث إلى إنشاء لجنة ولائية، تضم أعضاء يمثلون مختلف الفاعلين من مديرية الثقافة، المتاحف الوطنية، الوكالة الوطنية للقطاعات المحفوظة، والديوان الوطني للممتلكات الثقافية، حيث تعمل هذه اللجنة على دراسة ومراقبة المشاريع، تسجيل التحفظات، رفعها من طرف مكتب الدراسات، ثم المصادقة عليها قبل التنفيذ. ويُشترط إطلاع جميع الأطراف على الدراسة الأولية، مع السماح للخبراء بالدخول الميداني للورشات في أي وقت، لتسجيل الملاحظات التقنية.

مشاريع ترميم جديدة قيد الدراسة

كشف المسؤول عن القطاع الثقافي بالولاية، عن أن دراسات ترميم عدة معالم تاريخية هامة، بلغت مراحلها الأخيرة، بعد أن فاقت نسبة التقدم في الأشغال 95 بالمائة، ومنها زاوية "باشترزي" و"الزاوية الطيبية"، وزاوية "العيساوية"، والتي تم الانتهاء من إعداد الدراسة الخاصة بها، أما زاوية أبو عبد الله الشريف، فأوضح المسؤول، أنها تمر حاليًا بالمرحلة الثالثة الخاصة بالحفظ والتشخيص، في انتظار الانتقال إلى مهمة الترميم، بعد رفع التحفظات التقنية. 

كما يجري حاليًا العمل على مشروع تهيئة وتجهيز المتحف العمومي الوطني للفنون والتعابير الثقافية التقليدية والسينوغرافية بقصر "الحاج أحمد باي"، الذي يتطلب دقة تقنية عالية، بالنظر إلى طبيعته كمتحف وطني محمي.