معرض ”جان بول سارتر” في باريس

محاولات اغتيال وإيمان راسخ بالقضية الجزائرية

محاولات اغتيال وإيمان راسخ بالقضية الجزائرية
  • القراءات: 859
ق. ث / الوكالات ق. ث / الوكالات

يعتبر جان بول سارتر، الفيلسوف الفرنسي الأكثر شهرة في العالم، لم يتوقف مشروعه الفكري عند حدود الفلسفة والمحاضرات ولا حتى عند نصوصه المسرحية أو رواياته، بل بدا جليا في حياته المثيرة التي عاشها مثقفا عضويا مناصرا لقضايا الشعوب المظلومة والمهمشة، مواقف كثيرة صدرها سارتر ودافع عنها بالقلم وحتى بالتظاهر في الشارع، مواقف ضد الاستعمار، أو رفضه لجائزة ”نوبل”، ومساندته المطلقة للثورة الجزائرية جعلته المفكر الأكثر تأثيرا وعرضة للخطر.

في ذكرى ميلاد الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، صاحب الجدار، والوجود والعدم والكلمات، الذي أعاد النظر في الوجودية، وشغل الكثيرين من مفكري اليسار، كذلك هو واحد من القلائل الذين رفضوا جائزة نوبل للأدب التي منحت له عام 1964، ويعزو سبب رفضه إلى طبيعة الجائزة التي ستجعله مؤسساتيا، وتهدد أثر نصوصه على الناس.

في إطار معرض ”مخطوطات صارمة” الذي تقيمه المكتبة الوطنية في باريس، هناك مجموعة من المخطوطات لرسائل ونصوص وخواطر مصنفة ضمن أربعة أقسام ”السجن، الشغف، الغضب، الملكية”، ويقدمها المعرض كشكل من أشكال الكتابة اللارسمية، أي تلك التي لا تشكل منتجا أدبيا بل تتحرك حوله، فهذه النصوص ليست مخطوطات بالمعنى الأدبي، بل هي كتابة تلبي الحاجة إلى القول، ومخاطبة الآخر في ظروف شديدة، ما قبل الموت، الاعتقال والحب العارم.

يتوجه الكاتب إلى قارئ قد لا يكون معروفا، وتأتي قسمة هذه الكتابة الأرشيفية كونها تعكس شروط حياة شخصية تاريخية ما، لم تتحول نصوصها إلى منتجات ثقافيّة، بل بقيت أسيرة الأدراج والمصنفات والصور، سواء كانت على جدران السجن أو ضمن رسائل شخصية أو غيرها من النصوص التي يمتلك شكلها ومضمونها وظيفة خاصة، تتجاوز تلك الأدبية نحو قيم تاريخية ووثائقية.

المفكر والفيلسوف الذي رفض جائزة نوبل كان محط عدة محاولات اغتيال وتلقى عدة رسائل تهديد بسبب موقفه السياسي، خاصة مع الجزائر .

من ضمن المخطوطات الموجودة في قسم ”الغضب”، رسالة من مجهول موجهة إلى جان بول سارتر عام 1961، إثر محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها عام 1962 من قبل المنظمة السرية المسلحة، إذ زرعوا عبوة متفجرة في شقته في باريس، إلا أن أحدا لم يصب بأذى.

يعود سبب محاولات الاغتيال هذه إلى نشاط سارتر في الخمسينات، إذ لم يتوقف عن انتقاد سياسات فرنسا في الجزائر، فكل مقالاته كانت موجهة ضد ممارسات القمع والتعذيب والاعتقال والقتل التي كانت تقوم بها فرنسا ضد الشعب الجزائري، إلى جانب دعمه لجبهة تحرير الجزائرية (الأفلان) وتوقيعه على بيان الـ121 الذي يرى في نضال الجزائريين حركة شرعية للتحرر، ويدعو إلى رفض استخدام الجيش الفرنسي للتعذيب هناك، واحترام رغبة الذين رفضوا أداء الخدمة العسكرية في الجزائر والتدخل في الصراع هناك.

الرسالة الموجودة في المعرض تشير بدقة إلى الأسلوب المعتمد في الاغتيال، وهو عبوة ناسفة، بالإضافة إلى استخدام الألوان والزينة نوعا ما للإشارة إلى ”العبوة” التي سيتم زرعها، كما توجد في أعلى الرسالة جمجمة مرسومة باليد لتبدو الرسالة كأنها مكتوبة من قبل طفل أو مراهق، إلى جانب الصبغة فائقة الوطنية التي تحويها الرسالة، كالعلم الفرنسي على الأطراف ورموز تستعيد حكومة فيشي الموالية للنازيين.

من ضمن ”التهديدات” يوجد الآتي ”حكم عليك بالموت لأنك عشت ملعونا، أفسدت شبابنا وخنت حزبك لأجل جبهة التحرير الوطنية الجزائرية، لكن ميتتك المشينة قريبة الموعد”، وهناك أيضا ”إن الصندوق الصغير المتفجر الموجه لك جاهز”، سنجدك أينما كنت، ونرسلك في ”إجازة”.

المعرض ضم رسائل شخصية وغيرها من النصوص، من بينها هذه الرسالة التي هدد فيها مجهولون سارتر بالاغتيال.