5 أفـلام في "بطاقة بيضاء"

مرايا جمالية تعكس تحوّلات المجتمع وأسئلته

مرايا جمالية تعكس تحوّلات المجتمع وأسئلته
  • 146
تيميمون: نوال جاوت تيميمون: نوال جاوت

في إطار الاحتفاء بالسينما الجزائرية القصيرة وما تحمله من مرايا اجتماعية وجمالية تعكس تحوّلات المجتمع وأسئلته، اختار المخرج والكاتب عبد النور زحزاح خمسة أفلام قصيرة تمثّل، على حدّ تعبيره، الجزائر اليوم بكلّ تناقضاتها واندفاعاتها. ويقول في كلمته إنّ هذه الأفلام، رغم اختلافها الشديد، تتّصل جميعها بخيط واحد هو إلحاح الحاجة إلى القول، إلى الإحساس، وإلى الأمل. فيلم "سكتو" للمخرج خالد بن عيسى يحمله إلى توتر خافت، توتر مجتمع يقول صمته أحياناً أكثر مما تقول كلماته، بينما يتناول "بنات العم" للياس سالم برقة الرغبات الأولى والتابوهات التي تحيط بها. ويواجه "خُويا" ليانيس كوسيم العنف الخفي في الحياة اليومية بشجاعة وبحياء نادرين، في حين يستحضر "الأقدام على الأرض" لأمين عتو شباباً جزائرياً يحلم رغم كل شيء، وأقدامه راسخة في الواقع. ويختتم فيلم "تلك الحياة الجميلة" لرامي علوي الرحلة بترنيمة للحياة والإبداع وجمال اللحظة الهشّة.

تتوزع هذه الأفلام بين الخيال والدراما والكوميديا، وتضيء على زوايا مختلفة من التجربة الجزائرية المعاصرة. يبدأ برنامج "بطاقة بيضاء " بفيلم "بنات العم" (Cousines )، من نوع الكوميديا الدرامية، مدته 32 دقيقة ومن إنتاج 2004، ومن إخراج إلياس سالم الذي بدأ مسيرته في المسرح قبل أن ينتقل إلى السينما والتلفزيون ويحصد سنة 2012 جائزة في مهرجان الدراما التلفزيونية بمدينة لا روشيل. ومنذ 1999، بدأ سالم بإخراج أفلامه الخاصة مثل "جون فارس" ثم "بنات العم" الذي فاز بجائزة سيزار لأفضل فيلم قصير سنة 2005، قبل أن يخرج فيلمين طويلين هما "مسخرة" سنة 2008 المرشح لجائزة السيزار، و"الوهراني" سنة 2013. يروي الفيلم قصة دريس، شاب فرنسي من أصول جزائرية يقضي شهرًا في الجزائر، حيث يلتقي بأبناء عمومته وأصدقائه القدامى ويتعرف على نجمة، ابنة عم بعيدة، التي تتعلم من خلال علاقتها به معنى الحرية، رغم كونها مخطوبة لابن عمه عمران.

أما فيلم "خُويا " فينتمي إلى الخيال والدراما ومدته 16 دقيقة ومن إنتاج 2010، ويحمل توقيع المخرج يانيس كوسّيم الذي تدرّب في مواقع التصوير إلى جانب كوستا غافراس وفيليب فوكون. وكتب كوسّيم سيناريو الجزء الثالث من السلسلة الشهيرة "ناس ملاح سيتي"، كما أخرج سنة 2007 فيلمه القصير الأول "خْتي" الذي اختير ضمن مهرجان فسباكو 2011، قبل أن يقدّم فيلمه الوثائقي "أبي أسطورة" ويطوّر عدّة أفلام طويلة مثل "بحارة" و"الجزائر ليلاً"، وصولاً إلى آخر أعماله الروائية الطويلة "رقية" الصادر سنة 2025. يعالج "خُويا" قصة أم وثلاث أخوات وأخ واحد، حيث يتحول الفضاء المغلق لبيت جزائري عادي إلى مسرح لعنف يمارسه الأخ على شقيقاته بينما تلوذ الأم بالصمت. وتكون النهاية مأساوية بقدر ما هي حتمية في واقع يومي مثخن بالتوتر.

