معرض الراحل صالح حيون بقصر الثقافة

مسارات فنية تتقاطع في نقطة الذاكرة والهوية

مسارات فنية تتقاطع في نقطة الذاكرة والهوية
السيدة عائشة أرملة الراحل حيون
  • القراءات: 877
مريم. ن مريم. ن

يحتضن رواق "باية" بقصر الثقافة "مفدي زكريا" إلى غاية 11 ديسمبر الجاري، معرضا تشكيليا تكريما للفنان صالح حيون، بعنوان: "فنان يبحث عن الضروريات"، وذلك بمناسبة مرور ثلاث سنوات على رحيله، مخلفا رصيدا فنيا زاخرا بأساليبه الفنية، وبمضامينه الراقية ذات الروح الجزائرية. كما يُعد الفنان أستاذا، تتلمذ على يديه الكثيرون، ناهيك عن ماضيه الوطني المشرف. زارت "المساء" المعرض لتلتقي أرملة الراحل حيون السيدة عائشة مرازقة، التي ظلت وفية لذكرى زوجها، وتصر على حضور المعرض يوميا، خاصة عندما يطلبها بعض الزوار من تلامذة الراحل وأصدقائه وجمهوره.

وتقول السيدة عائشة: "المعرض تكريم للفنان الراحل، وهو مبادرة من وزارة الثقافة تستحق الشكر عليها. إنه فنان ترك بصمته في الفن التشكيلي الجزائري عبر مشوار امتد إلـى 60 سنة، فلقد بدأ يرسم في 12 من العمر، ومن حينها لم يتوقف". وأشارت السيدة عائشة إلى أن المعرض يضم 100 لوحة، بعضها مستعار من بعض الذين اشتروها منه في حياته، حيث كان الراحل معروفا ببيع الكثير من لوحاته التي يتسابق نحوها جمهوره الوفي. كما إن بعض اللوحات المعروضة هي ملك لابنه. وتضيف محدثة "المساء" :  "كان للراحل الكثير من المعارض. وأعماله موجودة في المتاحف الوطنية والأجنبية. كما أذكر أن ممثلي السلك الدبلوماسي المعتمد ببلادنا، كان يقتني لوحاته. هناك أيضا الجمهور الذي لا يتردد في اقتناء لوحات الراحل حيون، خاصة أنه كان ينظم كل 3 أو 4 سنوات، معرضا واحدا، يقدم فيه الجديد والمتقن". وعن مواضيع اللوحات قالت السيدة عائشة إن الراحل كان يعالج في لوحاته المواضيع الاجتماعية، منها، مثلا، موضوع المرأة، التي كان يقدّرها ويحترمها.

والتفتت "المساء" إلى لوحة مؤثرة جدا، وهي صورة جندي بلباسه العسكري، يخرج بسلاحه مبتسما من بيته، لتودّعه زوجته وأمه وابنته. وأشارت السيدة عائشة إلى أن اللوحة استوحاها الراحل من صورة فوتوغرافية قديمة وبالية، تخص شهيدا سقط في ميدان الشرف إبان الثورة. إلى جانب لوحة أخرى بعنوان "11 ديسمبر"، يُبرز فيها المتظاهرين عمالقة، ومعهم شعلة نار، وأمامهم مدافع وعساكر تبدو قزمة وضبابية؛ كدليل على ضعف وتراجع المستعمر. ويكاد يكون نفس المشهد من فيلم "معركة الجزائر". وتظل السيدة عائشة وفية لزوجها الغالي. وتقول إنها تحرص بكل جهدها، على أن يبقى اسم هذا الفنان الكبير حيا يعيش بيننا، خاصة أن جمهوره وتلاميذه لايزالون أوفياء لذكراه، ويتصلون بها لتقابلهم في هذا المعرض. ورغم بُعد سكنها فهي لا تتردد، وتبقى حتى المساء، تستقبل الوافدين.

وعن الراحل حيون قالت زوجته: "وُلد الفنان في حي "لابوانت"، وكان مولعا منذ طفولته، بالرسم، فكان يرسم على جدران المنازل البيضاء، ليحوّلها إلى لوحات؛ ما اضطر والده لتسجيله بمدرسة الفنون الجميلة "لامارين"، ليدرس مرتين في الأسبوع. بعدها تتلمذ على يد إسياخم ومسلي وشوفالي وغيرهم. وفي سن 17 سنة هاجر إلى فرنسا. وبعد الاستقلال عمل في البنك، ورسم ونقش على العملة وبعض النقود، ثم التحق بقصر المعارض بالصنوبر البحري. كما أنجز بعض الكتب الجميلة، منها كتاب له يتضمن سيرته. وتضمّن المعرض بورتريهات للراحل رسمها بعض رفقائه، منهم  الفنانان عبد الرحمن بختي ولبصير؛ تكريما له بعد رحيله. وقد تعاطى الراحل مع مختلف الأساليب والمدارس الفنية. كما مزج بين عدة أساليب في بعض الأعمال؛ حيث يستعمل شبه التجريدي والمنمنمات. كما رسم لوحات زيتية وأخرى مائية، إلى جانب النقش والنحت. وشمل المعرض أعمالا لم تكتمل للفنان. كما عُرضت في وسط الرواق محتويات ورشة عمله؛ قصد إعادة تشكيل الأجواء التي كان يشتغل فيها، والتي تحدثت عنها زوجته.

وما يميز هذا الفنان هو اشتغاله على الذاكرة، خاصة بالنسبة لحرب التحرير التي عاش ويلاتها، حيث تعرّض فيها للمضايقات والسجن من قبل المستعمر، ليقدم أعماله المخلدة لتضحيات شعبه، مثلما هي الحال مع لوحتي "المنسية " و"المحارب". للإشارة، انطلق الفنان الراحل نحو الاحتراف في منتصف ستينيات القرن الماضي، بمشاركته الأولى في معرض جماعي سنة 1965 بالاتحاد الوطني للفنون التشكيلية. وتابع تكوينا في الفنون الجميلة بالجزائر، وقدّم أول معرض فردي سنة 1969. وتحصّل الفقيد على الجائزة الأولى من مسابقة "جائزة الجزائر الكبرى للتشكيل" عام 1983. وكان الفقيد أنجز عددا من الجداريات الفنية التاريخية لفائدة متحف الجيش. كما عرض في الكثير من الأروقة. واستضافته المعاهد والمراكز الثقافية الأجنبية بالجزائر. كما شاركت أعماله في معارض بالخارج؛ حيث عرض صالح حيون أكثر من 250 لوحة فنية قبل خمس سنوات من وفاته، في فعالية تشكيلية ضخمة استضافها المتحف الوطني للفنون الجميلة بالجزائر العاصمة. وشكّل المعرض خلاصة لتجربته الفنية الغنية، والتي لامست الكثير من التوجهات الفنية العالمية باحترافية.