معرض جماعي نسوي بقصـر الثقافة

مسـار حواء.. وذكرى من ألبوم عـائـشة حداد

مسـار حواء.. وذكرى من ألبوم عـائـشة حداد
  • القراءات: 1886
مريم. ن مريم. ن

تتوحّد المشاعر وتتفرّع وتتشابك لتصوّر وجدانا مرهفا تفيض منه المشاعر بدون حساب لتحكي مسارات إبداعية تولّدت من زخم نضال خاضته حواء مع الحياة من أجل أن تبقى كائنا حيا في هذا الوجود الممتد.. معرض جمع كل تلك المبدعات في قاعة ”باية” بقصر الثقافة ”مفدي زكريا” للاحتفال طوال هذا الشهر بعيد المرأة ومن أجل استحضار ذكرى الراحلة عائشة حداد.

تتزاحم اللوحات وتمتدّ عبر فضاء واسع وهادئ يجعل الزائر يسمع بوضوح تمتمة اللوحات ومناجاتها لبعضها تنثر معاني الأنوثة والجمال وتعكس أحيانا أخرى أنينا دفينا يجرح الوجدان المرهف الذي أنهكته تكاليف الحياة وقسوة ”الشريك”.

استقبلت ”المساء” في هذا المعرض من طرف السيد شعوة محمد، المكلّف بالإعلام على مستوى قصر الثقافة ”مفدي زكريا”، الذي أشار إلى أنّ هذا المعرض الجماعي النسوي ينظّم إلى غاية 30 مارس الجاري ويدخل في إطار الاحتفالية بعيد المرأة العالمي ويضيف موضحا ”تشارك في المعرض ثماني فنانات تمّ اختيارهن ضمن مقاييس محدّدة، منها مثلا الاحترافية إذ أن أغلبهن فنانات لهن حضورهن في الساحة كما أنّهن يمثّلن ولايات مختلفة من الوطن إضافة إلى فنانة مغتربة أتت من فرنسا للمشاركة في هذه الاحتفالية وهي بودج الجوهر”، ويؤكّد السيد شعوة أنّ كلّ تلك الفنانات شاركن في مختلف طبعات ”صالون الخريف” الذي تنظّمه سنويا وزارة الثقافة والذي بلغ دورته السادسة وكلهن حققن أكبر المبيعات. المعرض مفتوح يوميا من العاشرة صباحا وحتى السادسة مساء حتى أيام العطل، كما أنّه تكريم للفنانة والمجاهدة الراحلة عائشة حداد رحمها الله، وهنا يشير المتحدث إلى أنّ ”التكريم من تنظيم قصر الثقافة وجمعية ”أفكار” ومن تنشيط رفيقة الراحلة الأستاذة جميلة قنديل، وقد شهد حفل التدشين إقبالا كبيرا من طرف أصدقاء الراحلة وتلاميذها من معهد الفنون الجميلة ومن عائلتها”.

أكّد السيد شعوة أنّ الفنانات المشاركات يمثّلن مختلف المدارس الفنية من التجريدي إلى البورتري إلى الإكليكي إلى أساليب أخرى مبتكرة تعتبر تجديدا في الشكل والمضمون والتعبير، وأغلب الفنانات التزمن بشروط المشاركة وهي تقديم عشر لوحات لا أكثر وأن تكون جديدة تعرض لأوّل مرة (لم يسبق لها وأن شاركت في أيّ معرض).

من ضمن المشاركات الفنانة حورية منعة التي قدّمت العديد من اللوحات منها ”المستحمات” التي تبرز من خلالها المدرسة الانطباعية والتشخيصية وهي التفاتة جميلة إلى التراث مع إعطائه لمسة عصرية تبرز الإمكانيات الفنية لهذه الفنانة، وتحدّثت الفنانة ناريمان غلام الله عن ”الاستراحة” بأسلوب تجريدي محض، حيث تداخلت الألوان الداكنة وامتزجت مع بقاء السيادة المطلقة للأبيض الناصع.

عرضت ناريمان عدّة لوحات بموضوع واحد خاص برحلة حذاء والتي هي جزء من رحلة الإنسان عموما وتكاد حركة الحذاء ترى من فرط تجسيدها على اللوحات ويظهر في بعضها في حالة ”استرخاء”، بحيث تظهر خيوط الحذاء مفتوحة ومتدلية وفي أخرى تحمل عنوان ”أنا ذاهب” يبدو الحذاء مسرعا ومتحرّكا في مشيته علما أنّ ”فردة” تحاول بسرعة اللحاق بالأخرى، في لوحة ”انتظار” يبدو الحذاء على أتمّ الاستعداد للمشي كأنّه ينتظر الأوامر من سيده للانطلاق، ثم لوحة ”الوصول” وغيرها من حركات الحذاء السحري والذكي بعدها قامت الفنانة بعرض لوحة ضخمة اختصرت فيها كلّ ما قدّمته في اللوحات السابقة، وعرفت لوحات ناريمان إقبالا من الجمهور الزائر الذي اكتشف قيمة الخطوة في مسيرة حياتنا.الفنانة صحراوي كريمة قدّمت 11 لوحة كلّها تكريم للراحلة عائشة حداد ووضعت أمام كلّ لوحة معروضة بطاقة تتضمّن شعرا أو كلاما مأثورا لبعض المشاهير أو فلاسفة العالم، ومن بين ما عرضت لوحة عن ”الأمومة” تبدو تجريدية بألوان متكاملة ومتدرّجة تختفي وراء أشكال سوداء تشبه القضبان وكأنّ الأم تحمي بطوق من حديد أبناءها.

