الكاتب الكبير قدور محمصاجي ضيف أربعاء الكلمة

مثقف زاده التراث والهوية

مثقف زاده التراث والهوية
  • 715
مريم. ن مريم. ن

استضاف فضاء أربعاء الكلمة بميدياتيك بشير منتوري أول أمس، الكاتب المعروف قدور محمصاجي للحديث عن مساره الأدبي والعلمي والفني، وللوقوف عند بعض معالم تراث القصبة الزاخر ، حيث ذكرياته مع بعض المثقفين والفنانين، ومع رفيقة دربه الراحلة سامية التي كان لها الفضل في دعمه والوقوف إلى جانبه.

دخل الأستاذ محمصاجي القاعة على وقع الزغاريد المرحبة به وبمجيئه رغم ظروفه الصحية الصعبة وتقدمه في السن (91 سنة)، وعدم قدرته على السير ليلتقي الحضور الغفير بالتحية خاصة للفنانين والباحثين والكتاب والشعراء، كان منهم مثلا عبد الحميد بورايو، نور الدين سعودي، الناشط لونيس آيت واعدية، نادية سخري وغيرهم.

استعرضت المنشطة فوزية لرادي مسار الضيف متوقفة عند تعاطيه لفن الرواية والقصة والشعر وفي الموسيقى والتراث والإعلام وغيرها، وعمله مستشارا لوزراء، وبروزه في مجال التربية والتعليم، علما أنه أسس مجلة بعنوان “المدرسة غدا”.

استهل محمصاجي تدخله بالحديث عن البوقالة التي جمع تراثها كله مستغلا مناسبة الاحتفال باليوم الوطني للقصبة لعرض ما أنجزه، وليصحح بداية كلمة “بوقالات” بـ«البواقل”، مؤكدا أنها ظهرت ضمن سياق تاريخي معين ارتبط بالعهد العثماني، وأشار إلى أن الكثير مما جمعه كان من أبناء الراحل محمد بن شنب (خاصة ابنه الراحل جعفر) وكذا من المناضل الوطني والمثقف الكبير مصطفى لشرف الذي كان أستاذه في مادة اللغة العربية.

قال المتدخل إن البوقالة ظهرت مع عهد البحرية الجزائرية، حيث كان الرجال يخرجون للبحر خاصة أثناء الحروب والغزوات منذ القرن الـ16، فيما كانت العوائل تبقى تحت الضغط منتظرة الأخبار خاصة منها النسوة فمنهن من تنتظر الزوج أو الخطيب أو الابن أو الأب وهكذا، لذلك كانت النسوة تجتمع في سطح الدويرة ليلا وكل واحدة كانت تحلم بعودة هؤلاء، وغالبا ما كن يجتمعن بعد صلاة المغرب على موائد القهوة والشاي والحلويات العاصمية التي لا يعلى عليها، كانت هناك سيدة تنطق شعرا عن ابنها البحار، ثم تتحدث كل واحدة عن من يعنيها، والمميز حسب المتحدث أن هذه العادة أصبحت تحمل صفة القداسة لأنها تتعلق بالجهاد والاستشهاد وباستعمال لهجة عاصمية “قحة” ولذلك تفتتح كل بوقالة بالصلاة على النبي والمديح وتتضمن الدعاء ومناجاة الخالق، وكانت كل مستمعة “تنوي” الكلام الموزون على من في خاطرها تقول “والله غير صح”، ثم استعرض الضيف أيضا طقوس هذه العادة الشعبية، منها جلب ماء البحر ب7 موجات ثم تبخيره ب7 أنواع بخور، كما أشار إلى أن نساء تلك الفترة كن متعلمات لذلك تجد رقيا في الشعر واللغة والإبداع.

الأستاذ قدور محمصاجي كان أول من اهتم بلعبة البوقالة من حيث تتبع تاريخها، وهو الذي ترعرع في قلب القصبة، وقد أصدر كتابا حول هذه اللعبة العام 1989 باللغة الفرنسية بعنوان “لعبة البوقالة.. مساهمة في معرفة أحسن لهذه التسلية التربوية والشعبية”.

كما استعرض الضيف آخر إصداراته عن الأمثال والأشعار الشعبية الصادر سنة 2018، ولأن بصره حينها بدأ يضعف فقد سمى الكتاب “شاعرية العين”، علما أن هناك ما يقابلها في اللهجة الجزائرية بالقول “عينو حمرا”، ثم قال أن صحته من حينها تدهورت كثيرا وهو الآن يكاد لا يرى كما أنه لا يقوى على الحركة والكلام الكثير، وما يؤسفه هو أنه أصبح لا يقرأ ولا يكتب لأنه لا يبصر إلا بالكاد وهي أمور كانت زوجته تساعده فيها سابقا إلى درجة أن البعض وصفه بالكتابة ب4أياد، لكنها توفيت ما جعله يتأثر عند حديثه عنها، وتفيض عيناه بالدموع التي لم يستطع مقاومتها.

وعن عائلته قال إنها من القصبة، وكانت تتكون من 4 أشقاء كانت لهم ورشة لصنع ما يشبه الرصاص فسميت بالمحمصاجي، وعند اجتياح القوات الفرنسية للقصبة سنة 1830 تفرق الأشقاء كي لا يقتلوا فرحل أحدهم إلى سور الغزلان، حيث ولد جد قدور وكانت حينها لا تزال تحت الحكم العثماني، وأخ سافر لبجاية والآخر لاسطنبول حيث لا يزال اسمه حاضرا في بعض مبانيها القديمة.

تدخل بالمناسبة أيضا السيد لونيس آيت واعدية الذي استعرض مسار محمصاجي كعميد من أعمدة الفكر والثقافة في الجزائر، إذ كتب وعمره لا يتجاوز ال12 سنة وواجه الاستعمار الفرنسي بكتاباته مدافعا عن الهوية الجزائرية، كما كتب عن مجازر 8 ماي 1945 في الخمسينيات، ونشر الكتاب سرا ثم انتشر بعد الاستقلال إلى أن رآه سفير الصين بالجزائر سنة1965 فقرر إرسال الكتاب لبلاده، حيث نشر ثم ترجم للصينية وكان بذلك محمصاجي أول كاتب جزائري يدخل الصين ثم يستضاف فيها، كما كتب عن أعماله المشاهير منهم كامو.

قال السيد لونيس إن محمصاجي ارتبط كثيرا بزوجته السيدة سامية ويخصص في كل كتاب يصدره اهداء لها كانت ترافقه في كل نشاطاته وتساعده في أعماله، وكان طوال حياته يهتم بالثقافة والفن الجزائري من شعبي وحوزي وبوقالة وحبب القراءة للشباب ورعى المواهب ورافقها وساعدها على النشر، وقال إنه ذات مرة حينما زار محمصاجي باريس في إحدى التظاهرات جاء الجمهور خضرا، فما كان من هذا الأخير إلا أن كرم محمصاجي أستاذه وقال هذا من رعى موهبتي وصنعني، وكذلك الحال مع أسماء أخرى استضافها في حصصه الإذاعية والتلفزيونية منها برنامج “أكتب بريشتي”.

كما استعرض الناشر والمصور سمير جامة بعض من منشوراته المطعمة بالصور التي يلتقطها منها “الكتب الجميلة” ككتاب “قصبة الجزائر”، وكذا تعاونه مع السيد محمصاجي داعيا لتعزيز مثل هذه الكتب وإدراجها في الترويج للسياحة.

كانت المناقشة التي تلت اللقاء جد ثرية ليكرم في الأخير الضيف عرفانا لمساره الذي خدم الهوية والثقافة والعلم في الجزائر.