ويحضر أيضًا فيلم "سكتوا" من نوع الخيال، مدته 17 دقيقة ومن إنتاج 2009، من إخراج خالد بن عيسى، الذي بدأ مسيرته السينمائية بالتوازي مع دراسته للهندسة المعمارية، واشتهر بدوره في فيلم "مسخرة" لإلياس سالم. وقد أخرج عدة أفلام قصيرة، من بينها "سكتوا" الذي نال جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان فسباكو 2009. كما لعب دورًا رئيسيًا في فيلم "العربي بن مهيدي" وحقّق نجاحًا واسعًا في التلفزيون من خلال مسلسل "الخاوة". ويتتبع الفيلم قصة صحفي يقدم برنامجًا إذاعيًا ليليًا بعنوان "احلم لتستيقظ"، مخصصًا لتأويل أحلام المستمعين، لكنه حين يعود إلى منزله عند الفجر لاستعادة النوم، يجد نفسه عاجزًا عنه عندما تبدأ المدينة كلها بالاستيقاظ.

وتواصل البرنامج مع فيلم "تلك الحياة الجميلة That Lovely Life"، وهو فيلم خيالي من 22 دقيقة أُنتج سنة 2017، ويحمل توقيع المخرج رامي علوي. الذي تخرّج من مدرسة عليا للفنون البصرية وتحصل على ماجستير في الصورة، وهناك أخرج هذا الفيلم بمشاركة كتابية مع ندير محمدي، ثم تابع دراسته في مدرسة الإخراج السينمائي بباريس، ليعمل لاحقًا مديرًا للتصوير ومخرجًا ويشارك في تأسيس المجموعة الفنية "ألاموريسكا" التي أنجزت مشاريع فنية مثل "أوّل عيطة" سنة 2019. تدور قصة الفيلم في مستقبل غير محدّد، حيث تعيش أسرة شمال إفريقية — مهدي (27 سنة)، نبيل (55 سنة) وفضيلة (52 سنة) — تحت حظر تجوّل دائم، يجبر المواطنين على البقاء في منازلهم والعمل منها إلى حين إعلان "القضاء على اليد الأجنبية". يصبح التلفزيون نافذتهم الوحيدة على العالم، لكن مهدي، بفعل سلسلة أحداث، يبدأ بالتشكيك ثم التمرّد على طريقته الخاصة.

"الأقدام على الأرض – Les pieds sur terre" للمخرج أمين عتّو، مدّته 9 دقائق ومن إنتاج سنة 2011، وينتمي إلى نوع الكوميديا والخيال. عتّو، الحاصل على ماجستير في الإخراج السينمائي من كلية كولومبيا في شيكاغو والمتخرج من معهد الصحافة بالجزائر، سبق له أن فاز ببرنامج الأفلام الوثائقية في مدرسة "لافيميس" سنة 2009 حيث قدّم فيلمه الأول "زمن رقصة"، كما أسّس مختبر بجاية السينمائي بين 2015 و2017. وعُرض فيلمه الروائي الطويل الأول "جانيتو" في مهرجان فسباكو 2022 ومهرجان Africa in Motion ومهرجان Liverpool Arab Arts Festival. ويروي الفيلم قصة نسيم الذي يستيقظ كل صباح ليجد نفسه طافيًا في الهواء، وقد فقدت الجاذبية تأثيرها عليه، ما يجعل يومياته أكثر تعقيدًا وصعوبة.