لوحات أخرى تحمل مشاعر الشجن والألم منها تلك الخاصة برحلة الحياة التي غالبا ما يسعد فيها الأغنياء وييأس فيها الفقراء وينخدع بقناعها السذج، فعبّرت الفنانة عن التزامها بقيم الجمال التي تميّزت بها الراحلة عائشة حداد وبارتباطها باللون الأزرق ذي الظلال الخاص بالراحلة وبألوانها المائية المتجذرة في الذاكرة الفنية.في الكلمة التي كتبتها كريمة عن الراحلة بمناسبة هذا المعرض تذكر فيها أنّها تحنّ إلى أمواج البحر الزرقاء الممتدة إلى ما لانهاية التي عشقتها الراحلة حداد بكل حواسها، تشير الفنانة أيضا إلى أنّها تأثّرت بالظلال والعتمة والضوء الموجود في لوحات الراحلة مع طغيان الأبيض المهيب والمقدس مع مراعاة النظرة المتناغمة للكون، وقدّمت الفنانة كريمة لوحة كبيرة بألوان زيتية صاخبة في وسطها صورة الراحلة حداد بابتسامتها البريئة.

الفنانة زخام حسينة التزمت بأسلوب الراحلة باية الساذج لتعبّر عن عالم الطيور في لوحة ”العصفور” ذات الألوان الزاهية والمشعة وكذا في لوحة ”حب الوطن” التي تتكامل فيها ألوان العلم الوطني تتطاير من حولها القلوب التي تدقّ بحب الجزائر وغيرها من اللوحات الجميلة والملفتة، فهذه الفنانة تستمد إبداعها من الحلم ومن الربيع المزهر دوما ومن شمس كوكبنا الرائع.

وعرضت بن دالي حسين شفيقة ”الأمهات” بأسلوب تكعيبي متقن وبسيط في شكله وإيحاءاته يحاول استنطاق مشاعر المتفرج الكامنة في الأعماق، وقدّمت أيضا أوراقا مرسومة بألوان زيتية لصقت على قطع قضيفة سوداء تبرز فيها شخوص بدون ملامح، لتعرض من جهتها نهاب صبرينة ”القطرات” التي تتجسّد فيها الألوان والبقع والخطوط من كلّ حجم ولون مع بروز واضح للأخضر والأصفر الهادئ وقدّمت لوحات أخرى منها ”الجزائرية اليوم” التي هي حلم في غد أفضل للمرأة تتلاشى فيه العقبات والنظرة الدونية لها، فيما غاصت الفنانة كوردوغلي في التجريد وقدمت العديد من الأعمال منها ”الدخيل” الذي ركّزت اهتمامها عليه لتبرزه كقطعة سوداء تسير في الأعماق بتسلّل، كما عبّرت عن ارتباطها بالراحلة حداد التي تميّزت بالتواضع والبساطة والطيبة وبالوفاء للفن التشكيلي.الفنانة بعوج جوهر، عبّرت في كلمة كتبتها عن ارتباطها بالأم التي لم تشبع بعد من حنانها ومن صفاء حليبها وبحضورها الدائم والداعم دوما، وبرزت هذه الفنانة بألوانها الأنثوية خاصة البنفسجي والوردي القاتم لتعكس حديث العطور المتناثرة والأنغام المتطايرة من جوف قيثارة.لوحات أخرى لمواضيع خاصة بعالم المرأة منها المرأة التقليدية في الصحراء وفي بلاد الشاوية وفي الريف عموما الذي تسكن بعض ربوعه السيدة ”ضاوية” المبتسمة رغم قساوة الحياة، ليبقى المعرض تجسيدا لمسار احترافي تعكسه الألوان والأساليب الفنية المختلفة التي تحمل روح حواء المفعمة بالأحاسيس والأمل رغم قساوة العيش وظلم الأقربين لتبقى المرأة دوما هي الأكبر والأسمى بعواطفها الجيّاشة وأمومتها المتدفقة وتجاوزها للمساوئ كي يمر المركب بسلام إلى ضفة خضراء تسع الجميع دون استثناء.