"الخالدون" بدار "مالك حداد"

محطات تاريخية من بطولة شعب

محطات تاريخية من بطولة شعب
  • القراءات: 849
زبير. ز زبير. ز

نقلت ملحمة "الخالدون" الجمهور العريض الذي حضر إلى قاعة العروض الكبرى بدار الثقافة "مالك حداد" بقسنطينة، أول أمس، إلى عصور غير عصورهم، وإلى عوالم غير عوالمهم، وعرفتهم ببطولات أبناء هذه الأرض الولادة، الذين رفعوا مشعل الحرية، ورفضوا الظلم والاستبداد عبر آلاف السنين، انطلاقا من ملك نوميديا ماسينسيا، إلى أبطال ثورة التحرير المظفرة.

"خالدون" التي أنتجتها دار "مالك حداد" وكتب نصها السعيد بولمرقة وصمم عرضها كريم بودشيش بمساعدة أحمد حمامص في الإخراج، لخصت في ساعة وربع ساعة، أهم المحطات التي شهدتها هذه الرقعة الجغرافية من الوطن من حروب ضد الاستعمار، وسلطت الضوء على الأبطال الذين رسخوا أسماءهم بالحبر والدم في تاريخ المنطقة، فكانوا خالدين، وتناقلت بطولاتهم الأجيال.

الملحمة التي أنتجت بمناسبة احتفالات ستينية استرجاع السيادة الوطنية، تفاعل معها الحضور بشكل كبير، إما بالتصفيق والهتاف أحيانا، أو بالزغاريد والتكبير أحيانا أخرى، خاصة أن هذا العمل الفني حمل بعض المشاهد التي اقشعرت لها الأبدان، حبا في الوطن وتضحية من أجله، بل أدمعت الأعين في ظل ما عاناه شعب هذه المنطقة من ظلم واستبداد، وتقتيل، وتهجير واستعباد. وانطلقت أحداث الملحمة من الحروب البونيقية التي قادها أغليد غايا، الذي مات في سبيل الحرية، وخلفه نجله أغليد ماسينيسا ملك نوميديا، الذي حارب وقاوم من أجل إبعاد خطر المستعمر عن بلده منذ أكثر من 2000 سنة قبل الميلاد، حتى وافته المنية، ودفن بضريح بسيرتا التي حارب من أجلها، تاركا العرش لابنه ماكيبسا، الذي حاول أبناؤه بعده تقسيم مملكة نوميديا إلى ثلاث مملكات، لكن يوغرطا حفيد ماسينيسا، وقف ضد هذا التقسيم الذي يخدم مصلحة العدو، وحاول بكل ما أوتي من قوة وشجاعة، جمع المملكة من جديد قبل أن يتعرض للخيانة وتأسره روما وهو يردد شعار "إفريقيا للأفارقة".

ثم سلطت الملحمة الضوء عن مرحلة الملكة ديهيا، وفتوحات عقبة بن نافع الذي أسس للأخوة بين أبناء المنطقة من أمازيغ وعرب تحت راية الإسلام، فكانت الجزائر نقطة انطلاق لوصول الإسلام إلى غرب أوروبا، لتعرج على الحكم العثماني مع بطولات الأخوين خير الدين وبابا عروج، اللذين وقفا في وجه الأطماع الإسبانية التي كانت تريد احتلال شمال إفريقيا، وهي نفس أطماع فرنسا التي استغلت في القرن التاسع عشر، حادثة المروحة، فشنت حملة استعمارية قادها جيش نابليون، وواجهها الداي حسين الذي خسر المعركة.

