قسنطينة تحيي الذكرى 46 لرحيل مصالي الحاج

مسيرة نضال لا غبار عليها

مسيرة نضال لا غبار عليها
قسنطينة تحيي الذكرى 46 لرحيل مصالي الحاج
  • القراءات: 2409
 مريم. ن مريم. ن

أحيا المتحف الولائي للمجاهد بقسنطينة، تحت إشراف وزارة المجاهدين مؤخرا، الذكرى 46 لرحيل ”أب الوطنية الجزائرية” مصالي الحاج، من خلال تقديم مسيرته للجمهور خاصة من الشباب، وكيف كان هذا الرجل محركا للوعي الوطني ومحرضا ضد فرنسا من أجل أن تطرد من الديار الجزائرية.

ولد مسلي أحمد المعروف بمصالي الحاج، يوم 16 ماي 1898 بتلمسان، من أب فلاح، وكان هذا الأب شخصا محترما ومبجلا لدى الجميع ومتدينا، وكان يشتغل حارس قبة سيدي عبد القادر بتلمسان، أما أمه فكانت ابنة قاض شرعي وحرفي ميسور الحال، وعندما بلغ مصالي الحاج سن الدراسة، اقترحت عليه أمه المدرسة العربية، لكن أباه أراد تسجيله في إحدى المدارس الفرنسية، لأنه كان يرى بأن تعلم الفرنسية سيمكن ابنه من الدفاع عن نفسه والدفاع عن بلده واستقلاله، وبالفعل كان له ما أراد.

لكن دخول التلميذ مصالي الحاج إلى إحدى المدارس الابتدائية الفرنسية، لم تجعله مقطوع الجذور عن ثقافته العربية الإسلامية، بحكم أن أباه كان رجلا متدينا، فكثيرا ما كان مصالي الحاج يتردد على الزاوية الدرقاوية، كغيره من أفراد عائلته، فجعلت منه شخصية عربية مسلمة نابعة من بيئته.

تأثر مصالي الحاج بالتجنيد الإجباري للجزائريين، ورغم هذا التأثر العميق، إلا أن دوره سيأتي عام 1918، حيث جند في الجيش الفرنسي ورقي إلى رتبة رقيب، وهذا التجنيد فتح له آفاقا جديدة في مستقبله السياسي والكفاحي ضد الاستعمار.

كان كثير الاحتجاج، لأنه لا يطيق رؤية مظاهر التمييز العنصري والظلم الاجتماعي التي كانت تمارس على العمال المغتربين، خاصة العرب، مما جعل أصحاب المصانع يصفونه بالمشوش، بسبب احتجاجاته الدائمة والجريئة على مظاهر الاستغلال.

استغل مصالي الحاج وجوده بفرنسا لتحسين مستواه العلمي والثقافي، إذ كثيرا ما كان يتردد على مدرجات جامعة السوربون ليس كطالب، ولكن كعصامي يريد أن يغرف من العلوم والثقافات الإنسانية لتحسين مستواه، كما استطاع أن يكون نسيجا من العلاقات الإنسانية والعلمية والثقافية، حيث تعرف هناك على الأديب الكبير محمد ديب والزعيم نهرو، وكذلك شكيب أرسلان، وغيرهم من الزعماء والكتاب والمثقفين القادمين من البلدان المستعمرة، والتي بدأت تشهد في تلك الفترة ميلاد الكثير من الأحزاب والحركات التحررية.

إن الأحداث التاريخية التي واكبها مصالي الحاج، كان لها الأثر البالغ في صقل حياته النضالية والسياسية، إذ أنه عاصر أحداث الحرب العالمية الأولى، سقوط الخلافة الإسلامية، الثورة البلشفية وثورة الريف المغربي بقيادة عبد الكريم الخطابي، فحفزته كل هذه الأحداث على التفكير في إيجاد إطار سياسي يبلور من خلاله أفكاره ورؤاه السياسية.

انخرط في الحزب الشيوعي الفرنسي، ثم أسس بمعية الحاج علي عبد القادر والجيلالي شبيلا حزب ”نجم شمال إفريقيا” سنة 1926، وكان هذا الحزب يطالب باستقلال كل البلدان التي تقع في شمال إفريقيا، أو ما يسمى حاليا بدول المغرب العربي.

