رحيل الأستاذ أحمد جكاني متأثرا بفيروس "كورونا"

مسار محارب صنديد

مسار محارب صنديد
  • القراءات: 881
لطيفة داريب لطيفة داريب

نعى الدكتور في النقد محمد تحريشي، رحيل صديقه وزميله بجامعة بشار؛ أحمد جكاني، أستاذ الأدب المقارن والآداب الأجنبية، بكلمات تنفطر لها القلوب وبحسرة على فقدان رجل بقيمة جكاني متأثرا بفيروس "كورونا" .

تحدث الدكتور تحريشي لـ"المساء"، عن صعوبة فراقه لصديقه أحمد جكاني الذي طالما تقاسم معه الكثير، مشيرا إلى أنه حينما بلغه خبر وفاة أحمد جكاني، قرر أن يكتب عنه، بقلب مفعم بالحزن والأسى عن فراقه، بعد كل هذه السنوات من العشرة الطيبة والرفقة الجميلة.

في هذا السياق، كتب تحريشي: "تغادر وأنت تحمل معك صخرة سيزيف وهموم بريخت وطموحات المسرح وآفاق الأدب المقارن، وإشراقات الآداب الأجنبية، تغادر يا صديقي بعد سنوات من التحصيل المعرفي والتألق المعرفي، تغادر يا جاحظ زمانه في معاشرته للكتب والمكتبات، تغادر بعد رحلة طويلة للعلم والتعلم".

عاد الدكتور إلى أول لقائه بجكاني، وكان ذلك سنة 1978 بجامعة وهران، حينما رافق الراحل الأمين الزاوي وربيعة جلطي وزينب الأعوج والسايح الحبيب والكثير من الأسماء التي صنعت مجد الكتابة الإبداعية في الجزائر.

تابع أن جكاني غادر إلى سورية ممنوحا من الجزائر لاستكمال دراسته، وبعد حصوله على دبلوم الدراسات العليا، سجل بجامعة دمشق موضوعا حول تأثير بريخت في مسرح الهواة في الجزائر.

وللتسجيل هذا قصة أخرى نرويها للصبيان، لكي يعرفوا معنى المعاناة والصبر والجلد، من هاهنا بدأت رحلة جكاني أو سيزيف مع موضوع صعب وشاق، إذ كيف يمكن البحث في موضوع لا وثائق فيه، وكيف التنظير لموضوع هو في طور التشكل، وكيف يمكن القبض على الماء وهو يتسلل من بين أصابعه؟- يتساءل تحريشي-.

أضاف أنه ومع ذلك، قاوم جكاني الجفاء والعطش ومغريات السراب في البحث الأكاديمي، ففتش عن المسرحيات التي لم تعد موجودة، إذ ارتبطت بالمشاركة في مهرجان مسرح الهواء بمستغانم، وما إن ينتهي العرض ينتهي وجود المسرحية، كما دخل أقبية الأرشيف لجرائد "الجمهورية" و"الشعب" و"المجاهد" و"الجزائر الأحداث"، ليفتش عن سر الخلود لمسرح الهواة الفاني.

كما ذكر أنه قرأ لموضوعه باللغتين العربية والفرنسية، وأصبح جكاني من المختصين في مسرح بريخت مع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن، وقد كوّن لنفسه أرشيفا مهما حول المسرح في الجزائر، وفي الوطن العربي والعالم.

أكد المتحدث أن جكاني لم يتوقف يوما عن القراءة لبحثه، لكن شاءت الأقدار أن يحمل حقائبه ويرجع إلى الجزائر حاملا معه هموم هذا البحث صخرة سيزيف، ثم سجل بإحدى الجامعات الجزائرية الموضوع نفسه وأكلمه ونال شهادة الماجستير، بعدها  التحق بجامعة بشار (المركز الجامعي بشار، آنذاك) ليعمل بها مسؤولا عن النشاط الثقافي، ثم يصبح مديرا للخدمات الجامعية، ولما فتح تخصص الأدب العربي، أصبح أستاذا مدرسا بقسم اللغة العربية وآدابها، ثم تولى رئاسة القسم لسنوات، وقد تخرج على يديه مئات الطلبة إلى أن وافته المنية الأربعاء 21 جويلية 2021، فترجل واضعا حدا لصخرة سيزيف مع حسرة في القلب وخيبة أمل، غادر في صمت بعد إقامة في مستشفى بشار، حيث الصحة في هذه المدينة مريضة وزادها هذا المرض اللعين مرضا، وكشف عن عورتها، ـ يضيف تحريشي-.

تابع مجددا: "وأنا أكتب هذه الكلمات تذكرت حدثا مماثلا، فقد كنت أنتج حصة إذاعية بإذاعة بشار حول أسئلة الكتابة، وكان ضيفي الأستاذ أحمد جكاني، وكان موضوع الحصة رواية معركة الزقاق لرشيد بوجدرة، ونحن نهم بالدخول إلى الاستيديو، جاءنا نعي الصديق الأستاذ حسين قحام، فاختلطت المشاعر وتضاربت الأهواء، وأذكر جيدا أنني قدمت الحصة ودموعي لم تتوقف عن النزول عن خدي، والأمر يحصل معي الآن، أكتب وشريط الذكريات يعتصر أكثر من أربعين سنة من الصداقة، أكتب وأنا أتذكر مسيرك في أروقة معهد اللغة العربية بجامعة وهران، أكتب وأنا أرى شريط سنوات قضيناها بدمشق، خاصة ببيت الصالحية ومساكن بزة، وأشهر مكثنا فيها مع بعض بحلب في بيتي والصديق سلامي رفقة المرحوم الأستاذ قحام حسين".

كتب أيضا: "أكتب وأنا أراقب شريط ما بنيناه بجامعة بشار من آمال ومشاريع، حيث رافقتني في الإدارة بوصفك رئيس قسم لما كنتُ عميدا للكلية، وأنا أكتب هذه الكلمات تحضرني رحلاتنا إلى الملتقيات عبر الجزائر وجامعاتها، وأنا أكتب هذه الكلمات تحضرني إسهاماتك في تفعيل الحركة الثقافية بولاية بشار، وأنا أكتب هذه الكلمات أرى كيف نترجل تاركين وراءنا أحلاما وآمالا وحسرة وفي حالات غصة. أكتب هذا الكلمات وأنا أرى حزنا يعتصر قلب كل من عرفك أو عاش معك أو قاسمك لحظة فرح وكثيرا من المعاناة، خاصة قدماء الطلبة الجزائريين بسورية".

في المقابل، سيزيف أو سيسيفوس كان أحد أكثر الشخصيات مكرا بحسب الميثولوجيا الإغريقية، حيث استطاع أن يخدع إله الموت ثاناتوس، مما أغضب كبير الآلهة زيوس، فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا إلى الأبد، فأصبح رمز العذاب الأبدي.