من جهته، عاد أحمد باي إلى قسنطينة لتنظيم صفوف المقاومة شرق البلاد، في حين ظهر في الغرب الأمير عبد القادر الذي جمع القبائل حوله، وأسس معالم الجزائر الجديدة، وأوقف أحمد باي الهجمة الفرنسية الأولى على قسنطينة التي قادها الجنرال كلوزال، لكن المدينة سقطت بعد 11 شهرا من الهجمة الأولى، بعودة انتقام الاستعمار الذي هدم الأسوار، ونكل بجثث الثوار. مرحلة أخرى أبرزتها الملحمة، وهي مرحلة الثورات التي خرجت إلى العلن ضد الاستعمار وقادها رجال حملوا على عاتقهم مهمة الكفاح من أمثال أحمد بوزيان، الذي قاد ثورة الزعاطشة إلى المقراني والشيخ حداد وقضية نفيه إلى كاليدونيا الجديدة، فثورة الأهقار وجانت التي قادها شيخ التوارق الأحرار، أمود أغ المختار الذي دوخ الجنرال لابيريني، كما دوخت سيدة جرجرة فاطمة نسومر جيش الاستعمار بالشجاعة والسلاح. وكان لسلاح القلم دور كبير في مجابهة الاستعمار، فقاد الإمام ابن باديس صاحب مقولة "شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب"، المقاومة الفكرية والثقافية، ومهد بأفكاره لثورة التحرير.

هذه الأفكار نضجت، حسب الملحمة، بعد أحداث 8 ماي 1945 وسقوط آلاف الشهداء بسطيف، وقالمة وخراطة، حيث أعلن 6 من أبناء هذه البلد الأشاوس في لقاء لهم، عن تاريخ انطلاق الثورة التي قدمت ملايين الشهداء الذين سقوا التراب بدمائهم الزكية. وبرز بقسنطينة كل من ديدوش مراد، ومسعود بوجريو، وزيغوت يوسف إلى الفدائيين حملاوي، والأختين مريم وفضيلة سعدان، ومريم بوعتروة، الذين فضلوا الاستشهاد على العيش في كنف المستعمر.

ورسمت الملحمة سورة قاتمة عن أبشع أساليب التعذيب بمركز أمزيان، لتكون آخر محطة في الملحمة اتفاقيات إيفيان التي سبقت الاستقلال، قبل أن تصور مشهدا خياليا في لقاء بين ماسينيسا والعربي بن مهيدي، اللذين نالا احترام الصديق والعدو. وكانت صورة الجزائريين وهم يحتفلون بالأعلام الوطنية، آخر مشهد في الملحمة التي اعتمدت على ديكور بسيط، وعلى مشاهد حقيقية وأخرى من شاشة عملاقة. واختيرت الدراجة في الحوار البسيط مع اختيار بعض الفقرات باللغة العربية، وجمل أخرى بالفرنسية لأداء المعنى، وبإقحام رقصات كوريغرافية تعبيرية بموسيقى محلية، اختلفت باختلاف المناطق والأزمنة.

ومن جهته، أكد الفنان كريم بودشيش، مصمم العرض، أنهم عملوا ضمن طاقم يضم أكثر من 50 ممثلا، طيلة شهر، حتى يكون العمل جاهزا للعرض في احتفالات عيدي الشباب والاستقلال، مضيفا أن العمل حاول الجمع بين الجوانب الفنية والتاريخية. ووصف هذا العمل بالممهد للولوج إلى تاريخ الجزائر. وقال إن الملحمة فاتح شهية للجمهور من أجل الغوص في أهم الأحداث التي ميزت المنطقة مند آلاف السنين.

أما الفنان السعيد بولمرقة فأكد أن العرض اعتمد على السرد من طرف الراوي، الذي مثله هو شخصيا، ويمهد لانطلاق المشاهد والعروض، في حين أكدت السيدة أميرة دليوة، مديرة دار الثقافة "مالك حداد" منتجة هذا العمل الفني، أن الطاقم الفني لهذه الملحمة عمل بجد، خاصة خلال الأيام العشرة الأخيرة، معتبرة أن مؤسستها تساهم دوما وتشجع الأعمال الهادفة التي تصب في مصلحة الوطن.