يشكّل فيلم "إشاعة.. إلخ"، الذي تبلغ مدته عشرين دقيقة وأُنتج في الجزائر سنة 2003، نموذجًا لأسلوب سينمائي يجمع بين الكوميديا والخيال، لقراءة تفاصيل الحياة اليومية للجزائريين، عبر قصة بسيطة المظهر، لكنها محمّلة بدلالات اجتماعية عميقة. الفيلم من إخراج محمد لطرش، السينمائي الذي تكوّن عصاميًا من خلال التجربة الميدانية، بعد أن درس العلوم السياسية في باريس قبل أن يشق طريقه نحو العمل السينمائي بمختلف فروعه، من كتابة السيناريو والتمثيل، إلى الإنتاج والتوزيع. وقد أسس لطرش شركة "صورة فيلم" في الجزائر، حيث أنتج عددًا مهمًا من الأفلام القصيرة المتوّجة بعدّة جوائز، كما وزّع أفلامًا دولية داخل البلاد، قبل أن ينتقل تدريجيًا من الإخراج الروائي إلى الفيلم الوثائقي، مركزًا اهتمامه على الذاكرة الجماعية والرموز الجزائرية.

تدور أحداث الفيلم حول بشير، شاب يبلغ الخامسة والعشرين من العمر، يحلم بالسفر وربما الوصول إلى فرنسا. يعيش بشير في دائرة انتظار لا تنتهي، مترقّبًا يوميًا مرور ساعي البريد لعلّه يحمل الجواب المنتظر بخصوص طلب الفيزا، غير أنّ الرسالة لا تأتي، والملل الذي يملأ أيامه يتحوّل إلى فراغ يبتلع تفاصيل حياته. وسط هذا الجمود، تنطلق في الحي إشاعة بسيطة لكنها كفيلة بإشعال النقاشات، إمكانية تغيير عطلة نهاية الأسبوع في الجزائر من الخميس والجمعة إلى السبت والأحد، تتحوّل الإشاعة إلى حدث قائم بحد ذاته، يشغل الجميع ويملأ الوقت ويكسر رتابة الأيام، بل يصبح بديلًا عن الحلم المؤجّل الذي يقبع في ذهن بشير، فيجد فيها المجتمع مادة للحديث والتحليل والتخمين، باعتبارها وسيلة للهروب من الانتظار الجماعي الذي يشبه انتظار بشير لخبرٍ لن يأتي. بهذه الحبكة، يقدّم محمد لطرش عملًا ساخرًا وواقعيًا في الوقت نفسه، مستفيدًا من خيال بسيط لالتقاط تفاصيل دقيقة من الحياة الجزائرية، حيث تتحوّل الإشاعة إلى فسحة جماعية تُنعش المخيّلة وتكشف إيقاع يوميات تُقاوم الرتابة بالحكي والتوقعات.

يرتبط برنامج "البطاقة البيضاء" الذي أوكل خلال هذه الدورة للمخرج عبد النور زحزاح، كاتب سيناريو ومخرج ومنتج جزائري تخرّج من جامعة الجزائر، ووقّع سنة 2002 فيلمه الأول "فرانز فانون، ذاكرة اللجوء"، قبل أن ينتقل إلى فرنسا حيث أخرج عدة أعمال وثائقية، من بينها واحد مخصّص للكاتب موريس بونس. وبعد عودته إلى الجزائر سنة 2007، أنجز العديد من الأفلام الوثائقية حسب الطلب إلى جانب تطوير أعماله الشخصية، وحقق حضورًا دوليًا لافتًا بفيلمه القصير "قراقوز" سنة 2010 الذي حاز على عدة جوائز، وبفيلمه الوثائقي الطويل "الوادي، الوادي". وفي 2024، قدّم أول فيلم روائي طويل له يتناول إقامة الطبيب فرانز فانون في مستشفى الأمراض النفسية بالبليدة، مؤكداً اهتمامه بالذاكرة وبالأسئلة السياسية والإنسانية العميقة.