اضطر مصالي الحاج للإعلان عن إعادة بعث وتأسيس الحزب تحت اسم جديد وهو ”نجم إفريقيا الشمالية”، حينها برزت كفاءة مصالي الحاج ومقدرته في إدارة الحزب وتوجيه سياسته الوطنية المستقلة، وانتخب سنة 1933 رئيسا للنجم، لكنه أوقف في نوفمبر 1934 بتهمة إعادة تنظيم جمعية منحلة، ثم حكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر نافذة وغرامة مالية مقدارها 200 فرنك، ثم انتقل إلى جنيف بسويسرا وكان دائم الاتصال بالأمير شكيب أرسلان، وقام بنشاطات مكثفة لصالح القضية الجزائرية.

أعلن الزعيم بكل شجاعة في المؤتمر الإسلامي سنة 1936م، عن رفضه التام للمشروع الاندماجي، أو ما سمي بمشروع ”بلوم فيوليت”، خلال خطاب ألقاه أمام 2000 مشارك صارخا بأعلى صوته، وهو ممسك بحفنة من تراب ”هذه الأرض أرضنا ولن نبيعها لأحد”.

أسس مع رفاقه في 11 مارس 1937م حزب الشعب الجزائري، وانتقل إلى الجزائر في شهر جوان، لكنه سرعان ما اعتقل بمعية خمسة أعضاء من الحزب بتهمة التشويش والتضامن ضد السلطة الفرنسية، وأصبح ينتقل بين سجون الحراش وبربروس، وحكم عليه بالسجن لمدة سنتين، مع حرمانه من كافة حقوقه المدنية والسياسية.

سنة 1939، حلت الإدارة الفرنسية الحزب، ومنعت جرائده من الصدور، وفي أكتوبر من نفس العام، اعتقل مصالي من جديد مع بعض أنصاره، وحكم عليهم بـ 16 سنة سجنا نافذة، وبعد نزول قوات الحلفاء بالجزائر سنة 1942، أطلق سراح مصالي الحاج من سجن تازولت بباتنة، ووضع تحت الإقامة الجبرية، ثم أبعد إلى مدينة القليعة بالجنوب الجزائري، وبعدها عاد إلى العاصمة بمنطقة بوزريعة وأسس حركة انتصار الحريات الديمقراطية، التي تعتبر النواة الأولى المفجرة للثورة، وفيما بعد، انبثقت عنها المنظمة السرية ”لوس”.

بعد الانشقاقات التي وقعت في صفوف حزب الشعب بين المصاليين والمركزيين، ظهرت لجنتان موازيتان للإعداد للثورة الأولى، هي اللجنة الثورية للوحدة والعمل التي رفض مصالي التعاون معها، وأسس اللجنة الثانية سميت باللجنة الثورية الجزائرية، حيث اجتمعت يوم 15 أوت 1954 وحددت المسؤوليات وقسمت البلاد إلى 6 ولايات وثلاث مناطق ثورية، لكن اللجنة الثورية للوحدة والعمل فاجأتهم وسبقتهم بإعلان الثورة في أول نوفمبر 1954.

عند اندلاع الثورة، لم يقف مصالي الحاج موقف العدو -كما يصوره البعض- بل أنه لم يكن واثقا من قدرات تلاميذ الأمس الذين تربوا في مدرسته السياسية والنضالية الاستقلالية، ولم يهضم خروجهم عن طاعته، ويمكن أن نعتبر الأحداث الأليمة التي اندلعت آنذاك، خاصة في فرنسا، بأنها مجرد انزلاقات هامشية على حساب الغاية الاستراتيجية التي ناضل من أجلها.

لم يتوقف حتى في عز الثورة التحريرية، حيث قدم سنة 1956 مذكرة للأمم المتحدة، مطالبا باستقلال الجزائر، كما أنه رفض الدعوة التي وجهها له الجنرال ديغول سنة 1960 للتفاوض حول الاستقلال، لأن الزعيم كان يرى بأن الهدف من ذلك، هو إضعاف الثورة، وبعد الاستقلال بقي مصالي الحاج في فرنسا إلى أن وافته المنية يوم 03 جوان 1974