تلميذ حسان العنابي ورفيق جيل العمالقة
مبارك دخلة.. من رفوف "الكاسيت" إلى "التريند" الرقمي
- 50
سميرة عوام
بين وقار "الصَّنعة" العنابية وسلطان الحداثة الرقمية، يقف الفنان مبارك دخلة واحداً من أخلص حراس النغمة الأصيلة، الذين رفضوا أن يشيخ فنهم أو يطويه النسيان.
فهو ليس مجرد مؤدٍّ في حضرة التراث، بل شريك أصيل في صياغة الذاكرة الفنية لمدينة بونة، تشرّب أصول "المالوف" على يد العملاق حسان العنابي، وعاصر كبار هذا الفن كصديق درب ورفيق جيل، وعلى رأسهم الراحل حمدي بناني، ذلك المبدع الذي انفرد بـ«كمنجته البيضاء" وصار أيقونة عالمية. ومع هذا الترابط الإنساني العميق، شقّ مبارك دخلة لنفسه مساراً خاصاً، ممتلكاً من الشجاعة ما يكفي لنقل إرثه من رفوف "الكاسيت" المنسية إلى فضاءات "التريند" الرقمي. ولم يكن قرار دخلة، سنة 2015، التوقف عن تسجيل الألبومات الورقية انكساراً أمام موجة التغيير، بل كان "وثبة" مدروسة نحو المستقبل، وهو الذي يحمل في رصيده التاريخي أكثر من 70 ألبوماً غنائياً أثرت الخزانة الفنية الجزائرية.
وفي هذا السياق، يؤكد محدثنا أن الترويج الغنائي بات اليوم يسير وفق التطور الرقمي، موضحا "أنا لست غائباً عن الساحة، بل متواجد بقوة عبر صفحتي على فيسبوك وتيك توك، فهذا الفضاء فرض قوته وأصبح أفضل من التلفزيون في ترويج الأغنية". وبذكاء لافت، طوّع منصاته لتكون جسراً مباشراً مع محبيه، ولعل اكتساح أغنيته الشهيرة "في الهوى قلبي تعلّق" لعالم الويب، وتحقيقها أكثر من مليون مشاهدة في وقت قياسي، هو البرهان الذي يسوقه مبارك دخلة على أن "الذوق هو الأساس، ولا توجد أغنية ناجحة وأخرى فاشلة، بل هناك عمل يلامس الناس ويحقق النجاح إذا اتبع الفنان ذوق جمهوره".
وعلى الرغم من اقتحامه عالم التكنولوجيا، يظل مبارك دخلة بوصلة يقتدي بها الجيل الجديد، إذ يرى في الشباب الذين يتوارثون المالوف اليوم "حراساً للهيكل"، ويقول عنهم "المالوف لا يموت، وهناك موجة جديدة يقودها شباب لهم ذوق قوي، يقدمون الأغنية على أصولها ويتبعون القواعد الأساسية للحفاظ على وزنها". وبالنسبة له، فإن الفن رسالة ووفاء، وفاءٌ لأستاذه حسان العنابي الذي يصفه بأنه "ظاهرة وعملاق لم يمت، بل هو حاضر في الأذهان"، وإخلاصٌ لرفيق جيله حمدي بناني، الذي يقول عنه باعتزاز "لما نقول عنابة، نقول حمدي بناني، وهو صديق مقرّب لي".
أما سر بقائه في الصدارة، فيكمن في مرونته الفنية، حيث يوضح "في الأعراس، يتطلب منا تقديم أغانٍ خفيفة حتى يتمتع الجمهور وصاحب العرس بالفرح"، وفي ختام حديثه، يضع مبارك دخلة "دستوره" الخاص أمام المواهب الصاعدة، مشدداً على أن النجاح يبدأ من "قدسية الكلمة"، موجهاً نصيحته للفنانين الجدد قائلا "ركّزوا على كلمات الأغنية ونطقها جيداً حتى تصل إلى قلب الجمهور.. فالنطق السليم يصنع نجاح الفنان، لأن اللحن والكلمات مسؤولية كبرى".
فضاء سينما الهواة بمركز "رايس صالح"
منصة واعدة لاحتضان صُناع الصورة
شهد مركز الترفيه العلمي "رايس صالح" بعنابة ميلاد فضاء ثقافي جديد مخصّص لسينما الهواة، في خطوة وُصفت بالنوعية تهدف إلى ترقية الفن السابع وصقل مواهب الشباب الطامحين لبلوغ الاحتراف. وتأتي هذه المبادرة ثمرة شراكة استراتيجية بين جمعية الفنون السمعية البصرية والإعلام والاتصال وقناة "الجوهرة 23"، بغرض توفير بيئة تفاعلية تجمع بين العرض السينمائي والتأطير الأكاديمي، بما يضمن مرافقة تقنية ونقدية جادّة للمشاريع الفنية الناشئة.
وأكد أحمد عبد الجواد بوخزنة، رئيس الجمعية ومدير قناة "الجوهرة 23"، في كلمته الافتتاحية، أن هذا الفضاء يُعدّ "جسر عبور" للمواهب الشابة، مشدداً على استعداد الطاقم الفني والإعلامي لفتح آفاق الإبداع أمام الشباب، تماشياً مع الرؤى الحديثة لوزارة الشباب والرياضة الرامية إلى عصرنة الأنشطة الثقافية. ومن جهتها، باركت إدارة مركز الترفيه العلمي هذا المشروع، معتبرة إياه إضافة محورية للمشهد الثقافي المحلي، من شأنها المساهمة في تحويل الطاقات الهاوية إلى كفاءات قادرة على إنتاج صورة سينمائية منافسة.
ولم يتأخر الفضاء في أداء مهامه التكوينية، حيث افتُتح البرنامج بعرض الفيلم القصير "القصور" للمخرج الشاب زكرياء شنوف، الذي خضع لمناقشة مستفيضة من طرف لجنة فنية مختصّة. وقد ركّزت المداخلات النقدية على الجوانب الجمالية والتقنية للعمل، ما أضفى طابعاً تعليمياً على الجلسة، قبل أن يُختتم اللقاء بتكريم المخرج وتشجيعه على مواصلة مساره الإبداعي، ليُعلن بذلك "فضاء سينما الهواة" عن نفسه كحجر زاوية في بناء ثقافة سينمائية جادّة، تراهن على الشباب كقوة تغيير إبداعية في المستقبل.